مالي تحتج على إسقاط "طائرة مسيرة" بتحرك عدائي للجيش الجزائري    تفاعلا مع الورش الملكي لإصلاح المنظومة الصحية.. مهنيو الصحة 'الأحرار' يناقشون مواكبتهم لإصلاح القطاع    النظام الجزائري.. تحولات السياسة الروسية من حليف إلى خصم في مواجهة الساحل الإفريقي    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة.. نبيل باها: من أجل التتويج باللقب لابد من بذل مجهودات أكثر    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة (ربع النهائي).. المنتخب المغربي يواجه نظيره الجنوب الإفريقي يوم الخميس المقبل    روعة مركب الامير مولاي عبد الله بالرباط …    توقيف إفريقيين مقيمان بدول أوروبية بمطار طنجة لحيازتهما ل46 كيلوغرام من المخدرات    ولد الرشيد: المغرب يدافع "بكل حزم" عن احترام الوحدة الترابية للدول    أمم إفريقيا : منتخب U17 يضرب موعدا مع جنوب إفريقيا في ربع النهائي بعد فوزه على تنزانيا    خريبكة تلاقي تطوان بكأس العرش    تحطم طائرة مسيّرة تابعة للجيش المالي.. التحقيقات تكشف إسقاطها بهجوم صاروخي من الجيش الجزائري    توقيف شخص بإنزكان بشبهة السكر العلني البين وإلحاق خسائر مادية بممتلكات الغير    الذكاء الاصطناعي في الصفوف الأمامية خلال المؤتمر 23 لجمعية مكافحة الأمراض المعدية    عطاف يستقبل دي ميستورا بالجزائر    الإيطالي 'لوتشيانو دارديري' يتوج بلقب النسخة 39 من جائزة الحسن الثاني الكبرى للتنس    عودة حركة الملاحة إلى طبيعتها بين طنجة وطريفة بعد تحسن الأحوال الجوية    رولينغ ستونز إفريقيا في قلب صحراء امحاميد الغزلان    عشرات آلاف المغاربة يتظاهرون في الرباط "ضد الإبادة والتجويع" في غزة    وقفة تضامنية حاشدة في الحسيمة نصرة لفل سطين وتنديداً بالعدوان على غ زة    وزير الخارجية الفرنسي يعلن الاتفاق على بناء "شراكة هادئة" مع الجزائر    بيانات: المغرب ثاني أكبر مستورد للقمح الطري من الاتحاد الأوروبي    العربية للطيران تطلق خطا جويا جديدا بين الناظور ومورسيا    بعد انخفاض أسعار المحروقات وطنياً.. هذا هو ثمن البيع بمحطات الوقود في الحسيمة    آلاف المعتمرين المغاربة عالقون في السعودية    جدل الساعة الإضافية : كلفة نفسية على حساب اقتصاد طاقي غير مبرر    "أساتذة الزنزانة 10" يعلنون الإضراب    تأجيل تجمع "مواليد 2000 فما فوق"    الوكالة الوطنية للمياه والغابات تواجه رفضا واسعا للتعديلات القانونية الجديدة    بوزنيقة: المكتب الوطني المغربي للسياحة: افتتاح أشغال مؤتمر Welcom' Travel Group'    المغرب يحدد منحة استيراد القمح    الرصاص يوقف هائجا ويشل حركة كلبه    توقيف مروجين للمخدرات الصلبة بحي الوفاء بالعرائش    لوبن تدين "تسييس القضاء" بفرنسا    لاف دياز: حكومات الجنوب تستبعد القضايا الثقافية من قائمة الأولويات    وزان تحتضن الدورة الأولي لمهرجان ربيع وزان السينمائي الدولي    الجسد في الثقافة الغربية 11- الجسد: لغة تتحدثنا    الذكاء الاصطناعي.. سوق عملاق يُهدد العدالة الرقمية    سجل عشاق الراكليت يحطم رقمًا قياسيًا في مدينة مارتيني السويسرية    دش الأنف يخفف أعراض التهاب الأنف التحسسي ويعزز التنفس    "قافلة أعصاب" تحل بالقصر الكبير    أوبك بلس تؤكد عدم إجراء أي تغيير على سياسة إنتاج النفط    الرباط تصدح بصوت الشعب: لا للتطبيع..نعم لفلسطين    السفارة الأمريكية توجه تحذيرا لرعاياها بالمغرب    لسعد الشابي: الثقة الزائدة وراء إقصاء الرجاء من كأس العرش    أمن طنجة يوقف أربعينيا روج لعمليات اختطاف فتيات وهمية    توضيحات تنفي ادعاءات فرنسا وبلجيكا الموجهة للمغرب..    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    ترامب يدعو لخفض أسعار الفائدة: الفرصة المثالية لإثبات الجدارة    المغرب يتوعد بالرد الحازم عقب إحباط محاولة إرهابية في المنطقة العازلة    طنجة .. وفد شبابي إماراتي يطلع على تجربة المغرب في تدبير قطاعي الثقافة والشباب    دعم الدورة 30 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط ب 130 مليون سنتيم    بحضور عائلتها.. دنيا بطمة تعانق جمهورها في سهرة "العودة" بالدار البيضاء    الوديع يقدم "ميموزا سيرة ناج من القرن العشرين".. الوطن ليس فندقا    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صحفي بريطاني: اقتلاع حماس مستحيل مهما امتلكت إسرائيل من قوة

خلال الأشهر الثلاثة من هجوم إسرائيل على غزة قُتل ما يقرب من 25 ألف فلسطيني وجُرح ما يقرب من 60 ألفاً، 70 بالمائة منهم من النساء والأطفال وما يقرب من 80 بالمائة من السكان في غزة أجبروا على النزوح.
كان معدل القتل خلال تلك الفترة أعلى مما شهدته معظم الحروب التي شهدتها المعمورة في هذا القرن، حيث إنه وصل في بعض الأوقات إلى ما يزيد على الألفين من الوفيات في الأسبوع الواحد، ولم تسلم من القصف الجوي عربات الإسعاف ولا المخابز ولا مدارس الأمم المتحدة التي تحولت إلى ملاجئ للنازحين.
قتلت القوات الإسرائيلية ما يزيد على ال150 من موظفي الأمم المتحدة، بينما تحولت المنظمات الخيرية الدولية إلى مجرد وكالات مهمتها تدوين أعداد الأطراف التي تبتر في كل يوم. وإذ يصر المسؤولون الإسرائيليون على الاستمرار في النفي السخيف لوجود أي نوع من الأزمات الإنسانية، فقد تحولت معظم المراكز الحضرية في غزة إلى ساحات بركانية من الأكوام الرمادية والسوداء غير المتساوية.
شاعت الرغبة داخل إسرائيل في الانتقام للهجوم الذي وقع يوم السابع من أكتوبر. إلا أن الجيش الإسرائيلي كان بكل وضوح يعلم أقل بكثير مما كان يعتقد بذلك الذي يجري داخل قطاع غزة.
وإذا كانت إسرائيل قد أخفقت في توقع هجوم تم الإعداد له بتخطيط دقيق وعلى مثل هذا المستوى الضخم، فأنى لها أن تقوم الآن بتنفيذ عملية عسكرية متناسقة؟ لسوف يكون من سابع المستحيلات اقتلاع حماس أو تدميرها كمنظمة، حتى لو كان لإسرائيل اختراق استخباراتي واطلاع جيد على الأمور داخل القطاع.
لقد شبه المسؤولون والسفراء الإسرائيليون أنفسهم الحملة الجوية على غزة بالقصف الذي تعرضت له مدينة دريزدن الألمانية في الحرب العالمية الثانية. ورغم حجم القتل المهول، إلا أن التدمير المنتظم للبنى التحتية المدنية فاق التصور.
وتطلبت الحرب نشر ما لا يقل عن 360 ألفاً من عناصر الاحتياط، أي ما يقرب من أربعة بالمائة من سكان «إسرائيل».
من الهرمية السياسية والعسكرية نزولاً إلى أدنى الرتب الفردية، بدا أن طبيعة العمليات كانت محل قبول منذ اللحظة الأولى، ألا وهي أنه سوف يتم تدمير غزة وسوف يرفرف العلم الإسرائيلي فوق أطلالها.
لعل هذا ما يفسر انهماك الجنود الإسرائيليين في تسجيل سيل منهمر من مقاطع الفيديو التي وثقوا من خلالها إخراج الفلسطينيين عنوة من ديارهم، ودونوا احتفالهم بذلك، وكما عبرت عن ذلك القناة 13 الإسرائيلية، (لسوف تحتفل القوات الإسرائيلية بعيد الحانوكا (مهرجان النور) في ميدان فلسطين).
وبدأت الحرب بشن حملة من القصف الاستراتيجي، على مدى أسابيع، لم يكد يسلم منها متر مربع واحد. وتم استهداف المباني السكنية التي يعتقد بأنها كانت تحتوي شققاً تعود لأعضاء في حركة حماس دونما أي اعتبار لعدد من قد يقتلون خلال العملية.
بل وفي بعض الحالات قتل المئات من المدنيين أثناء محاولة إسرائيل استهداف شخصية واحدة من شخصيات حركة حماس. ولكن، بحسب ما يقوله الصحفي الاستقصائي الإسرائيلي يوفال أبراهام – والذي يعرف بمصادره الجيدة داخل التسلسل القيادي في الجيش وأجهزة المخابرات، كان جل حملة القصف الجوي يستهدف غزة بأسرها، وليس حماس فقط كما تدعي إسرائيل باستمرار.
وطبقاً لمصادر أبراهام فإن معظم الضربات الجوية كانت تستهدف بكل وضوح أهدافاً مدنية، وكانت «الغاية منها إلحاق الأذى بالمجتمع المدني الفلسطيني»، لدرجة أن روبرت بابه، الخبير السياسي الأمريكي، وصف ذلك في شهر كانون الأول/ ديسمبر، بأنه «واحد من أشد حملات العقاب التي تشن على المدنيين في التاريخ».
ما يفعله القصف الاستراتيجي بأي مدينة هو اللجوء إلى الأساليب العسكرية من أجل إحداث دمار هائل في المراكز الحضرية شبيه بذلك الذي أحدثه زلزال العام الماضي في تركيا وسوريا: أنابيب وأسلاك مشوهة، عقد ملتوية من القضبان الحديدية والخرسانة المقطعة، منازل مقسومة إلى شطرين، انكشفت أساساتها كما لو كانت أعجاز نخل خاوية.
بشكل ما، يبدو الركام كما لو كان أكبر بكثير من الكتلة الكلية للمباني الأصلية، من ذا الذي يملك إزاحة كل ذلك؟ وأين عساه يذهب به؟ وكيف لآليات الحفر والجرف أن تميز بين الحطام والعظام؟
كانت استراتيجية إسرائيل على الأرض تتمثل في البدء بإحكام طوق على أطلال مدينة غزة، فدخلت القوات الإسرائيلية إلى القسم الشمالي من غزة ما بين بيت حانون والبحر وقطعت خط الانسحاب إلى الشمال تماماً بمحاذاة وادي غزة قبل أن تقوم بوصل المواقع بعضها ببعض على امتداد البحر.
وبعد الهدنة المؤقتة التي استمرت لمدة أسبوع في شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، بدأت العمليات البرية في المناطق التي تلي ذلك جنوباً. وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) توجهت القوات الإسرائيلية نحو خان يونس، دافعة بمعظم السكان باتجاه رفح وشريط ضيق من الأرض على امتداد الحدود مع مصر. لا يسمح إلا لعدد ضئيل جداً من الناس بالعبور، ولذلك بقي سكان غزة محشورين بطريقة يندر أن يتعرض لها أحد، بما في ذلك حتى من يعلقون في مناطق الحروب.
إن القتال بين أكوام الركام أصعب بكثير من القتال في شوارع لم تصب بأضرار. واستخدم الجيش الإسرائيلي مسيرات كوادكوبتر صينية، مثل تلك التي من طراز DJI Mariv 3، حتى يصل إلى داخل المباني المقصوفة قبل أن يعطي جنوده الضوء الأخضر بدخولها. ينبغي على جنوده وهم يفعلون ذلك حماية أنفسهم من العبوات الناسفة ونيران البنادق التي تستهدفهم عبر الثقوب الموجودة في المباني، والتي غدت تستخدم كمتاريس.
يقوم أفراد سلاح الهندسة بتنفيذ عمليات هدم وتفجير لمناطق بأسرها. وأثناء الهجوم على خان يونس نشر الجيش الإسرائيلي كتيبة محمولة جواً بكاملها داخل وحول المدينة بالإضافة إلى الكتائب المسلحة الثلاث التي كانت ما تزال تعمل داخل مدينة غزة. إلا أن كتاب عز الدين القسام التابعة لحماس، وعناصر الجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى وغيرها من المجموعات الفلسطينية المسلحة، تصدت للإسرائيليين بالمقاومة.
قبل أن تتولى حماس إدارة قطاع غزة في عام 2006، طورت كتائب القسام التابعة لها نسخة مصنعة محلياً من المدفع السوفياتي المحمول على الكتف (آر بي جي – 2)، والذي أطلقوا عليه اسم الياسين (على اسم الشيخ أحمد ياسين، أحد مؤسسي حركة حماس). ظن المحللون العسكريون الإسرائيليون أن هذا السلاح لن يكون فعالاً ضد دباباتهم وعرباتهم المصفحة الثقيلة. وذلك أن دبابات ميركافا مزودة بنظام حماية (يسمى تروفي)، صمم لحمايتها من الأسلحة المضادة للدبابات.
وفعلاً، خلال هجومي عام 2014 وعام 2021 على غزة، نجح نظام تروفي، ولكن ثمة أدلة على أن مقاتلي القسام هذه المرة تمكنوا من الاقتراب من الدبابات على الأقدام ووضعوا الذخيرة تحت أنظمة الحماية الفعالة لإبطالها وتعطيلها قبل إطلاق قذائف آر بي جي عليها.
واستخدم مسلحو غزة بنادق مصنعة محلياً باستخدام معدات الخراطة والأدوات الصناعية البسيطة. منذ الثالث والعشرين من يناير (كانون الثاني) فقدت إسرائيل في غزة 217 جندياً، بعضهم أثناء خوضهم معارك قتالية مع المليشيات الفلسطينية (مثل الواحد والعشرين جندياً احتياطياً الذين قتلوا في الثاني والعشرين من يناير)، والذين ماتوا بسبب عبوات انفجرت قبل الأوان، كانوا قد زروعها هم أنفسهم.
يتعرض الرجال والأولاد الفلسطينيون، ممن تتراوح أعمارهم ما بين اثني عشرة وسبعين سنة، للتعرية، والتكبيل، وعصب العيون، ثم يحملون في شاحنات تنقلهم إلى مقرات التحقيق. وبعضهم تدون أرقام على أذرعهم.
ولقد تم نقل المئات ممن اعتقلوا داخل غزة إلى سجن كيتزيوت الصحراوي، بالقرب من الحدود مع مصر، ولربما تم نقل آخرين إلى القواعد العسكرية المجاورة. بعض الرجال الذين اعتقلوا في بيت لاهيا تمت تعريتهم ثم نقلوا إلى معسكرات مسيجة، وبقوا هناك أياماً وهم في الأصفاد، حيث تعرضوا للضرب والتعذيب. وهناك من اختفوا تماماً ولا يعرف لهم مكان. فيما بعد قال الجيش الإسرائيلي إن ما بين خمسة وثمانين بالمائة وتسعين بالمائة من المعتقلين كانوا مدنيين.
وقامت القوات الإسرائيلية مراراً بمداهمة مدارس الأمم المتحدة لاعتقال أي رجال يتواجدون داخلها. ولقد وثق مكتب المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة حادثة وقعت يوم التاسع عشر من ديسمبر (كانون الأول) حينما حاصر الجيش الإسرائيلي ثم داهم بناية في حي الرمال داخل مدينة غزة. جاء فيما وثقه المكتب التالي: «تم الزعم بأن الجيش الإسرائيلي فصل الرجال عن النساء والأطفال، ثم أطلق النار على ما لا يقل عن أحد عشر رجلاً وقتلهم، وجلهم تتراوح أعمارهم ما بين أواخر العشرينيات ومطلع الثلاثينيات، وفعل ذلك على مرأى ومسمع من أفراد عائلاتهم.»
منذ البداية، كانت عملية السيوف الحديدية هجوماً شاملاً على سكان أغلبيتهم العظمى من المدنيين الذين يعيشون رهن الحصار.
لا تمت أساليب إسرائيل بكثير من العلاقة إلى مذهب مكافحة التمرد المتعارف عليه، أو إلى قواعد الاشتباك. ولذلك تعتبر الحرب على غزة في جوهرها عملية انتقامية: فعل من أفعال العقاب الجماعي، الذي مثله مثل جميع الإجراءات العقابية، يغفل التساؤل عما إذا كان ذلك ناجعاً أم لا.
حقيقة أن العقاب في حد ذاته كثيراً ما يكون هو الغاية النهائية. إلا أن تنفيذ الحرب له صفة عربدية. الاحتفالات بالقتل من قبل الزعماء السياسيين الإسرائيليين، المخططات الخيالية لإزاحة الفلسطينيين وإخراجهم إلى سيناء أو إلى أوروبا أو إلى الكونغو، والشخصيات العامة التي توقع اسماءها على القنابل التي سوف يقصف بها ما تبقى من غزة، والتسجيلات التي يقوم بها الجنود الإسرائيليون بكل سعادة وابتهاج – كل ذلك يجمع ما بين الحقد والنشوة.
قد نرغب في مقارنة الحرب الحالية مع العمليات الإسرائيلية ضد غزة في حروب 2008-2009، 2012، 2014 و 2021.
ولكن الأكثر فائدة من حيث المعلومات هو مقارنة عملية السيوف الحديدية الأكبر بكثير مع طوفان الأقصى، الهجوم الذي قادته حماس على عدة جبهات يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول). خلال دقائق من اختراقهم لحاجز غزة (وذلك ليس بحدود)، وجد المسلحون أنفسهم وجهاً لوجه أمام نسخة إسرائيلية من مهرجان النشوة البرازيلي، الذي كان قائماً بالقرب من رعيم. مباشرة تقريباً تحول ذلك إلى مجزرة، حيث قتل المئات من المشاركين في المهرجان بينما أخذ آخرون رهائن.
داخل الكيبوتسات استهدف المقاتلون قوات الرد السريع المحلية (في نير يتسحاق قتلوا ما يقرب من خمسة رجال مسلحين)، بالإضافة إلى مدنيين إسرائيليين وعمال مزارع من جنوب شرق آسيا.
يوصف طوفان الأقصى في العادة بأنه هجوم لحماس، يكاد يكون من المؤكد تقريباً أن التخطيط له والأمر به كان من قبل يحيى السنوار، زعيم حماس في غزة، وكذلك من قبل قائد كتائب القسام محمد الضيف.
ولكنه كان أيضاً عملاً تعاونياً شاركت فيه مختلف المليشيات الموجودة داخل غزة، حيث ساندت كتائب أبو علي مصطفى كتائب القسام والجهاد الإسلامي الفلسطيني.
فيما بعد انضمت إلى هؤلاء المقاتلين عناصر غير نظامية من غزة، والنتيجة أن فرق هجومية نظمتها كتائب القسام، على درجة عالية من الانضباط العسكري والعنف النموذجي كانت ترافقها مجموعات من المقاتلين غير المدربين والذين ينقصهم ما يتميز به مقاتلو القسام من انضباط وعنف.
بالمجمل، قتل ما يقرب من 800 مدني إسرائيلي، بما في ذلك 36 طفلاً، و370 من أفراد الجيش وعناصر الأمن (عدد قليل منهم قتلوا نتيجة لمحاولات الجيش الإسرائيلي فرض السيطرة على المنطقة). مائتان وخمسون آخرون أخذوا رهائن، ما يقرب من نصف عدد القتلى المدنيين كانوا من رواد المهرجان.
كان صادماً حجم الهجوم الذي شنته حماس، بما تضمنه من عدد كبير من القتلى في يوم واحد. منذ ذلك اليوم، قتلت إسرائيل ما لا يقل عدده عن عشرين ضعفاً وأكثر من مائتي ضعف من الأطفال.
كما قامت بشكل منتظم بمهاجمة المرافق الصحية في غزة، رغم أنه بموجب القانون الدولي لا يجوز إلا في حالات استثنائية جداً القيام بمثل هذه الأعمال.
في منتصف شهر أكتوبر (تشرين الأول)، انشغلت وسائل الإعلام الدولية لبعض الوقت في الجدل حول ما إذا كانت إسرائيل مسؤولة عن الضربة التي استهدفت ساحة مستشفى الهلال.
ولكن لم يكن ذلك هو المستشفى الأول الذي يتعرض للهجوم. جميع المستشفيات في شمال غزة تقريباً – المستشفى الإندونيسي، مستشفى العودة، مستشفى الرنتيسي، مستشفى الشفاء، مستشفى القدس، مستشفى الأهلي، ومستشفى الصداقة التركية الفلسطينية، ومستشفى الوفاء – تعرضت للقصف والحصار أو الاحتلال من قبل القوات الإسرائيلية. ومعظمها أخرج عن الخدمة بنهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني).
في الثالث والعشرين من نوفمبر اعتقل مدير مستشفى الشفاء محمد أبو سلمية، ولا يزال رهن الاعتقال (كان يفترض حينها أن مستشفى الشفاء هو مقر قيادة حماس ومركز التحكم). تم احتلال مستشفى الهلال من قبل الجيش الإسرائيلي الذي ما لبث أن أغلقه يوم الثامن عشر من ديسمبر (كانون الأول).
وفي منتصف شهر ديسمبر، حاصرت القوات الإسرائيلية وقصفت مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا، رغم علمهم بأنه كان يغص بالمرضى. ثم دخلوا المبنى واعتقلوا أكثر من ألف فلسطيني، بما في ذلك الكوادر الطبية العاملة داخل المستشفى، ونقلوا في شاحنات ما يقرب من سبعين منهم إلى موقع مجهول. ولقد وثقت منظمة الصحة العالمية 240 هجوماً على المرافق الطبية.
في البداية منعت القوات الإسرائيلية جميع المساعدات من دخول قطاع غزة، وفي نفس الوقت قطعت إمدادات الوقود والمياه والكهرباء والطعام. بحسب تقديرات الأمم المتحدة، ما يقرب من ربع السكان يعانون من مجاعة كارثية – 80 بالمائة من مجموع الناس حول العالم الذين يصنفون حالياً ضمن هذه الحالة.
لدى غزة أعلى نسبة مئوية من الناس الذين يواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي يتم تسجيله حتى الآن. كان يمكن بكل سهولة رفع الحصار البحري للسماح بشحن المساعدات إلى القطاع. مئات الشاحنات المحملة بالمساعدات والأغذية تنتظر في مصر، ولكنها فعلياً تمنع من الدخول.
خلال الشهرين الأولين من حربها، طالبت إسرائيل بنقل النزر اليسير من المساعدات التي ترسل من مصر عبر طريق طابا رفح حتى تخضع للفحص من قبل المسؤولين الإسرائيليين في نيتزانا قبل أن تعود وتنقل ثانية إلى معبر رفح من أجل أن تدخل من هناك إلى قطاع غزة.
أما الآن، فيمكن أن تجرى عملية الفحص في معبر كرم سالم، ولكن الشاحنات مازالت تخضع للتدقيق والفحص يدوياً نزولاً عن رغبة الجيش الإسرائيلي (وذات مرة تم رفض حمالات الإسعاف). قبل أن تتمكن من الدخول إلى غزة، يجب على الشاحنات أن تفرغ بالكامل من أجل الخضوع للفحص والتدقيق، ثم يعاد تحميلها تارة أخرى، مما يتسبب بتأخيرات طويلة جداً. كان بإمكان إسرائيل السماح للمساعدات بالعبور إلى داخل غزة من منطقتها هي في أي وقت، ولكنها اختارت ألا يكون ذلك.
خلصت منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية ييتسيلم إلى أن التجويع الجماعي للناس في غزة «لم يكن ناجماً عن الحرب وإنما كان نتيجة مباشرة لسياسة إسرائيل المعلنة …. إن السماح بدخول الغذاء إلى قطاع غزة ليس عملاً من أعمال الشفقة وإنما هو واجب ملزم بموجب القانون الإنساني الدولي. يمثل رفض الانصياع لهذا الواجب جريمة من جرائم الحرب».
عن «صحيفة لندن ريفيو»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.