احتضنت فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته التاسعة والعشرين (29) بالرباط، يوم 15 ماي 2024 ،حفل توقيع وتقديم مؤلف "محمد الحيحي ذاكرة حياة: 1998-1928" وهو كتاب يجسد لبنة جديدة للمساهمة في بناء صرح تخليد ذكرى الفقيد والتعريف بماضيه والغوص فيما خلفه من أثر طيب خالد قاهر للنسيان بأشكال وخرجات وإبداعات متنوعة. وقد شكل هذا الحدث، الذي عرف حضورا نوعيا وازنا، لحظة تاريخية فارقة، زاخرة بالقيم والمعاني. إن حلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحي التي تم تأسيسها في 05 دجنبر 2010، أخذت على عاتقها الحفاظ على ذاكرة هذه الشخصية الفذة وصيانة تراثها مع الحرص أن تظل هذه الذاكرة متوهجة وحية تتفاعل مع الأسئلة الراهنة المطروحة على الحركة التربوية والتطوعية والجمعوية والحقوقية وتنهل من هذا الماضي المشع. يأتي هذا المشروع الريادي لحلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحي، اعترافا وتقديرا من جانب أعضائها، لما قدمه الفقيد من تضحيات من أجل التربية والتكوين والتأطير والمواطنة وروح التطوع السامية الخالدة. وما حضور الحلقة في الحقل الجمعوي إلا استحضار لشخص سي محمد الحيحي ووفاء لروحه وتخليدا لعطائه. إن المؤلَّف الذي أشرف على إعداده، بدرجة عالية من الكفاءة والحنكة والخبرة، وبصبر وعزيمة ومثابرة وإصرار، الأخوين جمال المحافظ وعبد الرزاق الحنوشي، وهما من مؤسسي الحلقة ودعامتها الأساسية، جاء ليستحضر موروث وشخصية المرحوم سي محمد الحيحي، الذي لازال يعيش فينا كتراث ومعين لا ينضب، معين لازال متدفقا معطاء مبني على مرجعية قوامها الإحساس بالواجب والمسؤولية والالتزام والحكمة والاستقامة والنزاهة. من هذا المعين المتدفق، وفي مبادرة تروم المساهمة في إعادة الاعتبار لقيم التطوع التي كرس الراحل حياته للدفاع عنها وزرع ثقافتها لدى الأجيال، دأبت حلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحي، منذ تأسيسها، على منح جائزة سنوية للعمل التطوعي أطلق عليها: "جائزة محمد الحيحي للعمل التطوعي" التي يتم تسليمها لإحدى الأعمال التطوعية الجماعية أو الفردية. وقد منحت السنة الماضية (2023) لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني تقديرا واعترافا بالأدوار التطوعية الانسانية المتميزة التي تقوم بها بشكل متواصل في ميدان الاسعاف والإنقاذ جراء عدوان الاحتلال الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني بقطاع غزة والضفة الغربية. لقد حرصت الحلقة في إطار هذا المشروع أن تتقاسم مع القراء في هذا المؤلف الذي ساهم فيه مجموعة من قادة الفكر والسياسة والأدب والثقافة والتربية ورواد في العمل الحقوقي والجمعوي والسياسي ومن عاشروه، تجربة مسار رجل وطني غيور. فالشهادات متعددة لكنها تختلف وتتنوع وتأتي الواحدة تلو الأخرى لتنسج لنا تاريخ ومسار حياة ودروب رجل الوفاء الغائب الحاضر بيننا. هي شهادات فضلا عن سرديات النبش في الذاكرة عن حياة ومسيرة عطاء المرحوم الحيحي، تلتقي جميعها في قالب تشكيلات ثقافية مشتركة متميزة نوعية، لتقدم للقارئ والمتتبع عملا للتأمل والتفكير والدراسة لشخصية جمعوية سياسية حقوقية تطوعية، عرفت كيف تسلك كل هذه الطرق دون أن تخلط بين هذا وذاك. كان الحيحي شخصية وطنية معروفة بمواقفها السياسية النبيلة وأيضا بنظرته الفلسفية للقضايا التربوية والأخلاقية والاجتماعية، التي تمحورت حول مجالات متعددة متنوعة تجمع بين ما هو جمعوي تطوعي وحقوقي في ظل قيم إنسانية نبيلة مشرقة ومشرفة. كان من بين مؤسسي مدرسة الجمعية المغربية لتربية الشبيبة AMEJ- – التي كرست اهتمامها للاشتغال مع الشباب توجيها وتدريبا وتأطيرا ونصحا ورؤية دون احتواء بل في قالب مطبوع بالحرية والاستقامة والمبادرة الخلاقة، فاستحق بذلك شرف الريادة في هذا الميدان كمرجعية مثالية. فعلى هذا الهدي نتحرك نلتقي نتدارس نواصل مسيرة رجل شجاع، رجل المبدأ الثابت والمواقف الراسخة، نذر نفسه وحياته لخدمة الوطن وقضايا الطفولة والشباب. لقد رحل عنا لكن تراثه وفكره وعبقريته لم ترحل…إنها الذاكرة الحية والطاقة المتجددة، تأبى إلا أن تبلغ رسالتها الأخلاقية التربوية النبيلة إلى الأجيال الصاعدة. بهذا المؤلف نأمل أن نوفي فقيدنا سي محمد الحيحي حقه كجزء يسير، اعترافا وتقديرا لما قدمه من تضحيات من أجل التربية والتكوين والتأطير والمواطنة وروح التطوع السامية كقيمة مجتمعية فضلى. هي في المجمل رسالة مفادها أن الأقلام لا ينبغي أن تتوقف، بل عليها أن تستمر بلغة كل جيل، ليس من قبيل التكرار والاجترار، بل من باب العرفان والوفاء والاستحضار لرموز الوطن مهما بعدت المسافات الزمنية على فراقهم، إنها مسؤولية على الجميع تقاسمها وتحملها في إطار إبداعات متنوعة إحياء وضمانا لاستمرار قيم وثقافة إنسانية نبيلة ورائدة. (*) عضو حلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحي