.. لقد غُرر بنا، وها نحن نؤدي الثمن غاليا، نسدد أقساط دين لم نستفد منه بعد.." إنها مجرد صرخة واحد من بين هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم على حافة الإفلاس، وجدوا أنفسهم وقد ولجوا أبواب المحاكم بعد أربع سنوات فقط من بداية مشروعهم الاستثماري.أزيد من 90 %من المشاريع الاستثمارية بالمناطق الشمالية الممولة من طرف الاتحاد الأوربي وبعض الأبناك المغربية على حافة الإفلاس والسبب،جهات متذخلة في برنامج تنمية أقاليم الشمال الذي انطلق منذ أزيد من ست سنوات وأساسا،الاتحاد الأوربي بضماناته المودعة لدى بنك المغرب والموضوعة رهن إشارة الأبناك المساهمة في حال فشل المشاريع المنجزة، وبعض الأبناك نتيجة تحريف مضمون الاتفاقية والشروع في استخلاص فوائد القروض منذ اليوم الأول لتسليمها للمستثمر،رغم أن الاتفاقية المبرمة تنص على إعفاء من الأداء لمدة سنين، وأيضا الدولة ممثلة في السلطات المحلية، والتي ما فتئت تضع العراقيل أمام انطلاق عملية الإنتاج بهذه الوحدات. لقد انطلق مشروع تنمية المناطق الشمالية بالمغرب عبر إحداث المقاولات الصغرى والمتوسطة لتشغيل الشباب سنة ، حيث استجاب الاتحاد الأوربي للخطة ووقع معاهدة في المرحلة الاولى مع البنك الشعبي (السلف الشعبي) قبل أن يعممها على باقي الابناك المغربية من خلال "المجموعة المهنية للابناك" (سلف الشمال) وذلك بعد تسجيل هفوات في الشطر الأول من المشروع. وتم خلق مجموعة من المقاولات الصغرى والمتوسطة بعد دراسات أنجزت على المستويين المحلي والمركزي. ففي إقليم تاونات على سبيل المثال فقط هناك ما يزيد عن 50 مقاولة صغرى ومتوسطة متعددة الاختصاصات : تربية المواشي، إنتاج الحليب ،معامل تصبير اللحوم، تصبير الكبّار والزيتون،مطابع ... الخ الاتفاقية الموقعة مابين الاتحاد الاوربي والمجموعة المهنية للابناك بالمغرب تنص على أن تمنح لهذه المقاولات إضافة إلى المساعدة التقنية مع بداية دراسة المشروع و المساعدة المجانية في إنجاز المشروع لمدة سنتين، فإن الاتحاد الاوربي تكلف بمنح 40من الحصة الاجمالية لكل مستثمرمعفية من الفوائد ومع تأخير في الأداء لمدة 10سنوات، في حين تمنح 50من طرف الأبناك المغربية معفية من الأداء والفوائد لمدة سنتين أيضا ويتم الشروع في استخلاصها في ظرف عشر سنوات بعد ذلك.أما نسبة 10المتبقية فيتحملها المستثمر نفسه. كما تنص الاتفاقية على أن يقوم الاتحاد الأوربي بضمان ثلثي القرض الممنوح من طرف البنك، في حين يعتبر المشروع بأكمله ضمانة للثلث المتبقي.ويلتزم المستثمر بإنجاز مشروعه في مناطق الشمال وفي قطاعات محددة إضافة إلى تشغيل اليد العاملة. غير أن الواقع لا يمت لبنود الاتفاقية بصلة، إذ أن بعض المستثمرين الوهميين تمكنوا من الاستفادة من هذه القروض عن طريق مجموعة من الوسطاء ولم يستثمروها في المناطق الشمالية فهناك من استثمر في العقار وفي المدن الكبرى خارج إطارمدن الشمال،هؤلاء لايواجهون المشاكل مع الابناك لأنهم، وبكل بساطة ،حصلوا على قروض بفوائد ضعيفة. أما أولئك الذين التزموا ببنود العقدة المبرمة فوجدوا عدة مشاكل مع الأبناك الممولة والتي أنجزت عقودا مع المستثمرين تتنافض نهائيا مع العقدة الرئيسية المبرمة ما بين الاتحاد الأوربي والمغرب والمجموعة المهنية للأبناك. التزامات الابناك الواردة في العقدة لم يتم الوفاء بها، فبمجرد حصول المستثمر على الاموال يبدأ العداد في احتساب الفوائد رغم أن أحد أهم البنود المضمنة في العقدة ينص صراحة على إعفاء المقاولين لمدة سنتين من أداء الاقساط الشهرية مع عدم احتساب الفوائد خلال هذه الفترة. غير أن الابناك تشرع مع ذلك في اقتطاع الفوائد من القروض الممنوحة لهؤلاء . الابناك تدعي بأن المقاولات معفية من أداء أقساط رأس المال وليس الفوائد مما جعلها تفرض عليهم أداءالفوائد لمدة سنتين مع العلم أن العقدة تؤكد على أنهم معفيون من الرأسمال والفوائد حتى قبل أن تشرع الوحدات الصناعية في الانتاج.في ظل هذه الوضعية،تراكمت الديون وشرعت المقاولات في إعلان إفلاسها.فكيف يعقل أن يطالب صغار المقاولين بأداء هذه الفوائد بدون وجه حق ؟وعلى أي أساس اعتمدت هذه الابناك للمطالبة بهذه المستحقات ؟ومن المسؤول عن حالة الافلاس التي وصلت اليها هذه المقاولات؟ مجموعة من الاسئلة تتناسل ولا توجد لها أجوبة.أسئلة مشروعة يطرحها أولائك الذين أصبحوا مهددين في أموالهم بل وفي حريتهم أيضا "..الأبناك لا تسعى إلى إنجاح مشاريعنا هي تسعى فقط إلى إغراقنا بالديون للحصول على مبلغ الضمانة، فالاتحاد الأوربي بالإضافة إلى السلف الذي أعطاه لنا، -والذي لن نسدده حتى تمر عشر سنوات و بدون فوائد -قام بضمان قروضنا عند الابناك المغربية ووضع مبلغ هذه الضمانة ببنك المغرب، بحيث في حالة إفلاس الوحدة الانتاجية يسترجع البنك مبلغ ضمانة الثلثين ويحجز على المشروع بأكمله لاسترداد الثلث المتبقي. طالبنا الاتحاد الأوربي بتجميد الضمانة وعدم تسليمها للابناك إلا بعد التحقق من أسباب فشل المشاريع، وقد استجاب الاتحاد الأوربي لطلبنا ورفض منح الضمانات للابناك فقامت هذه الأخيرة برفع دعاوى على المستثمرين لاسترداد الرأسمال والفوائد ". ويضيف احد المتضررين قائلا".. جلسنا مع سفير الاتحاد الأوربي وطرحنا عليه السؤال التالي: كيف يعقل أن هذه المشاريع (50 مشروعا) درست محليا وجهويا ومركزيا ومن طرف لجنة من الخبراء بالاتحاد الأوربي وكذلك مكاتب الدراسات بالخارج ونفذت تحت إشراف الابناك، وفي آخر المطاف يعلَن إفلاس كل هذه المشاريع ، ترى ما هو السبب!؟؟ بكل بساطة السبب الرئيسي هو أن الأبناك الممولة لهذه المشاريع تسعى جاهدة للاستحواذ فقط على الضمانات.بعض الأبناك لا تؤمن بفكرة تنمية المناطق الشمالية أو بمساعدة المقاولين الشباب أو المقاولات الصغرى والمتوسطة أو بدعم الإنتاج الوطني..". "سلف الشمال" ليس سلفا عاديا، إنه بمثابة شراكة ما بين الاتحاد الاوربي والابناك المغربية من جهة، والمقاولين من جهة ثانية، لتنمية أقاليم الشمال وخلق فرص التشغيل بالمنطقة، إلا أن تلاعبات البعض أفرغت المشروع من محتواه وعوض النهوض بأقاليم الشمال،تم تعميق الأزمة بالمنطقة وخلق واقع جديد أدخل صغار المقاولين في متاهات لاحصر لها. في مواجهة التعقيدات الادارية ورغم هذا الواقع الفروض/الملتبس، حاول البعض تجاوز هذه المعيقات... غير أن التعقيدات الادارية ساهمت بدورها في تعميق الأزمة.