القصة الكاملة لخيانة كيليان مبابي لإبراهيم دياز … !    حادثة سير مروعة بطنجة تودي بحياة فتاتين وإصابة شابين    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    إصابة عنصر من القوات المساعدة بحروق خطيرة في حريق سوق بني مكادة بطنجة    المغرب ينجح في توقيف فرنسي من أصل جزائري مبحوث عنه دولياً في قضايا خطيرة    المغرب يعود إلى الساعة القانونية    تذكير للمغاربة: العودة إلى الساعة القانونية    التحولات الهيكلية في المغرب.. تأملات في نماذج التنمية والقضايا الاجتماعية الترابية" محور أشغال الندوة الدولية الثانية    الأسير الإسرائيلي الذي قَبّل رأس مقاتلين من "القسام" من أٌصول مغربية (فيديو)    افتتاح أخنوش رفقة ماكرون للمعرض الدولي للفلاحة بباريس يشعل غضب الجزائر    نهضة بركان يحسم لقب البطولة بنسبة كبيرة بعد 10 سنوات من العمل الجاد    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    مقتل شخص وإصابة عناصر شرطة في "عمل إرهابي إسلامي" في فرنسا    تمارة.. حريق بسبب انفجار شاحن هاتف يودي بحياة خمسة أطفال    الجيش والرجاء يستعدان ل"الكلاسيكو"    التعادل يحسم مباراة آسفي والفتح    اختتام رالي "باندا تروفي الصحراء" بعد مغامرة استثنائية في المغرب    منتخب أقل من 17 سنة يهزم زامبيا    توقيف عميد شرطة متلبس بتسلم رشوة بعد ابتزازه لأحد أطراف قضية زجرية    الملك محمد السادس يهنئ العاهل السعودي    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    انطلاق مبادرة "الحوت بثمن معقول" لتخفيض أسعار السمك في رمضان    توقعات أحوال الطقس ليوم الاحد    أخنوش يتباحث بباريس مع الوزير الأول الفرنسي    تجار سوق بني مكادة يواجهون خسائر كبيرة بعد حريق مدمر    المغرب بين تحد التحالفات المعادية و التوازنات الاستراتيجية في إفريقيا    السينما المغربية تتألق في مهرجان دبلن السينمائي الدولي 2025    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومميزة في مكافحة الإرهاب    الرئيس الفرنسي يعرب عن "بالغ سعادته وفخره" باستضافة المغرب كضيف شرف في معرض الفلاحة بباريس    عجز الميزانية قارب 7 ملايير درهم خلال يناير 2025    "البيجيدي" مستاء من قرار الباشا بمنع لقاء تواصلي للحزب بالرشيدية    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    مساءلة رئيس الحكومة أمام البرلمان حول الارتفاع الكبير للأسعار وتدهور الوضع المعيشي    "الصاكات" تقرر وقف بيع منتجات الشركة المغربية للتبغ لمدة 15 يوما    مشروع قرار أمريكي من 65 كلمة فقط في الأمم المتحدة يدعو لإنهاء الحرب في أوكرانيا دون الإشارة لوحدة أراضيها    رئيسة المؤسسة البرازيلية للبحث الزراعي: تعاون المغرب والبرازيل "واعد" لتعزيز الأمن الغذائي    في حضور أخنوش والرئيس الفرنسي.. المغرب ضيف شرف في المعرض الدولي للفلاحة بباريس    رفض استئناف ريال مدريد ضد عقوبة بيلينغهام    بين العربية والأمازيغية: سعيدة شرف تقدم 'الواد الواد' بحلة جديدة    إحباط تهريب مفرقعات وشهب نارية وتوقيف شخص في ميناء طنجة المتوسط    الكوكب المراكشي يبحث عن تعزيز موقعه في الصدارة عبر بوابة خريبكة ورجاء بني ملال يتربص به    متابعة الرابور "حليوة" في حالة سراح    استثمار "بوينغ" يتسع في المغرب    السحب تحبط تعامد أشعة الشمس على وجه رمسيس الثاني    تحقيق في رومانيا بعد اعتداء عنيف على طالب مغربي وصديقته    الصين تطلق أول نموذج كبير للذكاء الاصطناعي مخصص للأمراض النادرة    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    دراسة: هذه أفضل 4 أطعمة لأمعائك ودماغك    رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صحفي بريطاني: اقتلاع حماس مستحيل مهما امتلكت إسرائيل من قوة

خلال الأشهر الثلاثة من هجوم إسرائيل على غزة قُتل ما يقرب من 25 ألف فلسطيني وجُرح ما يقرب من 60 ألفاً، 70 بالمائة منهم من النساء والأطفال وما يقرب من 80 بالمائة من السكان في غزة أجبروا على النزوح.
كان معدل القتل خلال تلك الفترة أعلى مما شهدته معظم الحروب التي شهدتها المعمورة في هذا القرن، حيث إنه وصل في بعض الأوقات إلى ما يزيد على الألفين من الوفيات في الأسبوع الواحد، ولم تسلم من القصف الجوي عربات الإسعاف ولا المخابز ولا مدارس الأمم المتحدة التي تحولت إلى ملاجئ للنازحين.
قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد على ال150 من موظفي الأمم المتحدة، بينما تحولت المنظمات الخيرية الدولية إلى مجرد وكالات مهمتها تدوين أعداد الأطراف التي تبتر في كل يوم. وإذ يصر المسؤولون الإسرائيليون على الاستمرار في النفي السخيف لوجود أي نوع من الأزمات الإنسانية، فقد تحولت معظم المراكز الحضرية في غزة إلى ساحات بركانية من الأكوام الرمادية والسوداء غير المتساوية.
شاعت الرغبة داخل إسرائيل في الانتقام للهجوم الذي وقع يوم السابع من أكتوبر. إلا أن الجيش الإسرائيلي كان بكل وضوح يعلم أقل بكثير مما كان يعتقد بذلك الذي يجري داخل قطاع غزة.
وإذا كانت إسرائيل قد أخفقت في توقع هجوم تم الإعداد له بتخطيط دقيق وعلى مثل هذا المستوى الضخم، فأنى لها أن تقوم الآن بتنفيذ عملية عسكرية متناسقة؟ لسوف يكون من سابع المستحيلات اقتلاع حماس أو تدميرها كمنظمة، حتى لو كان لإسرائيل اختراق استخباراتي واطلاع جيد على الأمور داخل القطاع.
لقد شبه المسؤولون والسفراء الإسرائيليون أنفسهم الحملة الجوية على غزة بالقصف الذي تعرضت له مدينة دريزدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية. ورغم حجم القتل المهول، إلا أن التدمير المنتظم للبنى التحتية المدنية فاق التصور.
وتطلبت الحرب نشر ما لا يقل عن 360 ألفاً من عناصر الاحتياط، أي ما يقرب من أربعة بالمائة من سكان «إسرائيل».
من الهرمية السياسية والعسكرية نزولاً إلى أدنى الرتب الفردية، بدا أن طبيعة العمليات كانت محل قبول منذ اللحظة الأولى، ألا وهي أنه سوف يتم تدمير غزة وسوف يرفرف العلم الإسرائيلي فوق أطلالها.
لعل هذا ما يفسر انهماك الجنود الإسرائيليين في تسجيل سيل منهمر من مقاطع الفيديو التي وثقوا من خلالها إخراج الفلسطينيين عنوة من ديارهم، ودونوا احتفالهم بذلك، وكما عبرت عن ذلك القناة 13 الإسرائيلية، (لسوف تحتفل القوات الإسرائيلية بعيد الحانوكا (مهرجان النور) في ميدان فلسطين).
وبدأت الحرب بشن حملة من القصف الاستراتيجي، على مدى أسابيع، لم يكد يسلم منها متر مربع واحد. وتم استهداف المباني السكنية التي يعتقد بأنها كانت تحتوي شققاً تعود لأعضاء في حركة حماس دونما أي اعتبار لعدد من قد يقتلون خلال العملية.
بل وفي بعض الحالات قتل المئات من المدنيين أثناء محاولة إسرائيل استهداف شخصية واحدة من شخصيات حركة حماس. ولكن، بحسب ما يقوله الصحفي الاستقصائي الإسرائيلي يوفال أبراهام – والذي يعرف بمصادره الجيدة داخل التسلسل القيادي في الجيش وأجهزة المخابرات، كان جل حملة القصف الجوي يستهدف غزة بأسرها، وليس حماس فقط كما تدعي إسرائيل باستمرار.
وطبقاً لمصادر أبراهام فإن معظم الضربات الجوية كانت تستهدف بكل وضوح أهدافاً مدنية، وكانت «الغاية منها إلحاق الأذى بالمجتمع المدني الفلسطيني»، لدرجة أن روبرت بابه، الخبير السياسي الأمريكي، وصف ذلك في شهر كانون الأول/ ديسمبر، بأنه «واحد من أشد حملات العقاب التي تشن على المدنيين في التاريخ».
ما يفعله القصف الاستراتيجي بأي مدينة هو اللجوء إلى الأساليب العسكرية من أجل إحداث دمار هائل في المراكز الحضرية شبيه بذلك الذي أحدثه زلزال العام الماضي في تركيا وسوريا: أنابيب وأسلاك مشوهة، عقد ملتوية من القضبان الحديدية والخرسانة المقطعة، منازل مقسومة إلى شطرين، انكشفت أساساتها كما لو كانت أعجاز نخل خاوية.
بشكل ما، يبدو الركام كما لو كان أكبر بكثير من الكتلة الكلية للمباني الأصلية، من ذا الذي يملك إزاحة كل ذلك؟ وأين عساه يذهب به؟ وكيف لآليات الحفر والجرف أن تميز بين الحطام والعظام؟
كانت استراتيجية إسرائيل على الأرض تتمثل في البدء بإحكام طوق على أطلال مدينة غزة، فدخلت القوات الإسرائيلية إلى القسم الشمالي من غزة ما بين بيت حانون والبحر وقطعت خط الانسحاب إلى الشمال تماماً بمحاذاة وادي غزة قبل أن تقوم بوصل المواقع بعضها ببعض على امتداد البحر.
وبعد الهدنة المؤقتة التي استمرت لمدة أسبوع في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، بدأت العمليات البرية في المناطق التي تلي ذلك جنوباً. وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) توجهت القوات الإسرائيلية نحو خان يونس، دافعة بمعظم السكان باتجاه رفح وشريط ضيق من الأرض على امتداد الحدود مع مصر. لا يسمح إلا لعدد ضئيل جداً من الناس بالعبور، ولذلك بقي سكان غزة محشورين بطريقة يندر أن يتعرض لها أحد، بما في ذلك حتى من يعلقون في مناطق الحروب.
إن القتال بين أكوام الركام أصعب بكثير من القتال في شوارع لم تصب بأضرار. واستخدم الجيش الإسرائيلي مسيرات كوادكوبتر صينية، مثل تلك التي من طراز DJI Mariv 3، حتى يصل إلى داخل المباني المقصوفة قبل أن يعطي جنوده الضوء الأخضر بدخولها. ينبغي على جنوده وهم يفعلون ذلك حماية أنفسهم من العبوات الناسفة ونيران البنادق التي تستهدفهم عبر الثقوب الموجودة في المباني، والتي غدت تستخدم كمتاريس.
يقوم أفراد سلاح الهندسة بتنفيذ عمليات هدم وتفجير لمناطق بأسرها. وأثناء الهجوم على خان يونس نشر الجيش الإسرائيلي كتيبة محمولة جواً بكاملها داخل وحول المدينة بالإضافة إلى الكتائب المسلحة الثلاث التي كانت ما تزال تعمل داخل مدينة غزة. إلا أن كتاب عز الدين القسام التابعة لحماس، وعناصر الجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى وغيرها من المجموعات الفلسطينية المسلحة، تصدت للإسرائيليين بالمقاومة.
قبل أن تتولى حماس إدارة قطاع غزة في عام 2006، طورت كتائب القسام التابعة لها نسخة مصنعة محلياً من المدفع السوفياتي المحمول على الكتف (آر بي جي – 2)، والذي أطلقوا عليه اسم الياسين (على اسم الشيخ أحمد ياسين، أحد مؤسسي حركة حماس). ظن المحللون العسكريون الإسرائيليون أن هذا السلاح لن يكون فعالاً ضد دباباتهم وعرباتهم المصفحة الثقيلة. وذلك أن دبابات ميركافا مزودة بنظام حماية (يسمى تروفي)، صمم لحمايتها من الأسلحة المضادة للدبابات.
وفعلاً، خلال هجومي عام 2014 وعام 2021 على غزة، نجح نظام تروفي، ولكن ثمة أدلة على أن مقاتلي القسام هذه المرة تمكنوا من الاقتراب من الدبابات على الأقدام ووضعوا الذخيرة تحت أنظمة الحماية الفعالة لإبطالها وتعطيلها قبل إطلاق قذائف آر بي جي عليها.
واستخدم مسلحو غزة بنادق مصنعة محلياً باستخدام معدات الخراطة والأدوات الصناعية البسيطة. منذ الثالث والعشرين من يناير (كانون الثاني) فقدت إسرائيل في غزة 217 جندياً، بعضهم أثناء خوضهم معارك قتالية مع المليشيات الفلسطينية (مثل الواحد والعشرين جندياً احتياطياً الذين قتلوا في الثاني والعشرين من يناير)، والذين ماتوا بسبب عبوات انفجرت قبل الأوان، كانوا قد زروعها هم أنفسهم.
يتعرض الرجال والأولاد الفلسطينيون، ممن تتراوح أعمارهم ما بين اثني عشرة وسبعين سنة، للتعرية، والتكبيل، وعصب العيون، ثم يحملون في شاحنات تنقلهم إلى مقرات التحقيق. وبعضهم تدون أرقام على أذرعهم.
ولقد تم نقل المئات ممن اعتقلوا داخل غزة إلى سجن كيتزيوت الصحراوي، بالقرب من الحدود مع مصر، ولربما تم نقل آخرين إلى القواعد العسكرية المجاورة. بعض الرجال الذين اعتقلوا في بيت لاهيا تمت تعريتهم ثم نقلوا إلى معسكرات مسيجة، وبقوا هناك أياماً وهم في الأصفاد، حيث تعرضوا للضرب والتعذيب. وهناك من اختفوا تماماً ولا يعرف لهم مكان. فيما بعد قال الجيش الإسرائيلي إن ما بين خمسة وثمانين بالمائة وتسعين بالمائة من المعتقلين كانوا مدنيين.
وقامت القوات الإسرائيلية مراراً بمداهمة مدارس الأمم المتحدة لاعتقال أي رجال يتواجدون داخلها. ولقد وثق مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة حادثة وقعت يوم التاسع عشر من ديسمبر (كانون الأول) حينما حاصر الجيش الإسرائيلي ثم داهم بناية في حي الرمال داخل مدينة غزة. جاء فيما وثقه المكتب التالي: «تم الزعم بأن الجيش الإسرائيلي فصل الرجال عن النساء والأطفال، ثم أطلق النار على ما لا يقل عن أحد عشر رجلاً وقتلهم، وجلهم تتراوح أعمارهم ما بين أواخر العشرينيات ومطلع الثلاثينيات، وفعل ذلك على مرأى ومسمع من أفراد عائلاتهم.»
منذ البداية، كانت عملية السيوف الحديدية هجوماً شاملاً على سكان أغلبيتهم العظمى من المدنيين الذين يعيشون رهن الحصار.
لا تمت أساليب إسرائيل بكثير من العلاقة إلى مذهب مكافحة التمرد المتعارف عليه، أو إلى قواعد الاشتباك. ولذلك تعتبر الحرب على غزة في جوهرها عملية انتقامية: فعل من أفعال العقاب الجماعي، الذي مثله مثل جميع الإجراءات العقابية، يغفل التساؤل عما إذا كان ذلك ناجعاً أم لا.
حقيقة أن العقاب في حد ذاته كثيراً ما يكون هو الغاية النهائية. إلا أن تنفيذ الحرب له صفة عربدية. الاحتفالات بالقتل من قبل الزعماء السياسيين الإسرائيليين، المخططات الخيالية لإزاحة الفلسطينيين وإخراجهم إلى سيناء أو إلى أوروبا أو إلى الكونغو، والشخصيات العامة التي توقع اسماءها على القنابل التي سوف يقصف بها ما تبقى من غزة، والتسجيلات التي يقوم بها الجنود الإسرائيليون بكل سعادة وابتهاج – كل ذلك يجمع ما بين الحقد والنشوة.
قد نرغب في مقارنة الحرب الحالية مع العمليات الإسرائيلية ضد غزة في حروب 2008-2009، 2012، 2014 و 2021.
ولكن الأكثر فائدة من حيث المعلومات هو مقارنة عملية السيوف الحديدية الأكبر بكثير مع طوفان الأقصى، الهجوم الذي قادته حماس على عدة جبهات يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول). خلال دقائق من اختراقهم لحاجز غزة (وذلك ليس بحدود)، وجد المسلحون أنفسهم وجهاً لوجه أمام نسخة إسرائيلية من مهرجان النشوة البرازيلي، الذي كان قائماً بالقرب من رعيم. مباشرة تقريباً تحول ذلك إلى مجزرة، حيث قتل المئات من المشاركين في المهرجان بينما أخذ آخرون رهائن.
داخل الكيبوتسات استهدف المقاتلون قوات الرد السريع المحلية (في نير يتسحاق قتلوا ما يقرب من خمسة رجال مسلحين)، بالإضافة إلى مدنيين إسرائيليين وعمال مزارع من جنوب شرق آسيا.
يوصف طوفان الأقصى في العادة بأنه هجوم لحماس، يكاد يكون من المؤكد تقريباً أن التخطيط له والأمر به كان من قبل يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة، وكذلك من قبل قائد كتائب القسام محمد الضيف.
ولكنه كان أيضاً عملاً تعاونياً شاركت فيه مختلف المليشيات الموجودة داخل غزة، حيث ساندت كتائب أبو علي مصطفى كتائب القسام والجهاد الإسلامي الفلسطيني.
فيما بعد انضمت إلى هؤلاء المقاتلين عناصر غير نظامية من غزة، والنتيجة أن فرق هجومية نظمتها كتائب القسام، على درجة عالية من الانضباط العسكري والعنف النموذجي كانت ترافقها مجموعات من المقاتلين غير المدربين والذين ينقصهم ما يتميز به مقاتلو القسام من انضباط وعنف.
بالمجمل، قتل ما يقرب من 800 مدني إسرائيلي، بما في ذلك 36 طفلاً، و370 من أفراد الجيش وعناصر الأمن (عدد قليل منهم قتلوا نتيجة لمحاولات الجيش الإسرائيلي فرض السيطرة على المنطقة). مائتان وخمسون آخرون أخذوا رهائن، ما يقرب من نصف عدد القتلى المدنيين كانوا من رواد المهرجان.
كان صادماً حجم الهجوم الذي شنته حماس، بما تضمنه من عدد كبير من القتلى في يوم واحد. منذ ذلك اليوم، قتلت إسرائيل ما لا يقل عدده عن عشرين ضعفاً وأكثر من مائتي ضعف من الأطفال.
كما قامت بشكل منتظم بمهاجمة المرافق الصحية في غزة، رغم أنه بموجب القانون الدولي لا يجوز إلا في حالات استثنائية جداً القيام بمثل هذه الأعمال.
في منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول)، انشغلت وسائل الإعلام الدولية لبعض الوقت في الجدل حول ما إذا كانت إسرائيل مسؤولة عن الضربة التي استهدفت ساحة مستشفى الهلال.
ولكن لم يكن ذلك هو المستشفى الأول الذي يتعرض للهجوم. جميع المستشفيات في شمال غزة تقريباً – المستشفى الإندونيسي، مستشفى العودة، مستشفى الرنتيسي، مستشفى الشفاء، مستشفى القدس، مستشفى الأهلي، ومستشفى الصداقة التركية الفلسطينية، ومستشفى الوفاء – تعرضت للقصف والحصار أو الاحتلال من قبل القوات الإسرائيلية. ومعظمها أخرج عن الخدمة بنهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني).
في الثالث والعشرين من نوفمبر اعتقل مدير مستشفى الشفاء محمد أبو سلمية، ولا يزال رهن الاعتقال (كان يفترض حينها أن مستشفى الشفاء هو مقر قيادة حماس ومركز التحكم). تم احتلال مستشفى الهلال من قبل الجيش الإسرائيلي الذي ما لبث أن أغلقه يوم الثامن عشر من ديسمبر (كانون الأول).
وفي منتصف شهر ديسمبر، حاصرت القوات الإسرائيلية وقصفت مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، رغم علمهم بأنه كان يغص بالمرضى. ثم دخلوا المبنى واعتقلوا أكثر من ألف فلسطيني، بما في ذلك الكوادر الطبية العاملة داخل المستشفى، ونقلوا في شاحنات ما يقرب من سبعين منهم إلى موقع مجهول. ولقد وثقت منظمة الصحة العالمية 240 هجوماً على المرافق الطبية.
في البداية منعت القوات الإسرائيلية جميع المساعدات من دخول قطاع غزة، وفي نفس الوقت قطعت إمدادات الوقود والمياه والكهرباء والطعام. بحسب تقديرات الأمم المتحدة، ما يقرب من ربع السكان يعانون من مجاعة كارثية – 80 بالمائة من مجموع الناس حول العالم الذين يصنفون حالياً ضمن هذه الحالة.
لدى غزة أعلى نسبة مئوية من الناس الذين يواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي يتم تسجيله حتى الآن. كان يمكن بكل سهولة رفع الحصار البحري للسماح بشحن المساعدات إلى القطاع. مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات والأغذية تنتظر في مصر، ولكنها فعلياً تمنع من الدخول.
خلال الشهرين الأولين من حربها، طالبت إسرائيل بنقل النزر اليسير من المساعدات التي ترسل من مصر عبر طريق طابا رفح حتى تخضع للفحص من قبل المسؤولين الإسرائيليين في نيتزانا قبل أن تعود وتنقل ثانية إلى معبر رفح من أجل أن تدخل من هناك إلى قطاع غزة.
أما الآن، فيمكن أن تجرى عملية الفحص في معبر كرم سالم، ولكن الشاحنات مازالت تخضع للتدقيق والفحص يدوياً نزولاً عن رغبة الجيش الإسرائيلي (وذات مرة تم رفض حمالات الإسعاف). قبل أن تتمكن من الدخول إلى غزة، يجب على الشاحنات أن تفرغ بالكامل من أجل الخضوع للفحص والتدقيق، ثم يعاد تحميلها تارة أخرى، مما يتسبب بتأخيرات طويلة جداً. كان بإمكان إسرائيل السماح للمساعدات بالعبور إلى داخل غزة من منطقتها هي في أي وقت، ولكنها اختارت ألا يكون ذلك.
خلصت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية ييتسيلم إلى أن التجويع الجماعي للناس في غزة «لم يكن ناجماً عن الحرب وإنما كان نتيجة مباشرة لسياسة إسرائيل المعلنة …. إن السماح بدخول الغذاء إلى قطاع غزة ليس عملاً من أعمال الشفقة وإنما هو واجب ملزم بموجب القانون الإنساني الدولي. يمثل رفض الانصياع لهذا الواجب جريمة من جرائم الحرب».
عن «صحيفة لندن ريفيو»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.