الدكتور كريم بلمقدم: الحكومة تفتقد للبوصلة السياسية الكفيلة بإنجاح الأوراش الملكية المؤسسة للدولة الاجتماعية
يسود قطاع الصحة العام صمت ينذر بإمكانية عودة الاحتقان في أي لحظة، وهو الذي توقف في وقت سابق تعبيرا من النقابات عن حسن نيّتها، التي قررت منح الحكومة مهلة زمنية من أجل الجلوس على طاولة الحوار مع رئيسها، ومناقشة الملاحظات التي سجّلتها عقب التوقيع على محضر الاتفاق العام في 26 يناير الفارط. مهلة تبين مع مرور الأيام على أنه تم التعامل معها باستهانة، إذ عوض اعتماد الجدية في أجرأة ما تم الاتفاق عليه، حرصت الحكومة على نهج سياسة الصمت والتأجيل، وفقا لتأكيد الدكتور كريم بلمقدم، الكاتب العام الوطني للنقابة الوطنية للصحة العمومية العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل، الذي شدّد في تصريح ل "الاتحاد الاشتراكي"، على أنه بعد حوالي شهر عن توقيع المحضر الأخير لم تتم دعوة النقابات لأي اجتماع مسؤول، وبالتالي دخل القطاع بمهنييه ومعهم مطالبهم المشروعة، التي شكّلت موضوع ملاحظات النقابات، في خانة التجميد، الأمر الذي لا يمكن القبول به، ويطرح أكثر من علامة استفهام عن أسباب ودواعي هذه الممارسة التي تكشف عن استخفاف بكل الأشواط والخطوات التي تم قطعها من أجل إحلال السلم الاجتماعي، وبهدف المساهمة الجماعية في تنزيل وإنجاح الأوراش الملكية التي تهم المنظومة الصحية. وأكد القيادي النقابي في تصريحه للجريدة، على أن هذا التعامل جعل الشك يدبّ في نفوس كل مهنيي الصحة بمختلف فئاتهم بشأن صدق نوايا الحكومة، وأهدافها في الإصلاح الناجع والشامل للمنظومة الصحية، وتجاوز اختلالاتها البنيوية والحكاماتية والتدبيرية، التي لا يمكن أن تستقيم إلا بجعل العنصر البشري داخل المنظومة الصحية ركيزة كل الإصلاح والنهوض بأوضاعه، خاصة أمام التناقض الصارخ والمفضوح لتعاطي الحكومة مع أولوية القطاع الصحي داخل السياسات العمومية، وغياب التجاوب وتفعيل المحاضر الموقعة، وهو ما يؤشر حسب الدكتور بلمقدم، على فقدان الحكومة للبوصلة السياسية الكفيلة بإنجاح الأوراش الملكية المؤسسة للدولة الاجتماعية. وعلاقة بالموضوع، وجّهت النقابة الوطنية للصحة العمومية رسالة إلى رئيس الحكومة، عبّرت من خلالها عن استنكارها بشدة لما وصفته ب "التعاطي السلبي والاستخفاف وتغييب التجاوب مع مطالب الأطر الصحية بكل فئاتها في التحفيز والنهوض بأوضاعها المادية والاجتماعية والمهنية، التي تعد أحد ركائز القانون الإطار 06.22 للمنظومة الصحية الجديدة، باعتباره ورشا ملكيا مهيكلا". وأكدت النقابة عن "رفضها التام لرهن الاستجابة سواء للمطالب العامة أو الخاصة بالفئات الصحية، بدخول نظامي المجموعة الصحية الترابية والوظيفة الصحية حيز التنفيذ"، مشددة في نفس الوقت على "ضرورة الاستجابة الآنية وتنزيل ما تم التوقيع عليه بمحضري 28 دجنبر 2023 و 26 يناير 2024، في الشقين الاعتباري والمادي، كمدخل لمعالجة المطالب الآنية والمشروعة لعموم مهنيي الصحة". وأبرزت مراسلة النقابة لأخنوش كيف أن القطاع الصحي يعيش على وقع التحولات الكبرى التي تعرفها المنظومة الصحية من خلال الورش الملكي الرامي إلى التأهيل الهيكلي للقطاع ككل، الذي يعتبر المدخل الأساسي لمعالجة الاختلالات البنيوية والحكاماتية، مستحضرة في هذا الصدد، تأكيد التوجيهات الملكية والقانون الإطار 06.22 على الحاجة إلى إعادة الاعتبار للنظام الصحي الوطني، وخلق سياسة للتواصل مع الفاعلين وطرح المشروع الصحي للنقاش، دفاعا عن حقوق العاملين والمنتسبين له، عبر الاعتراف الحقيقي والفعلي بخصوصية القطاع، والحفاظ على الحقوق الشرعية والتاريخية للشغيلة الصحية بكل فئاتها، المهنية منها والاجتماعية التي يضمنها نظام الوظيفة العمومية، وكذا إقرار سياسة تحفيزية للحفاظ على الأطر الصحية بكل فئاتها العاملين بالقطاع والارتقاء بوضعيتهم وتحسين وضعيتهم المادية والاجتماعية والمهنية. وأوضحت النقابة بأنها وقعت بمعية النقابات الصحية على محضر الاتفاق العام مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية يوم 28 دجنبر 2023، بمبادرة وتوجيه من الحكومة على محاور الاتفاق العام الذي يهم تسوية عدد من المطالب ذات الأثر المالي، بالإضافة إلى التأكيد على الحفاظ على الوضعية المهنية السارية لمهنيي الصحة داخل المنظومة الصحية الجديدة، قبل متم شهر يناير، مضيفة أنه بعد جولات متعددة من الحوار الاجتماعي القطاعي وقعت النقابات الثماني الممثلة بالقطاع محضرا جديدا مفصلا مع الوزارة الوصية بتاريخ 26 يناير 2024، فيما أحيلت أربع نقط مطلبية خلافية على رئيس الحكومة للتحكيم، على أساس أن يتم عقد اجتماع تحت إشرافه وبحضوره للحسم فيها وتوقيع محضر نهائي. وأكد فيداليو الصحة من خلال مراسلتهم على أنه من باب المسؤولية، ولإبداء حسن النية، وإيمانا منهم بفضيلة الحوار والسلم الاجتماعي، ولإعطاء الوقت للتفاوض وحل المشاكل العالقة عبر آلية الحوار الاجتماعي المفضي إلى نتائج ملموسة ، فقد قامت النقابة بتعليق برنامجها نضالي التصعيدي لشهر يناير، لكن الرسالة لم يتم التقاطها بشكل إيجابي، وظل القلق مستشريا في جسم الشغيلة الصحية، مما يتطلب وبشكل مستعجل اتخاذ تدابير لوقف هذا الشك بوفاء الحكومة بالتزاماتها عبر ضرورة تجويد عرضها المالي بالزيادة العامة في الأجور، ليستجيب لتطلعات وانتظارات الشغيلة الصحية بكل فئاتها، استحضارا لتضحياتها الجسام وحجم المهام والأخطار المعرّضة لها والمتاعب الملقاة على عاتقها.