يبدو أن توالي المجازر وحرب الإبادة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي ضد سكان غزة بدأت تدفع إلى التفكير في تطبيق اتفاق «دايتون» على كيان الاحتلال من أجل توقيف هذه المذبحة. المجتمع الدولي والولاياتالمتحدةالأمريكية وهي الحليف الأقرب للاحتلال بدأت تتحدث عن تطبيق حل الدوليتين، رغم استمرار إسرائيل في رفضها لقيام دولة فلسطينية، وسياسة نتانياهو في السنوات الأخيرة كانت من أجل دفن القضية الفلسطينية بشكل نهائي من خلال سياسة الاستيطان والقضاء على أية تمثيلية للشعب الفلسطيني من خلال تشجيع التناحر بينه. لكن هجوم 7 أكتوبر المسلح والذي قامت به حماس داخل غلاف غزة قلب أوراق نتانياهو وأجندة الاحتلال التي كانت تعتقد أنها ستقضي على القضية الفلسطينية، اليوم هذه الدول الداعمة والحليفة لإسرائيل بدأت تفكر في إعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد، لكن يبقى السؤال: هل هذه الدول جادة في مقاربتها، لأنها تردد، خاصة الرئيس الأمريكي، خطابا حول السلام وفي نفس الوقت تمد إسرائيل بالسلاح والقنابل بدون حساب، حتى الإسرائيليون أنفسهم تفاجأوا بهذا الكرم الغربي ولم يكونوا يعتقدون حتى في أحلامهم أن واشنطن ستفتح لهم الباب لإبادة الفلسطينيين بهذا الشكل، وكل هذا الوقت أحد المحللين الإسرائيليين يقول، إنه لو علم قادة إسرائيل بكل هذا الوقت الذي منحته لهم واشنطن والقوى الغربية، لبدأوا الحرب على الفلسطينيين من رفح من الجنوب في اتجاه الشمال، لكن لا أحد منهم كان يعتقد أن حلفاءهم سيمنحونهم كل هذا الوقت لإبادة الفلسطينيين خاصة النساء والأطفال دون رد فعل. اليوم، هل ستطالب واشنطن، بشكل جدي، بوقف الحرب وتطبيق اتفاق «دايتون» بالمنطقة، بعد أن رددت حكومة الاحتلال المتطرفة بكل مكوناته لازمتها» لا للدولة الفلسطينية». اتفاق «دايتون» هو اتفاق فرض في حرب البوسنة والهرسك، الذي أنهى حربا وحشية تتضمن هي الأخرى الإبادة للسكان المدنيين كما يقع في غزة، وهو اتفاق مازال صامدا رغم مرور 30 سنة عليه، وهذا الاتفاق وضع نهاية للحرب البوسنية التي دامت ثلاثة أعوام ونصفا، وأسفر عن دولة واحدة ذات سيادة هي البوسنة والهرسك، والتي تضم جمهورية الصرب ذات الأغلبية الصربية، واتحاد البوسنة والهرسك الذي يضم الكروات والبوسنيين. ومكن اتفاق «دايتون» من وقف الحرب، وكان آنذاك بمثابة اتفاق مؤقت حتى يتم تطوير خطة سلام طويلة المدى، وهو ما لم يحدث مطلقا، وكان الاتفاق هو المحاولة الخامسة والثلاثين للتوصل لوقف إطلاق النار بين الطرفين المتحاربين، في أعقاب أكثر من ثلاثين محاولة فاشلة. وهو أمر لم يكن يتوقعه حتى أكبر المتفائلين آنذاك، اليوم أمام حرب الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون بغزة، لا بد من فرض حل الدوليتين عن إسرائيل وتطبيق عقوبات حقيقية على المستوطنين وقادة الاحتلال المتورطين في سياسة الانتقام والإبادة الأخيرة خاصة ضد النساء والأطفال. وإذا حدث هذا التحول، ستضطر إسرائيل إلى الالتزام بقرارات المجتمع الدولي كما حدث مع نظام الميز العنصري بجنوب إفريقيا. داخل بلدان الغرب خاصة بالمجتمع المدني، بدأ الرأي العام يتحول ويستيقظ من الدعاية التي قام بها الاحتلال بعد عملية 7 من أكتوبر، حيث نجح من خلال الدعاية والكذب في إعطاء صورة جد سلبية عن الفلسطينيين ولخص قضيتهم في حركة حماس، في حين أن فصائل المقاومة ضد الاحتلال هي متنوعة وتنتمي إلى كل المشارب وبالذات منذ أكثر من سبعة عقود، وليس قبل أربعة أشهر، كما تحاول أن ترسخ ذلك الرواية الصهيونية التي يتبناها جل الإعلام الغربي. كان حزب فرنسا الأبية هو الحزب الوحيد بفرنسا الذي يطالب بوقف العدوان ضد الفلسطينيين بفرنسا وتطبيق العقوبات ضد مسؤولي الاحتلال وضد تسليم الأسلحة وضد سياسة الاستيطان، اليوم التحقت باقي الأحزاب اليسارية بهذا الموقف تجاه إسرائيل خاصة الحزب الشيوعي والحزب الاشتراكي وحزب الخضر، موقف الرئيس الفرنسي هو الآخر بدأ يتطور فالأسبوع الماضي شدد لهجته تجاه نتنياهو، وأكد معارضة باريس الحازمة للهجوم على رفح وقال إن الخسائر والوضع الإنساني لا يطاق، وإن العمليات الإسرائيلية يجب أن تتوقف، مع اتخاذ إجراءات انتقامية ضد المستوطنين العنيفين بالضفة الغربية، وفرنسا في هذه الخطوة سارت على موقف الولايات المتخذة الأمريكية التي عبر رئيسها عن رفضه الهجوم على رفح. ميلنشون بفرنسا كان الوحيد الذي طالب بالعقوبات ضد إسرائيل وقادتها العنصريين منذ ديسمبر الماضي، وتعرض بسبب ذلك لانتقادات من كل صوب بفرنسا، التي كان أغلب سياسييها ضده ووصل هذا الموقف إلى حد اتهامه بمعاداة السامية، وهي التهمة التي أصبحت جاهزة لكل من يطالب بحقوق الفلسطينيين ووقف الإبادة. طبعا الخطاب الغربي بدأ يعرف بعض التشدد تجاه الاحتلال خاصة في المؤسسات الأوروبية، وبدأ الحديث عن ضرورة تطبيق عقوبات على المستوطنين وعلى قادة الاحتلال. وباستثناء المجر وألمانيا فإن أغلب بلدان الاتحاد بدأت تشدد لهجتها تجاه الاحتلال وضد ممارساته ضد سكان غزة وكذا عنف المستوطنين بمساعدة قوات الاحتلال على سكان عزة. اليوم الكرة في ملعب واشنطن، والرئيس بايدن لم يعد له اختيار، إما فرض اتفاق الدوليتين على الاحتلال ووقف آلة الإبادة الإسرائيلية للفلسطينيين التي راح ضحيتها أكثر من 30 ألف شهيد أو أن بايدن سوف يتعرض للفشل في الانتخابات الأمريكية بسبب دعمه الأعمى للحكومة المتطرفة بتل أبيب.