لم يستطع العرب أن يجتمعوا في قمة واحدة، لأنهم يشعرون، ولا شك، بأنهم لم يعودوا أمة واحدة. الحالة الوحيدة التي يكونون فيها وحدة هي الأزمة. لا أمة ولا قمة ولكن أزمة واحدة. والحقيقة أن العرب أعراب، والأمة أمم. فليس هناك بلدان عربيان يمكنهما أن يتفقا على خطوة واحدة على الطريق اليوم. والكثير من الدول تخاف من جيرانها قبل أن تخاف من العدو المشترك...! ولست من الذين يبكون وحدة الأمة العربية عندما كانت بيد هارون الرشيد أو أيام كانت محصورة بين نجد واليمن، لكن الحقيقة أن الدولة العربية اليوم محكومة بأشيائها الصغيرة، ولا ترقى إلى مستوى الكيان الجماعي. كثير من الدول التي تتزعم اليوم «الغضب؟» العربي لم تبين في أية لحظة من اللحظات أنها مستقلة في قرارها، أو أنها فعلا تنظر إلى الضحايا بعين غير عين الحسابات. هناك من يعد الجثث لكي يفكر مليا في صرفها سياسيا، أو صرفها بنكيا في بورصة القيم الدولية. نحن في حالة تردٍ لم نصلها أبدا، وفي لحظة تفكك، مثل جثث متحللة نفعل كل ما في وسعنا لكي تطول. الدول التي تدق الطبول الحربية، كلها لها حدود مع إسرائيل، تحرص أن تكون آمنة، ولا تحرك الساكن إلا إذا كان مذيعوها يسبون غيرهم. يطالبون الآخرين بخروج الجيوش ويسدون على فيالقهم في الثكنات! العرب اليوم عاجزون، ولكنهم في عبقرية مريعة أضافوا إلى عجزهم، ملح العبث. هذه الأمة التي تمجدها الكتب والقصائد والجدات، لا تعقد قمة إلا إذا كانت قمة العبث! إنهم يبلغون هذه القمة بسهولة لا تضاهى. قمة العبث، وقمة الفشل وقمة السريالية وقمة الرعونة أيضا. واستطاع العرب، في عزة منقطعة النظير، أن يغفلوا السلاح الوحيد الذي في ملكيتهم:الديبلوماسية بقليل من الانسجام. لقد كان موقف الملك جديرا بالتقدير، لا لأنه رفع المغرب فوق سياسة المحاور التي تسارعت إليها العواصم العربية، بل لأنه اعتبر بأن الأولوية لأشياء بعيدة عن الزعامة على الطريقة العربية. علينا أن نضع المشهد كاملا أمام أعيننا: لقد انقضى شهر من القتلى ومن الجرحى، ومازال العرب لم يحسموا بعد: كم قمة تلزم هذه المجزرة، وكم من اجتماع قبل أن نتفق على مكان انعقاده. وحصل ما نبأ به الراحل محمود درويش: بعد شهر سيجتمع الملوك بكل أنواع الملوك من العقيد إلى الشهيد ليبحثوا خطر اليهود على وجود الله! هناك إحساس عام في الشارع العربي، مفاده أننا عاجزون، وأننا دائما جاهزون لكي نتفاخر شرفا عندما يتعلق الأمر بمن تعلق له النياشين، حتى ولو كانت المعركة خاسرة. لم يعد غياب القمة هو المشكلة، في منطق العبث العربي الشامل، بل أصبح انعقادها هو المشكلة: ولم نعد في حاجة إلى دليل بأن القيادات العربية في عالم آخر غير عالمنا اليوم، والقيادات العربية، لا تعيش بإيقاع شعوبها التي تحترق، وتختنق وهي تنتظر أدنى حركة. لقد اعتادوا على الفراغ من حولهم. واعتادوا تأمل وجوههم في المرآة وهم يبتسمون للحظ الذي وضعهم على قمة الدولة. لم يعتادوا تقديم الحساب، اللهم في نهاية السنة أمام الأبناك في الخارج، ولم يعتادوا أن العرب يحبون العقال ولا يحبون العقل. العرب لا يستطيعون حمل السلاح لأنه ثقيل على كواهلهم، لهذا يرمون السلاح الذي في يدهم: السياسة. لم يطالبهم أحد بعد بأن يغيروا تحليلاتهم، ولا أن يغيروا قناعاتهم الديبلوماسية، لكنهم ينظرون إلى غليان الشارع بعين الملهاة، كمن يستحلي تذكيرهم بأنه يحكم كل هذه الأنام! الشارع له رسالة واحدة هي الديموقراطية، وبالرغم من أن الشعوب لا تمارس دوما سلاحها الانتخابي، عندما تكون فرصته، فإن الحاكم العربي يصر على أن تكون ديموقراطيته «بالڤيبرور»، وبدون صوت، حتى يتسنى له أن يبقى على قمة الحكم وحده. ومع ذلك؛ فإنهم يسعون دوما إلى إعطاء الشهداء درسا في الوطنية، وفي الالتزام القومي العربي المشترك! إن الذي يخاف من حرية شعبه لا يمكنه أن يدافع عن حرية الشعب الفلسطيني. يريدون من الفلسطينيين أن يموتوا، وأن يذبحوا، وأن يحفظوا لهم أسباب الوجود السياسي، بعد أن فقدوا أي معنى للسياسة وإدارة الأزمات.