لحظة إنسانية رفيعة تلك التي وقع عليها المعرض الدولي للكتاب يوم السبت 18 ماي الجاري بتكريمه لقامة فكرية وأدبية بصمت على مسار متفرد من الدراسة والبحث والإنتاج الفكري المنشغل بقضايا التحديث والحداثة والسؤال التراثي، مسار المفكر والباحث كمال عبد اللطيف. مسار نقد وإنتاج للمفاهيم اعتبر عالم الاجتماع والسياسة محمد الطوزي، الذي سير اللقاء التكريمي للأستاذ كمال عبد اللطيف أن مسار المحتفى به «مسار نقد وإنتاج للمفاهيم منذ 1974 تاريخ بحثه الأول عن سلامة موسى»، متوقفا عند ثلاثة محاور أساسية بصمت هذا المسار: -التفكير والتفكر في دينامية إنتاج المفاهيم 2- مساءلة الفكر الإصلاحي، ليس من خلال المشروع الإصلاحي بل من خلال إطاره الإبستيمي. 3 مناقشة الاستشراق وعلاقة الكوني بالخاص بإنتاج ما سماه بالاستشراق المعاكس، أي إعادة إنتاج المقاربة الاستشراقية من طرف بعض الكتاب والمفكرين العرب من باب التأصيل من داخل الدين أو من خلال المناقشات . وأضاف الطوزي بهذا الخصوص أن كمال عبد اللطيف طرح أيضا علاقة الشرق بالغرب الإسلامي من منظور متبصر، ينظر إلى المشترك والمختلف وفق مقاربة مقاربة تاريخانية واجتماعية. انشغال بالحداثة والتحديث من جهته، استصعب الأكاديمي والمفكر سعيد بنسعيد العلوي الحديث عن الجانب الإنساني في شخصية كمال عبد اللطيف لتعدد مزاياه وخصاله التي تبقى أهمها ومفتاح شخصيته في الآن ذاته هي «مزية الانتشاء والغبطة والانشراح التي تتقاطع مع صفاته الأخرى ثم وفاؤه للأمكنة داخل المغرب وخارجه»، بالإضافة إلى شغفه بالتدريس الذي وهب له 40 سنة من عمره، منذ التحاقه للتدريس بالثانوي إلى حين التحاقه بالجامعة التي لم يعرف خلالها تفرغا أو حصل على منحة رغم أنه زاوج بين التدريس والدراسة والبحث. ولفت العلوي إلى أن الإشكال الرئيسي والمحوري الذي ظل اهتمام كمال عبد اللطيف يحوم حوله لعقود هو إشكال الحداثة والتحديث، محاولا في مساره البحثي الإجابة عن سؤال: ما الحداثة؟ الى جانب انشغاله بالفكر العربي المعاصر الذي تحتل فيه قضية التحديث مكانة محورية، ولو تلبست بأسماء أخرى مثل «النهضة»، وكيفية تمثل المفكرين الرواد والمعاصرين لها أمثال هشام جعيط، عبد الله العروي، عابد الجابري، نصيف نصار ، محمد أركون.. محطة ثالثة في مسار المحتفى به توقف عندها بنسعيد العلوي وترتبط بالبحث عن المداخل الحقيقية للحداثة،وفي هذا الإطار اهتم كمال عبد اللطيف ب»تحديث طرائق التفكير وتحديث العقل»، معتبرا أن «لا حداثة بدون تحديث سياسي»، وكل هذه القضايا تلتقي في فكر المحتفى به، والذي عبر عنها بكيفيات مختلفة من خلال الدراسة الرصينة والمقالة الصحفية، ورقية كانت أو الكترونية». صراع التأويلات الباحث عبد السلام الطويل ركز في حديثه عن المحتفى به على مركزية قضية التحديث السياسي في المشروع الفكري لكمال عبد اللطيف، وإيمانه بحتمية صراع التأويلات لإحداث التغيير، بالإضافة إلى أنه «باشتغاله على المنتج الفلسفي في الشأن السياسي، فإنه يشكل امتدادا نوعيا للجيل الأول ممن اشتغلوا على هذا المنتج كالجابري وأومليل، بلقزيز، الطوزي». وأضاف الطويل أن» مركزية التحديث السياسي في مشروع كمال، لا تلغي وعيه بأن الدورة السياسية لا تؤتي ثمارها إلا إذا تأسست على عملية تحديث وثورة ثقافية». إن سعي المحتفى به لفهم واقع التأخر التاريخي للعرب كما أكد الطويل، يندرج ضمن تفكيره في إشكالية النهضة وهو إشكال استمر في إثارته حتى في كتاباته الأخيرة وصولا إلى محطة «الربيع العربي الذي أضحى للأسف خريفا»، معتبرا أن «مساره مسار دفاع نقدي متواصل عن الحداثة وأسلئتها السياسية والأخلاقية، ودعوة لتحصين الثورة السياسية بثورة ذهنيات ومنظومة قيم». وتوقف الطويل عند ثلاث محطات فارقة في مسار الفكر العربي، كما يراها كمال عبد اللطيف، وهي: لحظة إدراك الفارق أو ما يصطلح عليه بصدمة الحداثة، ثم لحظة المماهاة وتمثل النموذج الغربي، قبل ن تتحقق لحظة الوعي بالذات ورسم مسار الاستقلالية، وهو الوعي الذي يبقى منقوصا إذا لم يتم « إتمام مهمة الإصلاح الديني» الذي يرى كمال عبد اللطيف أن مهمته «ملقاة على جميع القوى المجتمعية وضمنها القوى الحداثية و ذلك البحث عن علاقة المقدس بالثقافة في إطار خوض صراع التأويلات: تأويل المنجز التراثي وتأويل المنجز الحداثي، بعيدا عن منطق الإقصاء». وفي كلمة امتزج فيها الشغف بالإصرار بالحنين، استحضر كمال عبد اللطيف، لحظة تكريمه من طرف وزارة الثقافة، استحضر بداياته الكتابية ، وتلك المتعة التي كان يستشعرها لحظة الكتابة بفعل الدربة وتكرارا المحاولات، متعة لا توازيها إلا متعة التدريس التي أمضى فيها 43 سنة حتى في أقسى لحظات تعبه التي قاومها، مستمرا في أداء رسالته برباطة جأش وعزيمة «من يقف عندما يكتشف أن عليه ألا يغادر». مهنة اعتبرها من «أجمل المهن. مهنة راقصة تجعلك في رقص متواصل أمام مجموعات يقظة من الشباب ، وصلت أحيانا إلى 1400 طالب في المدرج، مهنة شاقة لكنها ممتعة». أما بخصوص قضية الحداثة والتحديث، فاعتبر المحتفى به أنها «مجال صراع سياسي ومجال خيارات يتأسس على قواعد لأن لكل مجتمع شروطه» لكن التحديث والحداثة بالنسبة إليه «من مقتضيات الحاضر والمستقبل» الذي يقتضي المأسسة والتحديث وقيم التسامح، ومغادرة الأزمنة القديمة» والانخراط في الثورة الرقمية لأن لكل زمن علومه «فلا وجود لنص قطعي. كل النصوص ثنايا وحنايا. كل الكلمات حمالة أوجه وقابلة لمختلف القراءات والتأويلات.. كل الأمور نسبية وهذه مسالة مهمة في قضايا التحديث والحداثة».