تتوصل جريدة التجديد يوميا بشكاوي متنوعة المواضيع، لكن جميعها تعبر عن تظلمات أصحابها لدى الجهات الرسمية، والجريدة إذ تشاطر هؤلاء همومهم ومشاكلهم، لا تملك إلا وسيلة نشر تلك الشكاوي حتى يتم الاطلاع عليها من طرف المسؤولين، ورغم انتظام هذا النشر، فإنها تكاد تجد صعوبة في تلبية جميع طلبات المشتكين، ويلاحظ أن كثيرا منها هو عبارة عن رسائل مفتوحة إلى وزير العدل، وخاصة الجانب المتعلق منها بالقضايا المعروضة على المحاكم والتي تهم المهاجرين المغاربة بالخارج، ونحن إذ نثير قضية هؤلاء، فإننا نتوخى من السلطات المعنية أن تضع حدا لمعاناة بعضهم من جراء تعطيل مصالحهم وضياع أموالهم وأوقاتهم بسبب مماطلة بعض الأجهزة الإدارية والقضائية، وللدلالة على ذلك نورد أمثلة لمهاجرين مغاربة نصب عليهم فخسروا مشاريعهم وولوا مدبرين من حيث أتوا. قطران فرنسا أحسن من عسل المغرب ر. المسعودي، مواطن مغربي، هاجر منذ مدة طويلة إلى الديار الفرنسية، وكبقية المهاجرين المغاربة فإن همه الوحيد كان هو الخروج من النفق المسدود الذي وصل إليه في بلاده، وتحقيق آماله في عيش كريم، فكد سنوات عديدة من أجل توفير مبلغ هام من المال والعودة إلى بلاده من أجل استثماره في مشروع يستفيد منه هو وأسرته، ويستفيد منه بلده كذلك. كما يقول المثل المغربي: "خيرنا ما يديه غيرنا" بادر هذا المهاجر إلى شراء محل تجاري بمدينة تمارة المركز مناصفة مع أحد شركائه، وأبرما عقدا رسميا عند أحد الموثقين وسجلاه لدى المحافظة العقارية. وفوق كل ذلك استصدر شهادة منها تثبت ملكيته لنصف المحل التجاري. لكن ما أن غادر المغرب حتى استولى شريكه -حسب الشكاية- على كل المحل التجاري وحصل على رخصة من البلدية تخول له إقامة مشروع بالمحل المذكور. ومنذ سنة 1995 وهذا المهاجر المسكين يبعث برسالة تلو الأخرى إلى الجهات الرسمية لعلها تنصفه وتعيد له حقه الذي يساوي في قيمته عناء السنين التي قضاها بالغربة. لقد كاد هذا المسكين أن ييأس من كل شيء، فولى شطره نحو القضاء كآخر ملاذ يمكن أن يحتمي به ويحمي حقوقه، وهو ما زال لحد الساعة تائها في سراديب محاكمنا المغربية، وينتظر كل جلسة بالمحكمة التجارية بالرباط وبكل شوق لعلها تكون الفاصلة والمنهية لمشكله العويص. لا ثقة في المحكمة من بين القضايا التي تعرفها محاكمنا أيضا، قضية المواطن المغربي محمد. خ، عامل بجزر الخالدات لمدة ثلاثين سنة، بعث هذا المهاجر برسالة مفتوحة إلى جريدة التجديد وموجهة في نفس الوقت إلى وزير العدل، وخلاصتها أنه، وتحقيقا لرغبته في الاستثمار داخل وطنه، اشترى سنة 1992 أصلا تجاريا من المحكمة الابتدائية بالناظور عن طريق المزاد العلني. ويؤكد هذا المهاجر أنه دفع ثمن البيع كاملا وجميع مصاريفه، إلا أن المحكمة لم تسلمه مفاتيح المحل وفق ما يقتضيه عقد البيع من وفاء بالتزام التسليم، وقد رفع هذا المسكين بدوره دعوى استعجالية في الموضوع، على أمل أن ينصفه القانون ويمكنه من حقه المشروع، وبعد أن فقد ذلك الأمل، وبعد مرور 10 سنوات، ما بقي له إلا أن يناشد وزير العدل بصفته ساهرا على تحقيق العدالة بالمغرب وبصفته أيضا مسؤولا في موسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج. وقد نشرت جريدة التجديد في عدد سابق تظلمه ذاك لعله يتمكن من الاستفادة من ماله الذي جمعه في بلاد الاغتراب. يفقد منزله بعد شهر واحد من شرائه إدريس س، من الجالية المغربية المقيمة بالديار الفرنسية، اشترى منزلا بمدينة مولاي بوسلهام من صهره وتم عقد البيع بينهما وتسلم مفاتيحه وسجل عقد البيع واستكمل جميع الإجراءات القانونية التي تؤهله للاستفاذة من مشتراه، وبعدما ظن هذا المسكين أنه ظفر بضالته ووفر مسكنا لأسرته بعد سنين من المعاناة بدولة فرنسا، وبعد شهر واحد من عودته إلى دار المهجر، تم إخباره بأن أحد المواطنين قد استولى على منزله وشرع في البناء فوقه دون موجب من القانون، ولم يكن هذا المستولي سوى رئيس جماعة قروية للاميمونة، الذي يدعي بأنه اشتراه أيضا. راسل السيد ادريس السلطات المعنية يطالب باسترجاع داره وماله ولكن دون فائدة. حالات أخرى من معاناة المهاجرين زار جريدة التجديد السيد الحسين-ح في صيف العام الماضي، وهو من تنغيربمدينة ورزازات ومهاجر بفرنسا، يقول هذا المسكين أيضا أنه تعرض لعملية نصب واحتيال وابتزاز لأمواله واغتصاب لممتلكاته، وقد حمل المهاجر مسؤولية ما حدث له للمسؤولين بمحاكم تنغير وكذا لبعض المحامين، وربما يتذكر القارئ رسالته التي شبه نفسه فيها بفلسطيني قد شرد وسلبت منه أمواله وممتلكاته، أما أحد المهاجرين الشباب فقد انخرط في مشروع سكني فاشل، ما زال ينتظر لحد الآن إنهاء أشغاله، وقد أكد في هذا السياق بأنه سيمكث بفرنسا وأن المغرب مكان غير آمن لإنشاء أي مشروع، ومن الأمثلة أيضا على ما تعانيه هذه الفئة المهاجرة، ما توصلت به الجريدة مؤخرا من رسالة موقعة من سيدة تدعى عائشة -أ تسكن بمدينة بوسلهام وتعمل بدولةانجلترا، تأتي كل صيف لاستمتاع بشمس بلادها وهوائه وبحره، إلا أنها ابتليت بجار يشبعها سبا وشتما، وصفعها ذات يوم صفعة قوية، وخصص منزله المجاور لها للدعارة وتعاطي الخمور، فرغم أن المواطنة لم يغتصب منزلها إلا أنها لا تستطيع الاستفادة منه، وعلى ذكر هذه المضايقات التي يتعرض لها المهاجرون، يمكن الرجوع إلى الاستطلاعات التلفزية أو الإذاعية والتي يعبرون من خلالها على كثير من تلك المضايقات سواء من طرف عصابة السرقة أو المبتزين أو المنحرفين وغيرها. هل هي هجرة ثانية؟ هذه نماذج فقط من بعض المهاجرين المغاربة الذين عانوا من التعقيدات الإدارية وبطء المساطر القضائية في معالجة ملفاتهم، ويلاحظ أن جلهم لهم رغبة قوية في استثمار أموالهم بوطنهم الأم، إلا أنهم وجدوا أنفسهم أمام صعوبات قوية انتهت ببعضهم إلى فقدان حصيلة سنوات عديدة من الكد والاجتهاد والصبر. والخطير في هذا الموضوع، والذي ندعو إلى إثارة الانتباه إليه، وهو تفكير بعضهم في الهجرة الثانية إلى بلاد المهجر، بل لقد استقر بعضهم حسب بعض الشهادات بتلك البلدان الأجنبية وذلك بشراء العقارات وإحداث مشاريع قارة والاندماج الكلي فيها. أما العودة إلى المغرب فقد أصبحت عند بعضهم مجرد قضاء عطلة سياحية لا أكثر. إن تفكير جزء من هذه الشريحة الاجتماعية في بيع عقاراتها وتصفية مشاريعها بالمغرب والعودة إلى الخارج يحتم على الجهات المسؤولة أخذ القضية بجدية بالغة وإعادة النظر في كيفية التعامل مع هؤلاء وإيجاد طرائق جديدة لربطهم ببلدهم . فالمشاكل الإدارية والقضائية لا تهم فقط هذه الفئة وإنما يعاني منها جميع المواطنين، وهي مسائل ما تزال مستعصية عن كل حل رغم الدعوات المتكررة لإصلاح القضاء والإدارة، وإن هذه النماذج المقدمة في هذا الموضوع لا تشكل بطبيعة الحال الأغلبية، ولكن إثارة ترويج العودة إلى الخارج هو السرطان الفتاك الذي قد يعزل هذه الفئة عن وطنها وخصوصا أن البلدان المستقبلة تحاول بكل ما استطاعت من جهد أن تدمج الوافدين إليها في نسيجها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي. عمر العمري