تعقد على الدورة الربيعية البرلمانية الحالية رهانات كبيرة ومتنوعة، من أجل الارتقاء بالعمل البرلماني في ظل سياقات وطنية وتحديات ضاغطة، بعد انتخاب راشيد الطالبي العلمي من جديد كرئيس لمجلس النواب لما تبقى من الفترة النيابية 2021 – 2026، وتم التصويت عليه بالأغلبية في جلسة يوم الجمعة 12 أبريل 2024، طبقا لأحكام الفصلين 62 و65 من الدستور ومقتضيات المادة 24 من النظام الداخلي لمجلس النواب. واختارت مكونات الأغلبية الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزبا التقدم الاشتراكية والحركة الشعبية الامتناع بأوراق فارغة . وأسفرت نتائج التصويت عن حصول الطالبي العلمي ممثل الأغلبية البرلمانية، عن حزب التجمع الوطني للأحرار، على 264 صوتا من عدد المصوتين البالغ عددهم 324، في ما حصل منافسه عبد الله بوانو عن المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية عن ما مجموعه 23 صوتا. وعرفت الجلسة تشنجا ونقط نظام من أجل ضبط ميكانزمات تسيير الجلسة الدستورية، وكان الإشكال حول غياب البرلماني الأكبر سنا، الذي غاب لأسباب صحية كما قدمها الاستقلالي ولد الرشيد، الذي ناب عنه في تسيير أطوار الجلسة. كما عرفت الجلسة توترات وحالة من عدم الانضباط أثناء تصويت الأغلبية مما جعل مسير الجلسة يطالب بإخلاء الساحة المقابلة لمكاتب التصويت واضطر عدة مرات للمناداة بالأسماء من أجل حرمة الاقتراع . وتأتي هذه الدورة البرلمانية الربيعية، حسب الدكتور بنيونس المرزوقي أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد بن عبد الله بوجدة، في سياق ذي بعد دستوري، يتمثل في تقديم الحصيلة المرحلية الحكومية تبعا للنص الدستوري وتقليد حكومي ترسخ بالمملكة المغربية منذ حكومة التناوب التي قادها عبد الرحمان اليوسفي، مبرزا في مداخلة له في برنامج «مع الحدث» الذي يبث على قناة ميدي1 تيفي، أن هذه الدورة البرلمانية ستعرف نقاشات ساخنة ما بين الأغلبية والمعارضة بالنظر لطبيعة المهام المطروحة عليها وبالخصوص القانونية والتشريعية. كما أشار المرزوقي إلى أن هذه الدورة البرلمانية تأتي في سياق التعديل الحكومي المرتقب الذي جرت العادة أن يكون في منتصف الولاية الحكومية، ملفتا الانتباه كذلك إلى أن الدورة تأتي إثر نقاش عمومي ساخن حول تعديل مدونة الأسرة الذي سيكون حاسما في باقي الولاية التشريعية الحالية. وأضاف المرزوقي أن الساحة السياسية تعرف العديد من الاحتقانات الاجتماعية في عدد من القطاعات وفي ظل الحوار الاجتماعي ما بين الحكومة والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية. ومن بين الملفات المطروحة على طاولة البرلمان، ملف مدونة الأخلاقيات الذي اعتبره أستاذ القانون الدستوري في ذات اللقاء الإعلامي، ملفا مستعجلا من أجل الارتقاء بالممارسة البرلمانية، مسجلا أن قسم السلوك والأخلاقيات البرلمانية، كل المقتضيات القانونية المرتبطة به منصوص عليها في الدستور وفي النظام الداخلي للبرلمان، لكن ما يجب الاجتهاد فيه هو الجانب المؤطر للأحداث التي تقع خارج مجلس النواب، التي تستدعي ضرورة إيجاد مقتضيات جديدة. وذكر المرزوقي أن من القوانين التي يمكن أن تكون فيها كلمة الفصل في هذه الدورة الربيعية القانون الجنائي والمسطرة المدنية، مذكرا في نفس الوقت أن هذه الحكومة هي التي سحبت مشروع القانون الجنائي من البرلمان، واليوم الحكومة بدأت بقانون المسطرة المدنية، لكن الرأي العام ينتظر قانون المسطرة الجنائية لأنه هو القانون المتعلق بالحريات والحقوق وفيه كذلك عدد من المقتضيات التي تهم النقاش الجاري المتعلق بمراجعة مدونة الأسرة. وستشهد هذه الدورة الربيعية العمل على مجموعة من التشريعات والقوانين، وفي مقدمتها تنزيل "مدونة للأخلاقيات" التي أمر بها جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس البرلمان من أجل تخليق الحياة السياسية والبرلمانية، ومناقشة بعض القوانين ذات الأهمية القصوى كقانون الإضراب والنقابات والمسطرة المدنية، إضافة إلى قانون الاثراء غير المشروع الذي تم سحبه من طرف الحكومة في الدورة السابقة. كما سيتم مناقشة بعض القوانين الأساسية والتي من شأنها أن تثير نقاشات ساخنة داخل البرلمان وعلى رأسها مدونة الأسرة، حيث سيتم إحالة التعديلات أوالقانون الأسري الجديد المعدل على البرلمان، فضلا عن قانون المسطرة المدنية، وقانون الشغل والقانون الجنائي. ولاحظ المرزوقي أن حجم الرهانات والقوانين المطروحة على هذه الدورة، سيجعل الزمن البرلماني غير كاف لمناقشتها، ما يفرض على المؤسسة التشريعية والحكومة ومكونات الأغلبية والمعارضة أن تتضافر جهودها من أجل الارتقاء بالعمل البرلماني واستغلال الزمن البرلماني واستثماره لصالح العمل التشريعي لإخراج قوانين ذات جودة في مستوى التطلعات.