يبدو التوتر كما لو هو العنوان البارز في مغرب اليوم. توتر يكشف عن انفعال أشمل، فردي وجماعي، لا تخفيه المشاريع العملاقة التي تنخرط فيها البلاد. توتر تكشفه صورة أو مقطع فيديو، يبلغ عنه تصريح حكومي أو جملة في تدوينة.. لا علاقة للترمضينة بالأمر، اللهم إلا إذا كانت سياسية .. هناك توتر في الجو العام. كهرباء تصعق المغاربة بشكل متفاوت.نعدد أسماءها في كل وصف، ونسميه الاحتقان كاسم جينيريكي.. في السياسة توتر مؤسساتي لا يخفى على المتتبع، بدأ منذ سنوات، لا سيما منذ الانتخابات السابقة لتشكيل الحكومة. نكاد نجزم أن التمرين الديموقراطي وما أفرزه من مؤسسات وسلوكات أسس لهذا التوتر. وعلى ضوئه يتم النظر إلى الهيئات والقطاعات، وعلى ضوئه يتأسس المزاج الوطني العام، حيث لا أحد ينكر بأن سقوط رؤوس في مؤسسات أثارت حفيظة الحكومة قد غلب على تناوله الإعلامي ومواقف من علقوا عليها قناعة بأن هناك منتصرا ومنهزما في الملف، دليلا على عجز وخصاص في الثقة أكثر من دلالة على صواب المقاربة بحد ذاتها. في سياق آخر كان من الممكن التصفيق لذلك باعتباره الطريق نحو مزيد من الملكية البرلمانية..! ولكن الوضع تنقصه الثقة أولا وأخيرا ويضاعف من انعدامها قوة المال وتغوله. توتر بين الأغلبية ذاتها: كما لو أن هناك تسابقا على اتهام الأحزاب لبعضها: تلك المقاربة التي تجعل الهويات السياسية تتحدد بناء على الوضعيات التي توجد فيها. أو تلك التي تلخصها المقولة المغربية الشهيرة: نتغدا بيك قبل ما تتعشا بيا. بعد التوتر بين الحكومة والمؤسسات توتر الحكومة مع نفسها.. توتر المجتمع مع القرار الاجتماعي: الغلاء المستعر و…المستمر، موضوع تغذية متواصلة لهذا النزاع.. توتر في الإعلام وحول الإعلام وبالإعلام.. ولا سلام! نشهد مناوشات حينا وحروبا بالأسلحة الثقيلة حينا آخر. ونبحث سعيا عن الانتقال من منطق الاتهام إلى منطق المسؤولية، ونبحث عن السلام عن طريق فتح الطريق السليم للحرية..! توتر التفكير أيضا: إذ يصعب كثيرا التفكير منطقيا في وضع غير منطقي: في الصحافة والإعلام كما في العلاقة بين المواطن والسلطة.. كما في الحالات المؤسساتية الأخرى أو غير المؤسساتية. بالتالي نتساءل أين لنا بالنباهة لكي ندفع إلى وجود حياة منطقية لكي يسهل الحكم والاحتكام. لهذا أيضا لا بد من وضع انتظامية مؤسساتية لكي نستطيع أن نفسر ونجيب ونحلل ونتخذ المواقف.. خارج ذلك نكون في وضع توتر باستمرار.. وسيطول ولا شك .. سيطول مع كلفته من الاستقرار العام لإحدى أكثر المهن والقطاعات قدرة على العيش في كرسي هزاز! توتر بخصوص السلطة والمواطن: يقول العروي في أول جملة من كتابه في مفهوم الدولة»» كل منا يكشف الدولة قبل أن يكتشف الحرية» عبارة قوية لا أحد يمكنه أن يجهر بها في زمن السهولة والأفكار السائلة. بالنسبة للمؤرخ الأكثر شهرة في العالم العربي : تجربة الحرية تحمل في طياتها تجربة الدولة لأن الدولة هي الوجه الوضعي القائم في حين أن الحرية تظل ذلك الشيء غير المحقق«. التوتر يتخذ منطق السؤال من زاوية السلطة: ماذا تعني التربية إذا لم تعن سلطة الأب أو الأم أو الحاكم أو الخالق؟ التوتر يعني السؤال المضاد من زاوية المواطن:»وماذا تعني الحرية إذا لم تعن نقيض المعاناة المذكورة أي الوعي بحدودٍ موضوعةٍ على التصرف«؟ يقول العاقل : لا يمكن أن نتصرف كما لو كنا في حالة سابقة عن الدولة أو أننا في حالة لاحقة عليها بعد سقوطها!! .. يقول المنفعل: قاعدة الانطلاق هي المعاملة بالمثل! يولد التوتر من كون أن لكل واحد قاعدة انطلاقه في تنفيذ الحق أو القانون: قاعدة الانطلاق عند رجل السلطة عندما يمارسها ..هي تصريف قرار، وهي بذلك تنطلق من القانون أي من قاعدة قانونية، وهي تحميه ولو مارسها بشكل خاطئ. وبالنسبة لمن يخاصمه يولد التوتر من كونه ينطلق من قاعدة اللا قانون وغير المقبول، وهي لا تحميه ولو كان يدافع عنها بشكل مشروع ومقبول ومبرر..! وينتج التوتر من سوء فهم القاعدة: عندما يرتكب أي واحد مخالفة أو فعلا مرفوضا، يكون هو ورجل السلطة عرضة للقانون، وأيهما يكون سباقا للقانون يكون على حق… أما تبرير الفعل بحد ذاته فيكون عادة من خلال إعطاء كثافة أخلاقية ولباس حقوقي لفعل هو بالضرورة فعل لاقانوني وغير مناسب من ناحية ما في رمزية السلطة من أخلاق عامة(لعلها الهيبة!).. هل التوتر.. توثب؟. مازلت متوترا لكي أعطي إجابة!