وقف على الهفوات الحاصلة بينها وبين الجماعات أسهب تقرير المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الأخير في وصف الهفوات الحاصلة بين الجماعات والمقاطعات، في المدن التي تعمل بنظام وحدة المدينة وهي مدن الدارالبيضاءوفاس وطنجة وسلا والرباط ومراكش، إذ وقف على أن المقاطعات لا يعتد بآرائها في ما يخص البرامج الاستراتيجية للجماعات، ودورها يظل محدودا في إبداء الآراء في برامج عمل هذه الجماعات، بالنسبة للجزء المقرر تنفيذه كليا أو جزئيا داخل حدودها. وباستثناء فاس، لا تعرض الجماعات الخمس الأخرى برامج عملها على المقاطعات لإبداء رأيها، كما أنها لا تشرك في إعداد هذه البرامج، بل لا ينبني تدبيرها على تصور استراتيجي. وسجل التقرير محدودية التنسيق بين الجماعات والمقاطعات بسبب عدم تفعيل مختلف آليات التنسيق المنصوص عليها في القانون التنظيمي، كندوة الرؤساء والتقارير نصف السنوية التي يعدها رؤساء مجالس المقاطعات، ويوجهونها إلى رئيس الجماعة المعني في أفق عرض ملخصاتها على مجلس الجماعة . أما بخصوص تحديد صلاحيات المقاطعات، فقد اعتبر التقرير أن هذا الشأن تشوبه مجموعة من الإشكاليات القانونية، التي حالت دون الاضطلاع الأمثل للمقاطعات باختصاصاتها، ويتعلق الأمر خصوصا بمحدودية السلطة التقريرية لديها، والتي تظل رهينة بالمجلس الجماعي، بسبب عدم توفرها على الشخصية الاعتبارية، وتبعيتها الإدارية والمالية للمجلس الجماعي، هذا فضلا عن عدم الاضطلاع التلقائي بتدبير التجهيزات المنصوص عليها في المادة 231 من القانون التنظيمي من طرف المقاطعات، والذي يظل رهينا بوضعها رهن إشارتها من طرف المجلس الجماعي، وكذا إسناد القانون التنظيمي للمقاطعات لصلاحيات تندرج في إطار الاختصاصات المشتركة للجماعات مع الدولة، منها تدبير تجهيزات القرب الاجتماعية والثقافية والرياضية ومهام التنشيط المحلي، والتي يتطلب الاضطلاع بها وجود إطار تعاقدي مسبق مع الدولة والتوفر على الموارد الضرورية . التقرير يذهب بعيدا عندما يسجل بأن الممارسة أبانت عن محدودية الدور الذي تلعبه المقاطعات، في تدبير الشأن الجماعي حيث تراوح المعدل السنوي للمقترحات المقدمة من طرف كل مقاطعة خلال الفترة مابين 2015/2022 ، بين مقترحين اثنين بالنسبة للدار البيضاء، وأقل من مقترح بالرباط، كما لم يتعد متوسط عدد الآراء خلال نفس الفترة رأيا واحدا لكل مقاطعة سنويا. وعلاوة على ذلك، يتم تدبير العديد من التجهيزات خارج إطار المقاطعات، من خلال لجوء الجماعات المعنية إلى نمط التدبير المفوض، أو إلى إحداث شركات للتنمية المحلية، فضلا عن تعدد المتدخلين في العمليات المرتبطة بمنح رخص التعمير وتلقي التصاريح التي يختص بها رؤساء المقاطعات. وتعزى محدودية دور المقاطعات في مجال التنشيط المحل، أساسا، إلى نقص الموارد المالية وعدم توفرها على الموارد البشرية المتخصصة في هذا المجال . تقرير المجلس الأعلى للحسابات سيعرج على العوائق المالية التي تواجه المقاطعات، حيث أشار إلى أنه تم تحديد نسبة 10 في المائة كحد أدنى تمنح من الجماعة إلى المقاطعة، وقد بلغت هذه المخصصات المالية مابين 2015 و2022 حوالي 5.19 مليار درهم، إلا أن تحديد الحد الأدنى لا يأخذ بعين الاعتبار حجم المهام المسندة للجماعة مقارنة مع المقاطعات. وفي هذا الإطار، وقف المجلس الأعلى للحسابات على عدم قدرة الجماعات على تمكين المقاطعات من هذه النسبة، مع تسجيل غياب يحدد بشكل واضح الالتزامات التي تتعهد المقاطعات بتنفيذها، بناء على أهداف متفق عليها مسبقا مع الجماعة . مشكل الموارد البشرية لم يكن ليمر مرور الكرام في تقرير المجلس الأعلى للحسابات، فقد سطر بأن توزيع الموارد البشرية بين الجماعات والمقاطعات، لا ينبني على معايير تأخذ بعين الاعتبار حجم المهام المنوطة بكل طرف منهما، فقد بلغ العدد الإجمالي للموظفين والأعوان المعنيين بنظام المقاطعات عند نهاية سنة 2022 حوالي 13.144 موظفا وهو ما يمثل 69 في المائة من مجموع موظفي الجماعات المعنية، بالرغم من كون اختصاصات الجماعات تفوق حجم صلاحيات المقاطعات، التي لا تتوفر على الموارد البشرية المتخصصة لاسيما في المجال التقني والمجال المرتبط بالتنشيط المحلي . المجلس الأعلى، وبناء على كل ما سبق، أوصى وزارة الداخلية بضرورة إعادة النظر في صلاحيات المقاطعات ودورها بما يضمن الخدمات للمرتفقين من جهة، ونجاعة تدبير الموارد المالية والبشرية من جهة أخرى، كما أوصى بضرورة مراجعة المقتضيات المنظمة للجماعات ذات المقاطعات، من أجل تمكين هذه الأخيرة من الآليات القانونية اللازمة لتدبير مختلف المرافق والتجهيزات المسندة إليها، كما حث على إعادة النظر في الجماعات التي يتوجب استمرار تبنيها لنظام المقاطعات. التقرير أيضا دعا الجماعات والمقاطعات المعنية بهذا النظام، إلى تعزيز صلاحيات مجالس المقاطعات خلال إعداد وتنفيذ وتتبع وتقييم برامج عمل الجماعة، وحثها على صياغة رؤية استراتيجية برسم ولايتها الانتدابية في حدود صلاحياتها وفي التقائية مع برنامج عمل الجماعة.