طوى النادي المكناسي صفحة سوداء من التطاحنات والصراعات، جعلته يقضي فترة من تاريخه ببطولة الهواة، ليعيد البسمة لعشاقه وأنصاره ومحبيه، ويستعيد مكانته ضمن كبار الدوري الاحترافي، قبل ثلاث دورات من إسدال الستار على بطولة القسم الثاني. وحقق الكوديم الرهان رغم تعادله (3 – 3) برسم الجولة 27 في مباراة مشوقة ومثيرة أمام أولمبيك الدشيرة، يوم الأحد بالملعب الشرفي بمكناس، الذي امتلأت مدرجاته قبل انطلاق اللقاء بساعات. وكان الزوار سباقين للتهديف عبر مرتد سريع، تمكن فيه المهاجم ابراهيم أمزيلي من هزم الحارس الكوديمي، قبل أن يعدل النتيجة عبد العالي كرومي في د 45 من الجولة الأولى، ثم جاء الهدف الثاني وبطريقة ممتازة عبر قلب هجوم النادي المكناسي أنس المهراوي في د 6 من الجولة الثانية، لكن أولمبيك الدشيرة عاد في د 61 وعدل النتيجة، ثم أضاف حمزة سعود الهدف الثالث إثر ضربة جزاء، نفذها بنجاح أيوب المعموري. وفي الوقت الذي كانت الأنظار مشدوهة تنتظر صافرة الحكم أمام ذهول الأنصار والمحبين، تمكن بولكيد من هزم الحارس السوسي محمد إدار برأسية ارتطمت فيها الكرة بالعارضة ودخلت الشباك، لتعلن بذلك رسميا عودة النادي المكناسي إلى قسم الكبار. ومباشرة بعد نهاية اللقاء حجت الجماهير إلى ساحة موريتانيا لتعم فرحة هستيرية مرددة شعارات الفرحة والابتهاج بتحقيق حلمها، وهي التي ساندت ودعمت الفريق أينما حل وارتحل، وآمنت بقدراته في العودة إلى قسم الصفوة، في الوقت الذي لم يكن أكبر المتفائلين يتوقع ما صنعته مكونات النادي من لاعبين وأطر فنية بقيادة المدرب عزيز دنيبي ومسيرين ومسؤولين وجنود الخفاء، الذين كان لهم الفضل في تلطيف الأجواء بتدخلاتهم الرصينة في كل وقت وحين. هكذا إذن وبعد سنوات عجاف استمرت 11 سنة، يدخل النادي المكناسي التاريخ من بابه الواسع وذلك بتحقيق الصعود إلى القسم الثاني في الموسم الماضي (2022 – 2023) ، ثم القسم الأول من البطولة الاحترافية هذا الموسم (2023 – 2024). يذكر أن النادي المكناسي تأسس سنة1962 ، بعد اندماج كل من أندية طنجةفاس والرشاد المكناسي والأطلس المكناسي الإسماعيلية، ليصبح الكوديم بعد سنة واحدة الممثل الوحيد لعاصمة المولى إسماعيل في الدوري الكروي المغربي أمام أعتى الفرق الوطنية. وبعد ثلاث سنوات فقط، عانق أول لقب له ممثلا في كأس العرش إثر فوزه على غريمه التقليدي المغرب الفاسي، وهي الفترة التي عرفت تألق اللاعب الكبير صاحب الرأسية المتفردة حمادي حميدوش ومبارك (مبيري) المعروف بالأسد ثم مولاي حسن ( شيشا)، لينحدر في ذات الموسم الكروي إلى القسم الثاني (1965 – 1966). وفي سنة 1969 سيتمكن الكوديم من العودة إلى القسم الأول، إلا أنه لم يمكث به سوى موسما واحدا، ليعود إلى القسم الثاني، إلى أن التحق بقسم الكبار من جديد خلال الموسم الكروي 1974 – 1975 ويعمر فيه عقدا من الزمن، وهي الفترة التي برزت فيه مجموعة من الأسماء غدت المنتخبات الوطنية من أمثال عزيز الدايدي وبنحليمة وبيدان ولغويني ومعتوق ومبيري وسمير سرغيني وعزيز بنونة وكماتشو وبودومة واللائحة طويلة. وعاش فارس الإسماعيلية إحباطا كبيرا بنزوله مرة أخرى إلى القسم الثاني سنة 1986، وهذه المرة نتيجة ملف قضائي، إذ على الرغم من إنصاف المحكمة له في ملف ما يعرف بالتلاعب بنتيجة النهضة القنيطرية وشباب المحمدية، إلا أن الجامعة لم تعر أي أهمية للقضاء، رغم إدانته لخمسة لاعبين ومدرب النهضة القنيطرية ورئيس جمعية المحبين لشباب المحمدية، واعتبرت نفسها الأحق بالفصل في النزاعات الرياضية. وفي الموسم الكروي الموالي سيحقق الكوديم الصعود إلى قسم الصفوة، لكنه لم يمكث به سوى موسما واحدا، لينحدر من جديد إلى القسم الوطني الثاني، ويستقر به حتى سنة 1993، حيث سيتمكن من العودة مجددا إلى قسم الكبار، عقب فوزه في مباراة السد التي جمعته بحسنية أكادير. ويعزز خزانته بلقب البطولة خلال الموسم الموالي للصعود بعد مسار جيد، ليدخل بذلك غمار المنافسات الإفريقية والعربية. وبعد هذا الإنجاز سيدخل النادي في دوامة المشاكل وصراع الرئاسة، ليجد نفسه من بالقسم الثاني سنة 2009، ويحقق العودة سنة 2011، ويفشل في إضافة كأس ثانية لخزانته أمام غريمه المغرب الفاسي في نهائي كأس العرش، الذي جمعهما بمركب مولاي عبد الله بالرباط . ومباشرة بعد هذا الموسم ازدادت حدة الصراع على الرئاسة وشد الحبل بين المكتب المديري للنادي المكناسي بقيادة محمد بن الماحي ورئيس الفريق عبد المجيد أبو خديجة، وصل صداها إلى ردهات قسم جرائم الأموال بالمحكمة الاستئنافية بفاس، لتزداد معها الأزمة المالية وما سيترتب عنها بعد ذلك من نزاعات اللاعبين مع النادي على مستوى الجامعة لتتوقف معها منح هذه الأخيرة، التي كان يتوصل بها الفريق أسوة بباقي الفرق كما فقد الفريق ثقة الفاعلين الاقتصاديين والمؤسسات المنتخبة والكفاءات الرياضية و…. وأمام تفاقم الأزمة، وعجز الفريق تسديد مستحقات اللاعبين، والأطر الفنية والممونين والمستخدمين، عاد مجددا إلى القسم الثاني سنة 2013، ما خلق أجواء مشحونة داخل جسم الكوديم برمته، أجواء أرهقت كاهل الفريق، وعمقت جراحه، لينحدر لأول مرة في تاريخه إلى بطولة الهواة نهاية الموسم الكروي 2015 – 2016 ويستقر بها لثمان سنوات. وخلال هذه الفترة أضحى النادي لقمة سائغة أمام مختلف الفرق، بعدما تمكنت الأسماء المغمورة، بتواطؤ مع المكتب المديري من الانقضاض على الفريق، حيث تعاقب على تسييره رؤساء عرفت مرحلتهم تدبيرا وتسيرا عشوائيين، مصحوبة باختلالات مالية. وخلال الموسم الكروي 2021 – 2022، وبتضافر جهود أصحاب النيات الحسنة من الفاعلين الاقتصاديين وبعض المسؤولين، دخلت وجوه شابة غمار تسيير الكوديم، حيث تمكنت خلال موسم واحد من استرجاع ثقة المسؤولين والمؤسسات المنتخبة والكفاءات الاقتصادية والفعاليات الرياضية والجماهير العريضة كمرحلة انتقالية وتسدد مستحقات مالية مهمة لمديني للنادي، لتستقر الأمور بعد انتخاب مكتب مسير جديد، يرجع له الفضل في تحقيق إنجاز تاريخي خلال موسمين متتاليين؛ الأول بالصعود إلى القسم الثاني من البطولة الاحترافية نهاية موسم 2022 – 2023 والثاني هذا الموسم (2023 – 2024) بالعودة إلى قسم الكبار.