لجنة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي تعلن تنظيم جلسات وطنية حول قانونية "كاميرات المراقبة"    الناخب الوطني يكشف عن تشكيلة الأسود أمام النيجير    هذه تشكيلة "الأسود" أمام النيجر    السياقة الاستعراضية تجر شابًا إلى التحقيق في تيزنيت    25 سنة معدل أعمار منتخب "الأسود"    توقيع بروتوكولي اتفاق لتعزيز البنيات التحتية للطرق السيارة بالمغرب    المجلس العلمي الأعلى يحدد مقدار زكاة الفطر لهذه السنة    مجموعة "أكديتال" تتصدر معاملات البورصة متقدمة على "التجاري وفا بنك" و"اتصالات المغرب"    أمطار الخير تُعيد الحياة لفلاحة الشمال وسدوده!    إقبال خاص على المنتجات المحلية في شهر رمضان    استمرار تعليق الرحلات البحرية بميناء طنجة المدينة    طنجة..تنظيم حفل إفطار جماعي لفائدة أطفال سجناء وسجناء سابقين    عدد ضحايا الهجرة إلى سبتة سباحة يرتفع إلى 9 حالات    لسعات النحل تودي بحياة طفل بضواحي الحسيمة    رحيل مخرج "وادي الذئاب" "دموع الورد".. نهاية أسطورة الدراما التركية    من بينها "المينورسو" في الصحراء.. دعوات لإنهاء عمليات حفظ السلام "الفاشلة" لتقليل الهدر المالي    المجلس العلمي الأعلى يحدد قيمة زكاة الفطر لعام 1446 ه في المغرب    مبارزة كروية بين الأستاذ والتلميذ..من يحسمها الزاكي أم الركراكي؟    بشرى لفلاحي جهة الشرق.. سدود حوض ملوية تستقبل حمولات مائية مهمة    تأجيل جلسة الاستماع للناصيري في ملف "إسكوبار الصحراء" ودفاعه يعلمن تفاؤله ببراءته    ارتفاع أعداد المعتمرين بنسبة 31 بالمائة    الإمارات تستثمر ب1.4 تريليون دولار بأمريكا    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    إفران تتصدر مقاييس الأمطار بالمغرب    النقابات تنتظر مآل الحوار بعد إعفاء السحيمي .. والوزارة تطمئن الشغيلة    تنظيم منتدى الصحراء المغربية الدولي للصحافة والإعلام بسيدي إفني    اختيار 15 حرفة للمشاركة في النسخة الثالثة من برنامج "الكنوز الحرفية المغربية"    "غزة منا ونحن منها".. وقفات بمدن مغربية تنديدا باستئناف الإبادة الإسرائيلية    أبحاث جديدة تفسر سبب صعوبة تذكر الذكريات الأولى للأطفال    الأفضلية لكرواتيا وألمانيا والدنمارك وتعادل قاتل لإسبانيا في دوري الأمم الأوروبية    جمال السلامي يعيد الأردن إلى سكة الانتصارات    بريطانيا.. شرطة مكافحة الإرهاب بلندن تفتح تحقيقا بشأن حريق تسبب في إغلاق مطار هيثرو    عمر نجيب يكتب: القومية الاقتصادية والحماية التجارية الصارمة معالم نظام عالمي جديد..    المجلس العلمي الأعلى يرفع قيمة الزكاة في المغرب    المدارس الخاصة.. 2.5% فقط تتبنى تدريس الأمازيغية    الصيام بين الفوائد الصحية والمخاطر    محاكمة الفريق الطبي لمارادونا .. شهادات صادمة عن "الإهمال القاتل"    أسعار الذهب تستقر عند أعلى مستوى    قيس سعيّد يقيل رئيس الحكومة    لقجع وبرادة مطلوبان في البرلمان للوقوف على تحضيرات مونديال 2030    منظمة الصحة العالمية تدعو لاتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة السل    صحة الصائم الجيدة رهينة بالتوازن في الأكل و النوم و شيء من الرياضة..    طوفان الأقصى: لا أمن بلا سلام    من أجل فلسفة جذرية    تعاون أمني بين المغرب وإسبانيا يوقف عنصر موالي ل"داعش" في قرطبة    استشهاد 591 فلسطينيا من بينهم 200 طفل وإصابة أكثر من 1042 خلال 72 ساعة    الحكومة تستعد لمؤازرة "الكسابة" بعد منع ذبح إناث الأغنام والماعز    فعاليات دينية مغربية في كوبنهاغن    جنوب أفريقيا.. مجموعة الدفاع عن استقلال كيب الغربية تتوجه إلى الولايات المتحدة لمناقشة تقرير المصير    أمسية شعرية وفنية تحتفي باليوم العالمي للشعر في طنجة    ميناء المضيق : ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري بنسبة 28 % مع متم فبراير الماضي    عمرو خالد: هذه شفاعات كبرى للنبي صلى الله عليه وسلم تنجي من أهوال يوم القيامة    عرض الفيلم المغربي "مطلقات الدار البيضاء" بالبنين    التوازن بين العقل والإيمان: دعوة لفهم شامل وعمق روحي.. بقلم // محمد بوفتاس    بعد 15 سنة من العطاء…اعتزال مفاجئ للمخرج المصري محمد سامي للدراما التلفزيونية    2025 سنة التطوع: بواعث دينية ودوافع وطنية    الصيام في رمضان.. علاج للروح وفوائد جمة للجسد    أوريد: أزمة السياسة "ليست مغربية".. والشعبوية متحور عن الفاشية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدرس الذي تُصِرُّ إسرائيل على الا تتعلمه!

تتفق الأغلبية الساحقة من المحللين الإسرائيليين الذين تحرروا من العقد الخبيثة التي تركها تعصب الصهيونية المقيتة والصهيونية الدينية الفاشية، ومن الاباطيل التي خلَّفها الكذب والتشويه الممنهج للحقائق التاريخية والدينية والسياسية (رغم قلتهم)، على ان احداث 7.10 التي قادتها حركة حماس، أدت الى انهيار سبعة من التصورات/القناعات/المُسَلَّمَات الرئيسية التي هيمنت على المجتمع الإسرائيلي في ظل حكومات اليمين واليمين المتطرف، ولكن ليس فقط، وهي التصورات التي كانت "المُلهِمة" للحكومات الإسرائيلية في صياغة سياساتها ضد الشعب الفلسطيني والأمة العربية منذ نكبة فلسطين وقيام إسرائيل وحتى الآن…
(1)
التصور الأول – "ليست هناك حاجة للسلام مع الفلسطينيين. الجيش يستطيع الدفاع عن إسرائيل بدونه". اثبتت احداث السابع من شهر تشرين الأول/أكتوبر فشل المستويين السياسي والعسكري إضافة الى الأجهزة الأمنية وفي قلبها "الشاباك" و "الموساد" في مهمتها الرئيسية، وهي حماية إسرائيل وحدودها ومواطنيها. نسي قادة إسرائيل ان الجيش والأجهزة الأمنية قد تنجح في حماية الدولة لبعض الوقت، لكنها لن تستطيع حمايتها طول الوقت. السلام الحقيقي هو الضمان الوحيد لاستمرار إسرائيل في الوجود! إسرائيل لا يمكنها ان تعيش تحت "ظل السيوف" الى الابد!
الثاني – "استمرار احتلال الشعب الفلسطيني لا يضر بازدهار إسرائيل ولا بعلاقاتها الخارجية". ظن الكثير من القيادات الإسرائيليين ان بقدرتهم "إدارة الصراع" دون التعامل بجدية ومسؤولية مع استحقاقات الحل لهذا الصراع من حيث الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الاستقلال وانهاء الاحتلال. اثبتت احداث 7.10 انهيار الدولة الغنية بالتكنولوجيا وذات الجيش القوي أمام منظمة حماس ذات القدرات العسكرية التي لا تقارن مع قوة إسرائيل، كما ان الاقتصاد الإسرائيلي يوشك على الانهيار لولا الدعم الأمريكي الاقتصادي اللامحدود لإسرائيل. توهم قيادات اسرائيل أن الفلسطينيين في قطاع غزة سيعيشون إلى الأبد بهدوء داخل أكبر سجن على وجه الأرض، مع 4 ساعات من الكهرباء يوميا، مع أكثر من 70% من البطالة، في فقر مدقع، بينما على الجانب الآخر من السياج تعيش البلدات اليهودية حالة ازدهار وتطور ورفاه اسطوري. أصبح واضحا خطأ هذا التصور وسقوط هذا النظرية.
الثالث – "المستوطنات تحمي إسرائيل وتدافع عنها". أثبتت احداث تشرين الأول/أكتوبر عكس هذه الدعوى تماما. يشير هؤلاء المحللون الى انه وبدلا من حماية سكان غلاف غزة، حرص المستوى السياسي الاسرائيلي على التأكد من أن جيش الاحتلال الإسرائيلي ظل منشغلا بحماية خيمة "عيد العرش" الاستيطانية في بلدة حوارة الفلسطينية، وحراسة البؤر الاستيطانية غير القانونية، ومرافقة قطعان المستوطنين في اعتداءاتهم التي لا تتوقف ضد الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، والتأكد من عدم قيام أي فلسطيني بالتجول في الشارع المؤدي الى الاستيطان اليهودي في الخليل المتاح فقط لليهود "الأنقياء"! أصبح واضحا ان المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك مدينة القدس، يشكل "التهديد" الحقيقي لوجود إسرائيل من جهة، والعقبة الأساسية في طريق تحقيق أي حل سلمي مع الشعب الفلسطيني! تشير المعطيات المنشورة اسرائيليا الى أنه في يوم 7.10، كانت هناك 36 كتيبة مقاتلة في الضفة الغربية مقابل كتيبتين فقط في قطاع غزة، الامر الذي يشير – حسب المحللين الإسرائيليين – الى أنه بالنسبة للحكومة الإسرائيلية التي يقودها المستوطنون المتطرفون، ويحدد ايقاعها مؤيدوهم في الميدان، فإن دماء المستوطنين أكثر احمرارا من دماء سكان غلاف غزة.

الرابع – "القوة الغاشمة، وسياسة الأرض المحروقة، والقتل الجماعي سيردع الشعب الفلسطيني، وسيدفعه الى (الركوع) والقبول بالفتات التي تعرضه إسرائيل"… اثبتت احداث 7.10 وما قبلها من الحروب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة (الرصاص المصبوب/معركة الفرقان (2008)، حرب عمود الغمام/حجارة السجيل (2012)، حرب الجرف الصامد/ العصف المأكول (2014)، حارس الأسوار/سيف القدس (2021)، إضافة الى حرب الجدار الواقي (2002) في الضفة الغربية المحتلة، اثبتت كلها ان الشعب الفلسطيني وخصوصا اجياله الشابة التي ولدت في ظل الاحتلال الاسرائيلي، خرج من كل هذه الحروب اكثر إصرارا على رفض الاحتلال والاستعداد لمواجهته مهما كانت التكاليف. من الواضح ان نظرية إسرائيل بشأن "القوة الغاشمة" كوسيلة لتركيع الشعب الفلسطيني ليست أكثر من وهم لا صلة له بالواقع!
الخامس – "المجتمع الدولي سيظل داعما لإسرائيل مهما كان حجم انتهاكها للقانون الدولي"… ما من شك في ان الغرب وفي قلبه الولايات المتحدة الامريكية الذي أقام إسرائيل على أنقاض الشعب الفلسطيني ووطنه الذي لا وطن له سواه، ظل داعما لإسرائيل وحاميا لها منذ قيامها وحتى الآن سياسيا وعسكريا وماليا، إلا ان الشعوب في الغرب بدأت تتململ وهي ترى أموالها تذهب لذبح الشعب الفلسطيني وحرمانه من حقه المشروع في الاستقلال وكنس الاحتلال! احداث 7.10 وما تلاها من حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة المحاصر منذ سبعة عشر عاما، والمشاهد المأساوية التي تبثها وسائل الاعلام حية على الهواء على مدار الساعة، فجرت موجة شعبية وإعلامية عاتية من الاعتراض الصاخب ضد إسرائيل وجرائمها في عدد كبير من العواصم والمدن حول العالم وبالذات في أوروبا، ودفعت بالكثير من الدول الى إعادة النظر في علاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي الامر الذي يمكن ان يشكل ضغطا حقيقيا يوقف الحرب ويدفع في اتجاه البحث عن حلول جذرية للصراع في الشرق الأوسط.

السادس – "الرأي العام الإسرائيلي سيظل من وراء حكوماته مهما كانت تضحياته، وسيثق فيها مهما كانت أخطاؤها"…. صحيح ان الراي العام الإسرائيلي ظل من وراء حكوماته المتعاقبة منذ العام 1948 وحتى الآن، الا ان احداث 7.10 خلقت وضعا جديدا كسر هذا "الطابو" المتوارث وبدأ الحديث العلني عن "فقد الثقة" في القيادة السياسية والأمنية التي لم تستطع ان تحمي مواطنيها، حتى ذهب احد ممثلي أهالي الاسرى الإسرائيليين لدى حركة حماس (افيتاي بروديتس) الذي زوجته واولاده الثلاثة مخطوفون في غزة، الى القول في برنامج قناة 12: "عائلتي اختطفت ليس بسبب حماس، ولكن بسبب انه لم يكن هنالك جيش للدفاع عني وعن عائلتي!"، مُحَمِّلا الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عما حدث، ورافضا تحميل حركة حماس المسؤولية مؤكدا على ان حماس نفذت عملية "نوعية/مميزة" وقفت إسرائيل "العظيمة" امامها عاجزة عن حماية جنودها وضباطها ناهيك عن حماية رعاياها ومواطنيها! المتابع للمشهد الإسرائيلي يلاحظ من غير كثير عناء دور الرأي العام وبالذات (أهالي الاسرى) في الضغط على حكومة إسرائيل من اجل القبول بصفقة لتبادل الاسرى مع حماس وان كان بثمن وقفٍ كاملٍ لإطلاق النار، ودعوة بعضهم الى الاعتراف بان الحلول العسكرية لم تعد هي الحل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني الذي زاد عمره على المائة عام، وانه قد آن الأوان للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال أسوة بكل شعوب العالم.

التصور السابع – "اليهود ينتمون الى الحضارة الأوروبية كما ان إسرائيل جزء من الغرب، وليس من الشرق، وان الغرب هو الضمان لأمن ووجود اسرائيل". اثبتت احداث 7.10 بطلان هذا الزعم، ودفعت الكثيرين من المحللين الإسرائيليين لمداهمة الحقيقة التي نسيها الكثير من اليهود بسبب عملية "غسيل المخ" التي مارستها الصهيونية الفاشية ضد اليهود فأفسدت عليهم حياتهم! الحقيقة انه لم يعش اليهود عصورهم الذهبية الا مع المسلمين وفي ظل الدولة الاسلامية على مدار 1400 عام، بينما ذبحتهم اوروبا على مدى الاف السنين. لم يجد اليهود ملاذا آمنا من بطش اوروبا الا في بلاد المسلمين! الصهيونية افسدت كل شيء، وانست اليهود تاريخهم الحقيقي!
(2)
أتصور ان دولة إسرائيل تقف في هذه المرحلة الدقيقة أمام أهم مفترق طرق منذ وجودها. إن الإصرار على إلى استمرار الاحتلال بكل ما يجسده من وحشيةٍ وشراسةٍ واعتداءٍ على أبسط حقوق الانسان الفلسطيني والعربي، وانتهاكٍ لكل قرارات الشرعية الدولية، وتحدٍّ للإرادة الأممية، وتَعَدٍّ على القيم الدينية والأعراف والتقاليد الإنسانية، سيأخذها حتما إلى حِقَبٍ أخرى من الصراع الدموي الذي سيجبي أثمانا باهظة من كل أطراف الصراع، وسيعجل النهاية الفعلية لدولة إسرائيل.
إذا واصلت اسرائيل احتلال فلسطين وطنا وشعبا ومقدسات حتى لو دمرت قطاع غزة فوق رؤوس اهله وهي تفعل ذلك بامتياز امام سمع وبصر العالم بما في ذلك العالم العربي والاسلامي، فلن تنجح ابدا في قتل إرادة المقاومة لدى الشعب الفلسطيني وإصراره على انتزاع حقوقه المشروعة بأي طريق. حماس وغيرها من التنظيمات لا تمثل فصائل فلسطينية مقاتلة فقط، وإنما هي فكرة متغلغلة في المجتمع الفلسطيني ستجد من يحملها ويمضي بها حتى تحقق أهدافها في الاستقلال وكنس الاحتلال وإن تغيرت الأسماء وتبدلت العناوين.
ليست فلسطين وليس الشعب الفلسطيني بِدْعاً في هذا الشأن، وإنما هو حال كل الشعوب التي خاضت معركة التحرير ضد كل محتل مهما بلغت سطوته وقسوته ووحشيته، وفي التاريخ القديم والحديث من الوقائع والاحداث ما يثبت ذلك بما في ذلك تاريخ اليهود أنفسهم.
(3)
انهاء الاحتلال لا يجب ان يكون فقط مهمة الشعوب التي تعيش تحت نيره وتعاني من ويلاته، وإنما يجب ان يكون مهمة المجتمع الدولي الذي يدعي حماية حقوق الانسان وحرية الشعوب، والذي وضع القوانين والمعاهدات التي تكفل هذه الحقوق وتدعو الى صيانتها وحمايتها والوقوف في وجه من تُسَوِّلُ له نفسه انتهاكها. مما يؤسف له ان هذا المجتمع الدولي الذي وضع نفسه حاميا للشرعية الدولية يعاني من امراض مزمنة في قلبها الكيل بمكيالين، وتغليب المصالح على المبادئ، والانحياز الى القوي وإن كان على الباطل المحض، والوقوف في وجه الضعيف وإن كان على الحق المحض… ليس هنالك من مثلٍ يثبت هذه الحقيقة أكثر من الشعب الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي الذي يعتبر أطول احتلال في التاريخ المعاصر. كتب الباحث ديفيد هيوز مقالا في هذا الصدد بعنوان "التكتيكات والاحتلال غير المشروع وحدود القدرة القانونية"، أكد فيه انه فوق ان الاحتلال هو إجراء غير قانوني، فإن إنهاءه هو واجب قانوني.
السلام العادل والشامل والدائم القائم على حق الشعوب في الحرية والاستقلال لا يخدم الشعوب التي تعيش تحت الاحتلال فقط، وإنما يخدم الذين يمارسون الاحتلال أيضا. انهاء الاحتلال معناه تحرير من يعيش تحت الاحتلال بنيله الحرية من جهة، وتحرير من يمارس الاحتلال من عبئه الثقيل ومن أثره في إفساد النفس البشرية وشؤم طغيان الغرائز الوحشية، ناهيك عن تحريره من تبعات جرائمه ضد الإنسانية وانتهاكه لكل الأعراف الدينية!
(4)
الفلسطينيون قيادة وشعبا موحدون اجمالا في رؤيتهم نحو الحل مع إسرائيل. الكل الفلسطيني بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي وفتح وباقي الفصائل يبحثون عن حرية الشعب الفلسطيني واستقلاله بناء على القرارات الدولية ذات الصلة، أي دولة مستقلة كاملة السيادة على كامل التراب الوطني الفلسطيني المحتل عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين الى وطنهم. لا أحد يختلف على هذا المبدأ. الفصائل الفلسطينية التي لم تكن جزءا من اتفاق أوسلو بما في ذلك حماس اكدت في أكثر من مناسبة للرئيس الفلسطيني أبو مازن انها ستبارك أي جهد يحقق للشعب الفلسطيني حريته واستقلاله وعودة لاجئيه، ولن تكون هذه الفصائل يوما حجر عثرة في طريق هذا الهدف. فماذا كانت نتيجة المفاوضات التي مر عليها ثلاثون عاما تقريبا؟ لا شيء!
لم تكن الدولة الفلسطينية المستقلة يوما أبعد عن ان تصبح واقعا منها اليوم! حكومات إسرائيل وخصوصا الحالية (نتنياهو – سموتريتش – بن غفير) سعت بشكل ممنهج وعلني للقضاء على أية فرصة للتوصل الى إقامة دولة فلسطينية مستقلة كما يحلم بها الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال تشديد قبضة احتلالها وتوسيع استيطانها وإطلاق يد عصابات مستوطنيها والتضييق على الشعب الفلسطيني، وتهويد القدس والتخطيط لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك، كل ذلك دفع الشعب الفلسطيني بكل فصائله الى نفض اليد من اتفاق أوسلو والبحث عن طرق لحماية الوطن وتحريره حسب ما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية. ليس ادل على ذلك من ان الحكومة الإسرائيلية لم تفرق في تعاملها الاحتلالي الغاشم بين رام الله وغزة، بين السلطة الفلسطينية التي يقف على رأسها أبو مازن وبين غزة التي تديرها حماس! كل الشعب الفلسطيني في نظر الحكومة الاسرائيلية "عدو" يجب العمل على استئصاله واستئصال إرادة الحرية فيه، والقضاء على حلمه في الاستقلال خدمة للمشروع الصهيوني الحالم في إقامة "إسرائيل الكبرى" من البحر الى النهر، وربما ابعد من ذلك!
كما حرصت الحكومة ورؤساء المستوطنين على شيطنة حماس وفصائل المقاومة، فإنها أعلنت بأنه لا يوجد شريك، وأنه ليس لديها خيار سوى العيش بحد السيف فقط. وأي زعيم فلسطيني يمكن أن يشارك في حلم السلام يُصَوَّرُ على الفور في إسرائيل على أنه إرهابي بما في ذلك الرئيس أبو مازن. تنفيذا لهذه الرؤية لم يكن غريبا ان نسمع من يطالب ب-"محو" حوارة، وإن "القاء قنبلة ذرية على غزة أمر محتمل"، و "يجب انهاء ما ظل ناقصا في مشروع بن غوريون" يعني طبعا استكمال نكبة فلسطين من خلال تهجير من تبقى من الشعب الفلسطيني من وطنه، و "الحديث عن انقطاع الأنترنت يعني اننا لم نتعلم شيئا. المطلوب حرق غزة الان"، إضافة الى إطلاق حملات لإطلاق سراح قتلة إرهابيين يهود! لم تخرج هذه التصريحات من أناس هامشيين، هؤلاء وزراء وقادة أحزاب وأعضاء كنيست كبار في الائتلاف.
الحرب على قطاع غزة لا علاقة لها بأمن إسرائيل واستقرارها ولا بمستقبلها. على العكس تماما، فهذه الحرب اثبتت هشاشة الأسس التي يتخيل قيادات إسرائيل انها الضامنة لبقائها بينما هي المعجلة في فنائها.
(5)
لماذا لم ينجح قادة إسرائيل في تعلم الدرس من تجربة نحو 75 عاما منذ الاستقلال (نكبة فلسطين)؟ لماذا لم يصل قادة إسرائيل ان انهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية الى جانب دولة إسرائيل هو المخرج من هذا النفق المظلم، وان استمرار إسرائيل في العيش في ظل الحراب سيؤدي الى الفناء؟ البحث في الإجابة على هذا السؤال تأخذ بأيدينا الى ان أحدا من هؤلاء القيادات الصهيونية المتطرفة لا يفكر في مستقبل اليهود وان ادعوا ذلك، وانما يفكرون فقط في مصالحهم. هذا من جهة. اما من الجهة الأخرى، فغياب الصوت الشجاع من دول العالم التي تدعي وصلا بإسرائيل القادر على ان يصرخ في وجه قيادتها بانه لا حل الا بإنهاء الاحتلال واستقلال فلسطين.
استمرار الحرب على غزة من عدمه مثلا، مرتبط بموقف المجتمع الدولي الحاسم من هذا الصراع، وممارسته الضغط على إسرائيل للتعامل المسؤول مع جذور الصراع وليس مع اعراضه! إذا ظل قرار الحرب في يد نتنياهو وقادة الجيش فأخشى ان مصلحتهما تتقاطع بإطالة أمد الحرب! نتنياهو يعرف ان نهاية الحرب تساوي نهايته السياسية، بينما لا يستطيع قادة الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية بأقل من هزيمة كاملة لحماس بعد الفشل الكبير الذي منيت به في 7 أكتوبر، ما قد يؤدي إلى استمرار الحرب لفترة طويلة.
فماذا يتوقع العالم من الفلسطينيين قيادة وفصائل وشعبا ان يفعلوا حيال هذا الوضع؟! الاستسلام! طبعا لن يكون! الحل بيد المجتمع الدولي فقط، فقادة إسرائيل ليسوا العنوان لذلك!
* الرئيس السابق للحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني/1948


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.