يطلق الفرنسيون تسمية طريفة على الأخطاء المطبعية التي تتسرب للصحف والمجلات فتُفسد المعنى وتُخِلُّ ُّبمتعة المتابعة، فهم يسمونها Coquille أي قوقعة. ويعود أصل التسمية الفرنسية - حسب البعض - إلى تسرب بعض الحروف غير المرغوب فيها أو سقوطها سهوا أثناء التصفيف (زمن مطبعة اللينوتيب او الرصاص) مما يغير المعنى تماما. بينما يعزوها بعض الظرفاء إلى قصة تقول أن الجريدة الرسمية الفرنسية خلال القرن التاسع عشر نشرت قانونا صادرا عن الجمعية الوطنية الفرنسية ينظم تسويق وتصنيف بيض الدجاج حسب الحجم وحسب لون القشرة. وحينما أراد الراقن كتابة Coquille (أي قوقعة) نسيَ أو سها عن كتابة حرف q مما حاد بالكلمة الأصلية عن معناها تماما وحولها الى كلمة بذيئة وسوقية. ولاشك ان معظم هيآت التحرير قد شهدت حالات مماثلة كادت ان تلحق بالجريدة او المجلة عواقب سلبية كبيرة و تبِعات جنائية، لولا وقوف العاملين بقسم التصحيح لها بالمرصاد. فأمام المصححين - الذين يعانون للحؤول دون تسرب هذه القواقع غير المرغوب فيها الى نص المقال الصحفي - مهمة كبيرة حيث لايتوقف عملهم على استئصال الاخطاء المطبعية الناتجة عن الرقن، بل يمتد إلى تصحيح الصياغة اللغوية لدى بعض المراسلين غير المتمرسين أو القراء غير المهنيين ، وإبعاد الاخطاء النحوية، وذلك من أجل هدف سامٍ هو تقديم المقال - والجريدة في المحصلة الاخيرة - في قالب سليم وخالٍ من المِطبَّات، فالاخطاء ،لغوية كانت او نحوية او غيرها، تُفسد على القارىء متعة القراءة، تماما مثل ما تفعل حصاة لعينة في لقمة لذيذة. تصور - عزيزي القارىء - أنك مدعو لمأدبة لذيذة، وأنك شرعت في الاكل من صحن يَعِدُكَ بمذاق لذيذ، وأثناء انهماكك في هذه العملية الطبيعية بكل حواسك، اذا بحصاة أو حبة رمل في إحدى اللقيمات ، تفسد عليك متعة الاكل رغم لذته. وقد يحدث الاسوأ وهو أن تكتشف «حصاة» أخرى او «حصى» كثيرا، حتى اذا بلغ السيل الزبى، وفاقت الحصى قدرتك على التحمل.فإنك لاشك ستنهض عن المائدة آسفا على ضياع الوجبة اللذيذة. فالخطأ المطبعي داخل المقال شبيه إلى حد كبير بالحصاة او حبة الرمل في وجبة لذيذة. فالخطأ الناتج عن سهو او نسيان، قد يكون لاشيء لكنه يفسد كل شيء. والاخطاء درجات، فهناك اخطاء مطبعية تتمكن نباهة القارىء من تجاوزها ومواصلة القراءة، ولكن هناك اخطاء مطبعية ماكرة قد تخل بالمعنى وذلك حين تتحول «ليلة الزجل بدون منازع» مثلاً إلى «ليلة الرجل بدون منازع». وبطبيعة الحال، كلما كان حجم البنط المكتوبة به الكلمة الخاطئة عريضا كلما كان الخطأ جسيما وبارزا. وكما يقال فكلما كان الخطأ جسيما وبارزا للعيان كلما مر من بين أيدي حراس اللغة والقائمين على التصحيح. كما أن الاخطاء أنواع، فهناك الخطأ المطبعي وهو الناتج عن سهو الراقن او الراقنة وهو ما تحدثنا عنه، وهناك الخطأ اللغوي او ركاكة الصياغة، وهو الخطأ الذي يأخذ من المصححين ومن تركيزهم الذهني جهدا جهيدا ويكلفهم عرقا صبيبا، إلى درجة ان كثيرا من المصححين، وهم جنود الخفاء، يفضلون - في بعض الاحيان - إعادة صياغة مقال معين على أن يقوموا بتصحيحه. ومع ذلك فإن الاخطاء، المطبعي منها او اللغوي او النحوي، تتمكن من الجولان بكل سلاسة وانسيابية داخل سطور مقالاتنا، وتفسد على قرائنا متعة القراءة والاطلاع. هذا الواقع لايقلل من المجهود المبذول من طرف اعضاء قسم التصحيح، الذين يقفون بشهاداتهم العالية وتجربتهم الطويلة - مثل حراس للغة وللصياغة السليمة- على أهبة الاستعداد لرد هجمات الاخطاء، لكن بعضها يمر للأسف بين أصابعهم و«يستقر في الشباك» بلغة واصفينا الرياضيين. قد يقول قائل ان «الاخطاء» في الصحف شر لابد منه ، وان كبريات الصحف لاتخلو من «قواقع» حتى ان الوسيطة في صحيفة »لوموند« الفرنسية »فيرونيك موروس« قد نشرت مقالا (19/18 يناير الجاري) جردت فيه بعضا من الاخطاء التي نشرتها الصحيفة خلال العام المنصرم.كما أن لعنة الاخطاء تطارد الصحف الانغلوساكسونية - ذات الصيت العالي - ايضا. بيد ان الفرق بين اخطائنا وأخطائهم فرق شاسع، فهذه الصحف الكبرى قد تجاوزت مرحلة مراقبة وتصحيح الاخطاء المطبعية واللغوية (أصبحت نادرة او منعدمة) الى مرحلة أعلى وهي تصحيح المعلومات التاريخية أو الجغرافية أو العلمية بل تمتد الى تصحيح أسماء الاعلام أنفسهم . والى أن نصل الى هذا المستوى - وهو ليس بعزيز ولا ببعيد - ليكن شعارنا، صحفيين وقراء ، هو جريدة بدون أخطاء.