تفاجأ أفراد أسرة المقاومة وأبناء الشهداء بمضامين التصريحات الأخيرة التي أدلى بها المندوب السامي للمقاومة وأعضاء جيش التحرير، وأعادت نشرها بعض الصحف الوطنية بخصوص موضوع إعادة هيكلة مربعات أسواق الجملة الخاصة ببيع الخضر والفواكه والأسماك. وتكمن خطورة هذه التصريحات في سعي المندوبية السامية للمقاومين إلى سحب الامتياز الذي كان يستفيد منه المقاومون وأبناء الشهداء ، كتعويض جزئي عن ما تكبدوه من مهام جسام ومن تضحيات كبرى لتدعيم استقلال البلاد والدفاع عن مقدساتها العليا. فالأمر لم يكن مرتبطا بهبات تفضيلية، بقدر ما انها كانت وسيلة لحماية أسرة المقاومة من العيش عالة على المجتمع وعلى الدولة ، وتضمن لها الحد الأدنى من العيش الكريم. ولعل هذا ما أدركته الدولة المغربية بعد الاستقلال وسارعت بتفعيله كأبسط واجب تجاه ضريبة الجهاد والنضال التي تكبدها مقاومو المغرب الأبرار وانتقلت تبعاته إلى أسرهم وإلى ذويهم، فمنهم من ترك الأرامل ومنهم من خلف وراءه أيتاما في حاجة إلى العناية والتكفل، ومنهم من ظل يحمل على جسده عاهات مستديمة خلقت إعاقات هي - في نهاية المطاف - عنوانا لضريبة النضال الوطني التحرري ضد جبروت الاستعمار لذلك ، فقد نص الظهير الشريف الصادر تحت رقم 1.62.008 بتاريخ 2 رمضان 1381 ( 7 فبراير 1962 ) على تخصيص 50 % من عدد المربعات داخل الأسواق لأفراد أسرة المقاومة وأعضاء جيش التحرير، قصد تمكينهم من الموارد التي تقيهم من شظف العيش وتحفظ لهم مكانتهم الاعتبارية داخل المجتمع. وعليه، فإن التصريحات الأخيرة للمندوب السامي للمقاومة التي أكدت على عزم المندوبية إعادة تلك الأسواق وإضافة أسواق أخرى تعتمد على التدبير المفوض ، بعد سحب امتياز المربعات من المقاومين وأبناء الشهداء، قد خلفت استياء واسعا بين صفوف أفراد هذه الأسرة، وجعل الجميع يقف مستغربا من هذه الخطوة المشبوهة التي تختزل كل مستويات الجحود تجاه عظمة فعل المقاومة ضد الاستعمار. ولعل هذا ما عبرت عنه رسالة بعث بها المجلس الوطني المؤقت لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير إلى المندوب السامي ، نبهت إلى خطورة أبعاد القرار المذكور، باعتباره تراجعا عن مكتسبات حصل عليها المقاومون من الملكين الراحلين المغفور لهما محمد الخامس والحسن الثاني، اعترافا منهما بما أسدته هذه الأسرة من خدمات جليلة لحفظ عزة المغرب وكرامته. لذلك، لم يعد أحد قادرا على السكوت على تحويل مصدر عيش المقاومين وأبناء الشهداء إلى مجال للمضاربات أو لتغطية حاجيات قطاعات أخرى تحت مبررات شتى. وقد عبرت الرسالة المذكورة عن هذا الرفض قائلة : " ... لذا السيد المندوب السامي ننبهكم بأن مكتب المجلس الوطني المؤقت يحملكم كافة المسؤولية والخطورة بما كان إذا أقدمتم على تنفيذ ما صرحتم به وعزمتم عليه بدون موافقة مكتب المجلس المؤقت لقدماء المقاومين في الموضوع، لأن المقاومين وصل بهم السيل زبدا رابيا. كفى لهم ما أصابهم من تهميش وعدم العناية التي تليق بهم ... ". فهل ستبادر المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير إلى تدارك الموقف ، وتجاوز القرارات الملتبسة الهادفة إلى الالتفاف على حقوق أبناء الشهداء تحت يافطة مبادرات ملغومة لم يستشر فيها أحد، مثل حكاية " التدبير المفوض " أو قصة الصندوق الذي سيمكن من رفع راتب معاش العطب والتعويضات عن الصحة والإعانات بالنسبة لهذه الفئة. يبدو أن الموضوع سيخضع لتفاعلات شتى في ظل إصرار أبناء الشهداء وأعضاء المجلس الوطني المؤقت لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير على التحرك العاجل على كل المستويات، دفاعا عن حق يختزل اعتراف الدولة والمجتمع بالقيمة الاعتبارية لعطاء رجالات النضال من أجل الحرية والاستقلال.