بعد كل إخفاق أولمبي التاريخ يدون أنه لا حساب ولا عقاب انخرطت كل فئات المجتمع المغربي ، منذ مرور الأسبوع الأول من الألعاب الأولمبية باريس 2024، في إعلان غضبها جراء خروج ممثلينا في الدورة الفرنسية من الأدوار الأولى. وتواصل النقاش الغاضب بعد مرور أسبوع على إسدال الستار عن الألعاب الأولمبية، ما بين منتقد للمستوى الهزيل الذي ظهرت به رياضتنا هناك، وما بين المطالب بالكشف عن حقيقة ما حدث، وما بين المطالب بمحاسبة المسؤولين عن تلك الفضيحة التي لم تنجح ذهبية البقالي ولا برونزية منتخب كرة القدم في إخفاءها. وحدهم مسؤولو الوزارة الوصية، ومعهم اللجنة الوطنية الأولمبية وأتباعهم من مسؤولي الجامعات الرياضية، من تواروا خلفا مختفين عن الأنظار ولم يخرج أحد منهم للعلن لشرح وتوضيح وتفسير ما وقع في باريس وأصبح قضية رأي عام بكل تأكيد. في هذا الإطار، طرحت جريدة الاتحاد الاشتراكي السؤال على عدد من المسؤولين الجامعيين، هل من تفسير لكل هذه الإخفاقات التي بصمت المشاركة المغربية في أولمبياد باريس؟ ولا أحد منهم أجاب أو رد..
بات من المفروض، بعد الكارثة الأولمبية والخيبة الكبيرة للمشاركة المغربية في أولمبياد باريس، أن يتم اتخاذ قرارات بكل الجدية و «المعقول»حتى تتمكن رياضتنا من التوجه نحو مستقبل أفضل. الرياضة الوطنية وفي هذه المرحلة الحرجة التي تمر منها،تحتاج فعلا إلى الجدية التي تناولها جلالة الملك محمد السادس في خطابة بمناسبة عيد العرش لسنة 2023، وجاء في الخطاب: « .. والمغاربة معروفون، والحمد لله، بخصال الصدق والتفاؤل، وبالتسامح والانفتاح، والاعتزاز بتقاليدهم العريقة، وبالهوية الوطنية الموحدة. والمغاربة معروفون على الخصوص بالجدية والتفاني في العمل. واليوم، وقد وصل مسارنا التنموي إلى درجة من التقدم والنضج، فإننا في حاجة إلى هذه الجدية، للارتقاء به إلى مرحلة جديدة، وفتح آفاق أوسع من الإصلاحات والمشاريع الكبرى، التي يستحقها المغاربة… إن ما ندعو إليه، ليس شعارا فارغا، أو مجرد قيمة صورية. وإنما هو مفهوم متكامل، يشمل مجموعة من المبادئ العملية والقيم الإنسانية. فكلما كانت الجدية حافزنا، كلما نجحنا في تجاوز الصعوبات، ورفع التحديات.فالشباب المغربي، متى توفرت له الظروف، وتسلح بالجد وبروح الوطنية، دائما ما يبهر العالم، بإنجازات كبيرة، وغير مسبوقة، كتلك التي حققها المنتخب الوطني في كأس العالم. فقد قدم أبناؤنا، بشهادة الجميع، وطنيا ودوليا، أجمل صور حب الوطن، والوحدة والتلاحم العائلي والشعبي، وأثاروا مشاعر الفخر والاعتزاز، لدينا ولدى كل مكونات الشعب المغربي…». لقد أبرز جلالة الملك أهمية الجدية في تناول أي عمل، وهي الجدية ذاتها التي يجب أن تعالج بها اليوم أمور الرياضة الوطنية بعد انتكاسة الأولمبياد. لن ننسى أننا شاركنا في أولمبياد باريس 2024، ب60 رياضي لنحل في المركز 60 في الترتيب العام للميداليات وذلك بفضل ذهبية البقالي وبرونزية زملاء أشرف حكيمي!!! في هذا السياق، أضحت المشاركة المغربية في أولمبياد باريس قضية رأي عام بكل تأكيد، وتنوعت الآراء ووجهات النظر في هذا الشأن، فمن مطالب بمحاسبة المسؤولين عن الشأن الرياضي وإقالتهم، ومن مناشد إلى تغيير عقليات التسيير والتدبير ومنح الفرصة لكفاءات شابة مكونة علميا وفكريا، ومن مقترح لعزل الرياضة عن الفعل الحكومي عبر إحداث المجلس الأعلى للرياضة كما هو معمول به في بلدان أخرى رائدة رياضيا، هذا المجلس الذي لا يمكن أن يختلف مع إحداثه أي أحد، خصوصا بعد هذا التيه الذي يعيشه القطاع الذي يتم التعامل معه كلقيط وكل مرة يتم إلحاقه بقطاع وزاري معين. أكيد، إحداث مجلس أعلى سيضمن للرياضة استقلالية مريحة، وسيمكنها من الاشتغال بعيدا عن التحكم السياسي الحكومي، إلا أنه وقبل المرور إلى عملية إحداث المجلس الأعلى للرياضة ، لا بد أن تفكر الحكومة،يوضح بعض المتتبعين، في وضع سياسة عمومية تهم القطاع الرياضي والقيام بعملية تحديث شاملة للمكاتب المديرية التي تسير هذه الجامعات لضمان الحكامة التي تحدث عنها الملك في رسالته الموجهة سنة 2008 إلى المشاركين في مناظرة الصخيرات.. فالسؤال الذي ينتظر الجميع جوابا عنه هو ماذا نريد من الرياضة؟ فهي لم تعد مجالا للترفيه فقط، بل صارت قطاعا حيويا واستراتيجيا تراهن عليه الدول. بعد انتكاسة باريس،دعا الكثيرون إلى إجراء عملية محاسبة شاملة، بل وقف البعض منهم على مقارنة المشهد الرياضي الوطني في سنة 2024 بالمشهد ذاته في 2008، حيث نفس التشخيص ونفس العناوين وكأن زمن الرياضة المغربية لم يتحرك وظل جامدا إلا من بعض الاستثناءات القليلة. في 2008 وكما هو الحال اليوم، كشفت الرسالة الملكية للمناظرة الوطنية حول الرياضة المنعقدة تلك السنة بالصخيرات، عن الواقع الحقيقي للرياضة المغربية وقدمت في نفس الوقت سبل تجاوز محنتها كما ركزت على كل عناوين تخلفها وعدم نجاحها في تحقيق التطور المنشود. جاء في الرسالة الملكية: « « من التجليات الصارخة لاختلالات المشهد الرياضي ما تتخبط فيه الرياضة من ارتجال وتدهور واتخاذها مطية من لدن بعض المتطفلين عليها للارتزاق، أو لأغراض شخصية». لابد أن نلاحظ هنا أن مضامين الرسالة الملكية حول الرياضة لاتزال تنطبق على المشهد الرياضي ونحن في 2024،وكأننا في 2008، بنفس العناوين، بنفس التشخيص لحال الرياضة المغربية آنذاك،ونفس عيوب القطاع وما كان يشوبه من اختلالات ونواقص.