يخلد الشعب المغربي ذكرى 11 يناير المجيدة، وهو يستحضر الروح التي كانت وراءها، والتي صنعت منها وبها، الحدث الرئيسي في المغرب الحديث. يستحضر ولا شك ، القادة الوطنيين الذين كسروا الطوق الاستعماري، وواصلوا معركة الأبطال الأولى، المعركة التي صاغت الروح الوطنية المقاومة.. الآباء المؤسسين للفكرة الوطنية، أولئك الذين قادوا المعركة الشعبية والسياسية والدبلوماسية من أجل أن يخرج المغرب من المرحلة الاستعمارية ويدخل مرحلة البناء، ويخرج من مرحلة الاستسلام الى مرحلة المقاومة، ومن مرحلة الامتثال الى الحماية الى صناعة القدر الوطني. كما سيستحضرون الملك الوطني الذي كان الاستثناء الجميل في زمن التبعية المطلقة من طرف الدول في مثل وضعنا للدول في مثل الدولة الاستعمارية. لقد كانت المرحلة قوية بتماسكها، وتعاقدها ووضوح الرؤية فيها. كان الوطن يعني أولوية السيادة والشرعية على أي مطلب آخر. وفي ذلك الربط القوي والذكي والروحي بين الشرعية والسيادة، تأسست الوطنية المغربية، كما سما الأفق الوطني. لقد شكلت تلك اللحظة التأسيسية، هوية ما سيليها، كما شكلت طبيعة التعاقد الذي جددد للملكية دورها، كما أعطى للروح الشعبية معناها وربطها بالسيادة وعودة رمز هذه السيادة. وبالرغم من كل اللحظات العصيبة التي مرت منها البلاد، والاهتزازات التي طبعت مرحلة بناء الدولة الوطنية الديموقراطية، ظل التعاقد هو قوة الدفع الرئيسية في مغربنا الحديث، كما شاهدنا ذلك عند الشروع في استكمال الوحدة الترابية، وفي بناء التجربة السياسية للتوافق في بداية الثمانيات. فكلما ارتفع التعاقد الى درجة الفعل المشترك، تراجعت كل مخاوف الوطن والوطنيين، وتعززت مركزية الروح المشتركة، والمصلحة الكبرى للوطن. مازالت الكثير من معاني هذا التعاقد قائمة ولها ضرورتها الحاسمة، وليس الحنينية. فالمغرب ، الذي حرر صحراءه، مازال يواجه أطماعا كثيرة حولها، كما أن الشق الديموقراطي مازال ينتظر اكتماله، والدولة الديموقراطية ، كما أرادها ويريدها الوطنيون مازالت محط بناء ومحط انتظار كذلك. سيظل المحرك الرئيسي، في كل دعوات البناء الديموقراطي هو الوطن، وروحه متجسدة في التعاقد بين الملكية وبين قوى الشعب المغربي، وتعبيراتها الوطنية.