ما أن أعلن جلالة الملك محمد السادس عن مضامين وركائز وفلسفة ورش الحماية الاجتماعية حتى غمرت السعادة قلوب كل المغاربة، وخاصة الفئات الهشة والمسحوقة اجتماعيا، التي انتظرت بعد ذلك تفعيل وتنزيل الحكومة لروح هذا المشروع الانساني والوطني الكبير، الذي أكد الجميع على أنه ورش تاريخي رائد غير مسبوق. ترقب دام لفترة معينة من أجل اتخاذ ما يلزم من تدابير تشريعية وتنظيمية ومالية، قبل أن تبدأ الخطوات الأولى لتعميم التغطية الصحية ثم توزيع الدعم الاجتماعي المباشر. خطوات اعترضتها في البداية بعض الصعوبات ككل برنامج، المرتبطة بسوء الفهم وببعض العقليات التي تعود إلى الزمن البيروقراطي، لكن العجلة الاجتماعية تمكنت لاحقا من الدوران لفترة، وفي الوقت الذي كان ينتظر فيه الكثير من المواطنين تصحيح الهفوات بإلحاق من تم حرمانهم لأسباب مختلفة بقائمة المعنيين بهذا البرنامج، حدثت الصدمة إذ تم اقصاء عدد من المستفيدين بداعي الغش، الذي قد يكون البعض مارسه فعلا، خلافا للبعض الآخر الذي يعيش أوضاعا جد مزرية لم تستوعبها خوارزميات النظام المعلوماتي المحدد للمستفيدين وللمقصيين، جزئيا أو كليا؟ إقصاء سيتبين لكل متصفح لأسئلة الاستمارة التي يتم ملؤها لكل مواطن راغب في الاستفادة من الدعم ومن «أمو تضامن»، أنها ستكون تحصيل حاصل بالنسبة للسواد الأعظم من الناس، لأن أسئلتها فيها الكثير من الحطّ من الكرامة، كما لو أنها تتحدث عن مواطنين يعيشون في العصر الحجري أو في دولة لم تقطع أشواطا كبيرة وجد مهمة للحفاظ على الصحة العامة ولاعتماد الوقاية ولدعم البرامج الاجتماعية، كما هو الحال بالنسبة للسؤال الخاص بمدى توفر صاحب الطلب وأسرته على «حمام» أو «دوش»، دون الحديث عن عدد الغرف؟ وهل يتوفر المعنى بالأمر على عدّاد كهربائي ومائي، فردي أم جماعي، والكل يعلم بأن هناك عددا من الأسر تعيش إلى اليوم في أحياء شعبية لا تتوفر على ماء، وأخرى في منزل بعداد جماعي، وتؤدي كل أسرة، أخذا بعين الاعتبار أن من بين الأسر من لا يتجاوز عدد أفرادها الإثنين، مسنّ ومسنّة، وأحيانا أرملة، مبلغ الاستهلاك باحتساب المصباح أي «البولة» 10 أو 15 درهما، ونفس الأمر بالنسبة للماء، الأمر الذي لم تفهمه الحواسيب، فكان التحيين الذي تم القيام به مطلع شهر أبريل، والذي من بين ما اعتمده، أجوبة «ليدك» نموذجا، دافعا لتصنيف فئة كبيرة من المواطنين ضمن خانة «الغشاشين» وبالتالي تم حرمانهم بشكل كلي من الدعم الاجتماعي المباشر، أو إخراجهم من نطاق «أمو تضامن» إلى «أمو الشامل»، وباتوا مطالبين إن هم رغبوا في الاستفادة من التغطية الصحية بتسديد اشتراك شهري يقتطع من 500 درهم مبلغ الدعم، الذي يحق للجميع أن يتساءل إن كان مثل هذا المبلغ كاف لضمان عيش كريم لمواطن معوز ومريض؟ إن مثل هذه الأسئلة التي تعتبر معايير للتصنيف وغيرها، تدفعنا لطرح علامات استفهام عديدة، من بينها إن كانت الحكومة وهي تقوم بتنزيل الورش الملكي تسعى فعلا لكي يستفيد منه المغاربة المحرومين، وأن يسعدوا به، ويلامسوا فلسفته النبيلة على حياتهم، أم أنها تبحث عن التسبب في حالة من السخط والغضب، والاحساس بالحكرة، وبالمزيد من التمييز؟ إن هذه الأسئلة المشروعة تجد سندها في أسئلة الحكومة، لأنه كيف من الممكن قبول بأن من يسدد أقل من 24 درهما كواجب شهري عن استهلاك الكهرباء، لن يحصل على معامل في صالحه عند تجميع نقاط الاستمارة، وبالتالي الوصول إلى مؤشر كيفما كان رقمه؟ وكيف يمكن لقنينة غاز بوطان من الحجم الصغير أو الكبير أن تؤثر على استفادة هذه الأسرة وإقصاء أخرى، كما لو أن المعنيين بالأمر عليهم أن «يقدّدوا» أكلهم أو «يطبخوه» في العراء تحت أشعة الشمس»؟ إن أسئلة الاستمارات من قبيل التي سقناها وغيرها، كالتوفر على لاقط هوائي من عدمه، والأنترنيت أو الهاتف، وهما معا يمكن لأي قريب من المعنى بالأمر أن يتحمل نفقتهما من أجل الاستمرار في التواصل معه والاطمئنان عليه، وهو ما تأكد بقوة خلال جائحة كوفيد، أو التوفر على دراجة نارية وغيرها، هي أسئلة تدمي العين وتبكي القلب، لأنها معايير جافة تفتقد لكل بعد إنساني، لأن عدم توفر هذه الأشياء في حياة هذا الشخص أو ذاك معناه أننا أمام أموات أحياء، وهو أمر لا يستقيم في وطن جاء بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وبنظام «راميد» بكل المؤاخذات عليه، و بالعديد من البرامج الاجتماعية، التي كان لها وقعها، وكان من المفروض أن يستمر نفس النهج بأبعاده الاجتماعية في مدّ تصاعدي لا أن تأتي الحكومة الحالية لتتسبب في نكوصه، وهي التي كان عليها لتحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية أن تقوم بما يلزم لسنّ ضريبة الثروة على الأثرياء لا أن تزيد من معاناة المحرومين والفقراء.