سقط نظام الأسد، بعد قرابة 13 سنة من الترنح، ما بين التصعيد العسكري ومحاولة الصمود بفضل المساعدات الخارجية. ولا يمكن إلا أن نرجو لسوريا العودة إلى الهدوء، مع احترام سيادتها ووحدتها الوطنية ونجاح انتقالها نحو الديموقراطية. ويجدر بنا، في سياق متابعة ما يحدث من تطورات متسارعة، أن نسطر على الملاحظات التالية: مع سقوط الأسد الابن، سقط خيار اعتبر بأن معاندة الإصلاح والإصلاحية خيار يمكن أن يكون مثمرا، وأثبتت التطورات المتسارعة، منذ اندلاع الأحداث الداخلية في 2011، أن الرهان على غير الشعب والوطن خيار فاشل. ونحن على بعد قرابة 25 سنة من وصول الأسد الابن إلى الحكم نسجل في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن النظام فوَّت على نفسه فرصة الإصلاح السياسي السيادي، بعد أن كان قد أنعش الآمال في فتح صفحة جديدة في البلاد في الشهور الأولى من تنصيبه. وبذلك يكون قد فوت على بلاده فرصة الاستقرار تحت مظلة الإصلاح. مع سقوط الأسد تبين بأن الانهيار السريع كان ممكنا لأن ركائز صموده، في أغلبها، كانت بفضل مقومات خارجية بحيث صار النظام يعيش في «قسم الإنعاش الجيوسياسي»، بفضل الرعاية الصحية للقوى الأجنبية، على رأسها إيران وروسيا، وما أن تغيرت معادلات ومصالح القوى المعنية حتى تغير موقع النظام السوري في الرقعة الشرق أوسطية، كما تغيرت الحاجة إليه. مع سقوط الأسد نتابع، بغير قليل من التدبُّر، تفكك «محور المقاومة»، (الحوثيون وحزب لله والفصائل العراقية تحديدا) الذي تحول إلى سبحة شيعية في يد الملالي، ونحن أمام تحولات جوهرية في الشرق الأوسط، ترسم ملامح جديدة لا تملك فيها الشعوب الواقعة تحت السيطرة الإيرانية هامشا كبيرا للمناورة، بعد أن ضاقت الأرض أمام إيران ونظامها نفسه. في هذا السقوط سقطت كذلك عقيدة جيوستراتيجية بكاملها بنتها إيران على شعار «المقاومة»، في حين كانت تعني، على أرض الواقع، إضعاف الدول الوطنية في العراق وسوريا واليمن وفي لبنان، واستبعاد الخيار الوطني في غزة، من أجل بناء سواتر أمنية وعسكرية لحماية نفسها.. إن النزاهة الوطنية، السياسية والعقدية والأخلاقية، تفرض أن نسأل السؤال الذي ما زالت المنابر تتحاشاه، وهو أين أصبحت القضية الفلسطينية، مع قيادة إيران للمواجهة وتدبير الملف، منذ 7 أكتوبر ؟ ومن استفاد من الآخر، هل إيران التي استفادت أم الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة؟ إن الجواب المنطقي، والذي نراه بالعين المجردة، يفيد بأن القضية المركزية تراجعت في الترتيب، إلى ما وراء لبنان وسوريا وربما العراق ..ربما عادت إلى أبعد مما كانت عليه قبل سابع أكتوبر. ومع هذا المعطى بات جدول الأعمال السياسي لدى إيران أكثر وضوحا وتجليا….! مما يفرض مقاربة أخرى أكثر عقلانية وتروٍّ، مقاربة قادرة على تعبئة الرأي العام الدولي المحب للسلام والعدل والحرية، كما يرى الاتحاد الاشتراكي، وكما دافع عن ذلك من باب الانحياز الكامل والمتجرد للقضية المركزية في وعي الأمة ووجدانها، قضية فلسطين باعتبارها قضية وطنية. كما قد تتعالى أصوات الذين سارعوا إلى تخوين كل الذين فكروا بعقلانية وواقعية وبموازين القوى وبخوف حقيقي على القضية المركزية للشعوب ولمليار ونصف مليار من المسلمين عموما، ويعودون إلى ردود الفعل المتشنجة والرومانسية «الثورجية».. لكن ذلك لن يغيب عن العقول النبيلة أن إيران وروسيا كما غيرها من عواصم المنطقة والعالم، غربا وشرقا، نفسها تقدم الدليل أنها تفكر بعقلانية في مصالحها في حين تشدد على المعالجات الانفعالية والمتسرعة والمضبَّبة عند الغير! إن ما سبق يؤكد، مرة أخرى، ضرورة الالتزام بمنطق عقلاني يسعى إلى جعل القضية، حصريا، بين يدي أصحابها في فلسطين، ودعم صمودهم وعدالتهم بعيدا عن التخويف الأناني، وضرورة تقوية الخيارات العقلانية في العمل الديبلوماسي وتوفير شروط النجاح لقوى السلام العاملة من أجل حل الدولتين، في حدود 1967، باعتبار القضية الفلسطينية هي أم القضايا في المنطقة.