الوحي والقرآن: أيهما سابق على الآخر، ما أوحي به أم ما قرئ؟ الآية تقول: «لا تعجل بالقرآن قبل أن يقضى إليك وحيه ». التفسير في الطبري وغيره، يقول قبل أن يوضح لك أو يبين، فتسأل، هل كان الوحي غير مبين حتى يتضح؟ فما هي أدوات توضيحه وهل هي إلهية مباشرة أم فيها وسيط أمين؟ وأي الوسطاء أصدق وأبين من كلام الله الذي يبدو منطوقا بحروف بشرية تتطلب أصواتا، والأصوات تحتاج مخارج وشفاها؟ من هنا بدأت ضرورة التسليم بما ورد فغدت القداسة ضرورة تحجب الأسئلة وقد تخفيها، وتظهر فكرة التجسيد المسيحية التي عالجت الوحي بطريقة أخرى وتقبلت كونه قيل بلغات متعددة، فنشط الفكر المسيحي في بدايته مجسدا للرب في أقدس مخلوقاته التي خلقها على صورته، وهي البشر، ولم يكن ممكنا للمسلمين أن يقبلوا بهذه الصيغة، فقط لأنهم حقروا الإنسان بفعل الخطيئة وقدسوا الرسل بل فاضلوا بينهم بالعرق والأنساب ، وتوجوهم شفعاء حتى لغيرهم من الأمم ،بل حتى الرسل. بذلك، تكون دراسة اللاهوت المسيحي واليهودي ضرورة ملحة، فعن ماذا سأبحث وما الذي أفعله وكيف أوضح اللاحق بالسابق، وبينهما ستة قرون ويزيد واليهودية تبعد زمنيا عن الإسلام تقريبا بألف وستة مائة؟ إنها الرغبة في فهم تجليات الوحي والغامض عن الفكر فيه، لغات وصور وحتى غايات، فتلك عوالم في تنابذها تكمن بعض مكونات الحقيقة التاريخية، التي ترفضها هذه الديانات بشكل متفاوت، مما يعني أن عقلانيتها متداخلة نصوصا وتناصا أيضا، فما يقال مرة لا يتكرر بالصيغ نفسها، لكنه كلاهوت يسعى لسد ثغرات الغموض فيه بغيره، وحيا وتاريخا وتجارب. إنه عالم يستحق أن يكون مشروعا ثقافيا ومغامرة، متعبة لكن عدتها مؤرق فهمها في سياقها اللاهوتي العجيب والمثير، ومن الصعب أن تبرر كل ذلك لتفهم ديانة بدراستك لأخرى، فتلك أنانية وتسخير قديم لا معنى له، وإن كان السلف الإسلامي سعى إليه بدون أن يصرح بذلك، فكيف يمكن تجنب ذلك وما هي حظوظ النجاح فيه وفق المستجدات التي تعرفها المناهج الحديثة، من وثائقية وحفرية وأنثروبولوجية وتاريخية؟؟؟