استفاقت سعاد مبكراً في ذلك الصباح، فهي كانت على موعد مع صديقتها وزميلتها في العمل حسناء، تناولت فطورها بشكل سريع ثم ارتدت ملابسها وخرجت من المنزل، ولجت سيارتها التي كانت مركونة في الشارع، أدارت محركها وانتظرت للحظات ثم انطلقت بها نحو منزل صاحبتها. ضغطت على منبه السيارة مرة عند توقفها أمام منزل الأخيرة، لتطل برأسها من النافذة، وما هي إلا لحظات حتى خرجت بدورها من المنزل مرفقة بحقيبتين وضعتهما بالصندوق الخلفي للسيارة وجلست إلى جانب زميلتها. 20 دقيقة كانت المدة الكافية لتصل إلى محطة القطار ببوشنتوف، تبادلت الصديقتان أطراف الحديث لبرهة ثم ودعتا بعضهما البعض، وبينما دخلت حسناء المحطة، توجهت سعاد نحو السوق الشعبي الذي تحتضنه الزنقة 53 من أجل اقتناء حاجياتها من الخضر والفواكه مغتنمة فرصة تواجدها هناك، فالأسعار تختلف وتتباين مع تلك التي تباع بها نفس الخضر والفواكه بمحيط الحي الراقي الذي تقطن به. انطلقت سعاد بسيارتها من جديد بعد اقتنائها لمستلزماتها، لتمر من الزنقة 40 متجاوزة مدرسة «زروق» أو ابن المعتز، فعرجت على اليسار من أجل عبور الزنقة 29 في اتجاه شارع الفداء، وما أن دلفت الزقاق لبضعة أمتار حتى وجدت نفسها وسط «جوقة» من الباعة الذين نصبوا «طابلات» وعربات يدوية مجرورة يعرض أصحابها خضراً متعددة وأنواعا مختلفة من الفواكه ، الأمر الذي لم يدر بخلدها أنها ستصادفه لعاملين اثنين أولهما أن التوقيت مبكر جداً، وثانيهما هو ما تناهى إلى علمها من عملية تحرير الملك العمومي تقوم بها السلطة بواسطة «المخازنية الجدد»، لتفاجأ أن العاملين معاً لم يمنعا العشرات من الشباب وبضع أشخاص مسنين من بسط سلعهم! حاولت الرجوع الى الوراء إلا أن بعضهم دفع بعربته المجرورة على كلا الجانبين نحو وسط الطريق مما شكل لها حاجزا، استعملت منبه سيارتها إلا أن أحداً لم يعرها اهتماماً، فما كان منها إلا أن حاولت المضي قدماً أملا في الوصول الى الشارع والخروج من هذا «الحصار»! فشرعت تضغط على دواسة الوقود رويداً رويداً وتستعمل المنبه لإثارة انتباه من تواجدوا أمامها للسماح لها بالمرور، وهو ما تأتى لها تارة وتعذر تارة أخرى! لم تكتف سعاد بمنبه السيارة، بل كانت تطل من زجاج النافذة بين الفينة والأخرى راجية من الباعة فسح الطريق لها، وبينما هي كذلك وعلى مشارف تقاطع الزنقة بشارع الفداء، إذا بها تفاجأ بسيارة نقل «هوندا» تقف حاجزاً أمامها ويقوم بعض الشبان بإفراغها مما احتوته من صناديق للخضر والفواكه، فبدأت تضرب الأخماس في الأسداس وهي تندب الحظ الذي رماها لاختيار ممر خالت أنه مخصص لمرور الناقلات، فإذا بها تجده «محتلا» تمنت معه لو أن السلطات نصبت في مَدخليه علامة «الأنتردي» و «هَنَّات عباد الله»! ظلت سعاد على هذه الحال لمدة تنتظر أن تجود السماء بحل وأن «يعيق» صاحب «الهوندا» أو من معه، إلا أن أياً من ذلك لم يتحقق، وما زاد من خنْق الزنقة تشييد «خزاين» بيضاء اللون على الجانبين، الأمر الذي شكل حاجزاً لن يسمح بمرور أي كان، ففكرت في محاولة الانعطاف على اليسار في اتجاه زقاق داخلي حتى يتسنى لها المرور إلى زقاق آخر، فالخروج إلى الشارع. سعت لاستغلال فجوة بين عربتين، وبالفعل شرعت في تجاوزهما لتجد أمامها صاحب واحدة منهما وهو يجلس على كرسي أمامها و يعاين ما تقوم به، انتظرت أن يفسح لها الطريق، إلا أنه لم يقم بذلك، فاستعملت منبه السيارة، لينتفض الشاب واقفاً في مكانه كمن لدغته أفعى، وعوض أن «يخوي الطريق» سلك مسلكاً آخر! على غير ما توقعته، فإن الشاب انتفض في وجهها «مالك مصدعانا، أشنو عند راسك، واش باغا تطيري»، لم تحرك سعاد ساكناً، بل عملت على إغلاق أبواب السيارة وهي تفاجأ برد الفعل هذا، بينما استمر البائع في «تعربيطته»، صارخاً «صبحنا عا الله، جايا حتى لوذني وباركة تطوطي»، مضيفا «واشبعانين اعياقا، آش داك تدخلي لهنا نتي گاع»، «ما باغينش تخلوينا حتى نبيعو على خاطرنا، خصنا حتى نكحلوها معاكم»، «وليتو باغين تحكمو»... وغيرها من المصطلحات السوقية و «الزنقوية» التي تلفظ بها غير عابىء بأي كان، واستمر على هذه الحال، إلى أن تحلق حوله بعض صحبه من الباعة الذين شرعوا في استسماحه و «بداو كيرغبوا فيه»، آنذاك وضع أحدهم الكرسي جانبا، ليخاطبها البعض «إيوا زيدي تحركي سربي راسك راه احنا سكتناه غير بزَّز»!