لعل استمرار اتحاد كتاب المغرب في الفعل الثقافي بنفس الوتيرة والدينامية، يجد أسبابه في انفتاحه وتقبله لثقافة الاختلاف التي سادت بين أعضائه، بالإضافة الى تقبل النقد الذي صاحب هذه التجربة بالتقويم والإغناء والذي لم يكن يوما مدعاة للإقصاء وتغييب الصوت الآخر المختلف، وهو ما أكسب الاتحاد مناعة بفضل هويته الثقافية الواضحة وبفضل قاعدة التوافق التي تم الاحتكام إليها في حل المشاكل التنظيمية التي اعترضت مسيرته أحيانا. الورقة التي نشرها «الملحق الثقافي» للجريدة بتاريخ 25 أكتوبر1996 بتوقيع الدكتور محمد برادة، الرئيس لثلاث ولايات لاتحاد كتاب المغرب (1976-1983)تترجم المساهمة النقدية المقرونة بحكمة التجربة التي خبرت إكراهات التسيير والرهان الثقافي في مجتمع تتصارع فيه ثقافتا التقليد والحداثة، وهي المساهمة التي ما أحوج اتحاد كتاب المغرب اليوم إلى عقلانية حكمائه ورؤسائه السابقين من أجل تجاوز وضعه المأزوم.
أظن أن كل مؤتمر تعقده جمعية من الجمعيات يشكل منعطفا محتملا إذا ما أنجز الأعضاء مهمة التفكير والتأمل النظري في الماضي والمستقبل … وأحس ، شخصيا، بأن اتحاد كتاب المغرب، بعد 35 سنة من الوجود ، هو في أمس الحاجة إلى تاريخ تجربة، لا من الجانب التوثيقي فقط، وإنما من خلال تحليل لحظاته البارزة وإسهاماته في صوغ أسئلة الحقل الثقافي بالمغرب. وكما يقول المؤرخون الجدليون، فإن التاريخ يبدأ من الحاضر مثلما يبدأ من بذور التكون . ومن هذا المنظور، سيكون من المفيد أن ننطلق من نهاية المطاف الحاضرة للاتحاد والتي تتمثل في تثبيت مكانته كمؤسسة مدنية تضطلع بدور أساسي داخل الحوار الإبداعي والثقافي، وفي اعتراف الدولة بهذا الدور المتميز بعد علائق لم تخل من شد وجذب. وفي رأيي أن من بين النقط التي تحتاج إلى التأريخ: – الخلفية الكامنة عند المؤسسين الأوائل للاتحاد. – بياضات في تاريخه، ما بين 1963 و 1968 . – كيف استطاع الحفاظ على خصوصيته واستقلاليته تجاه السلطة. – هل كان المبدعون والمثقفون المنتمون يمثلون انفسهم وإبداعهم أم كانوا يمثلون مصالح «حزبية»؟. – ماهو دور اللامنتمين في دعم الاتحاد أو محاولة هدمه ؟ – هذه الأسئلة وغيرها ، قد تكون منطلقا لتاريخ نقدي لتجربة الاتحاد، خاصة إذا أسهم جميع الفاعلين الأحياء في الإدلاء بآرائهم وشهاداتهم، وخاصة إذا رضي بعض من تحملوا المسؤولية داخل المكتب المركزي وفي الفروع بتقديم محاضر الجلسات والوثائق التي اعتبرها البعض ملكا له و «زاد بها خلفة». عن تجربتي في الاتحاد باختصار، أذكر السمات الإيجابية التالية: – عندما انتخبت كاتبا عاما للاتحاد، في مؤتمر 1961، مع المرحوم الرئيس محمد عزيز الحبابي ، كان بعض الزملاء داخل الحزب الذي أنتمي إليه، معارضين الدخول إلى اتحاد كتاب المغرب . وكان هناك نقاش طويل تحملت فيه مسؤوليتي أنا وبعض الأصدقاء وانتهى بإقرار المساهمة في الحوار الثقافي داخل المجتمع من خلال مساندة اتحاد كتاب المغرب. وأشهد أن الحوار كان ساخنا باستمرار، وأن – السياق السياسي الإيديولوجي وصراعات المجتمع المدني مع السلطة كانت تلقي بظلالها على مواقفنا وتحليلاتنا. وما من شك أن هناك أخطاء ارتكبناها، ولكن المنجزات التي تحققت ، خاصة في فترة تحملي لمسؤولية الرئاسة، مدينة إلى حد كبير لتعاون المجتمع المدني ممثلا في بعض الهيئات، والأحزاب وخاصة بعض محبي الثقافة والأدب. ولاشك أن جمهور الاتحاد كتاب المغرب الشاب، الفتي آنذاك، وتطلعه إلى بلورة أدب مغربي حديث، قد لعب دورا كبيرا في دعم مسيرة الاتحاد. لقد كنت مقتنعا منذ المؤتمر الخامس 1976 بأن جملة من الشروط الموضوعية قد بدأت تتوافر، ومن ثم ضرورة العمل على تعميق أسئلة الأدب والنقد، وبلورة إشكاليات الثقافة المغربية والانتقال من مرحلة التبشير الشفهي بالإبداع إلى ممارسة الكتابة وتوثيق لحظات التحول . وبترابط مع تلك القناعة، عملت مع الأصدقاء الذين رافقوني في تحمل المسؤولية ، على توطيد علائق الثقافة المغربية بالحقل الثقافي العربي ، سواء من خلال حضور مؤتمرات الإتحاد العام للأدباء العرب وإسماع صوتنا المتميز، أو من خلال عقد ندوات ولقاءات لتقييم الإنتاج الإبداعي العربي… وأشهد أيضا أنني لم أتلق أبدا تعليمات من قيادة الحزب الذي أنتمي إليه بخصوص تسيير اتحاد الكتاب، كما يقال لنا دائما «أهل مكة أدرى بشعابها». وكنا حريصين، من جهتنا، على أن نعيش التجربة على ضوء الحوار الديمقراطي مع جميع المثقفين والمبدعين على اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم لكن الديمقراطية لا تعني ، في نظري ، ألا يدافع من يشكل توجها راجحا عن موقفه. الديمقراطية صراع أيضا وتحمل للمسؤولية في الآن والهنا وعدم الخوف من الانتماء. إن استقلالية الحقل الثقافي هي دائما نسبية وتتشيد على أرض المعطيات وفي حضن الفئات الإجتماعية التي تحمي المبدعين، وتكافئ إنتاجاتهم ماديا أما الإسقاطات الإرادوية فهي لاتخلق حقلا ثقافيا مستقلا…. على ضوء ذلك أقول: لو استمعنا إلى الذين كانو يقولون لنا عليكم ألا تزكوا هيئة يوجد فيها مستقلون، انتهازيون، أو إلى المتياسرين الذين اكتشفوا متأخرين نفعية اللاانتماء السياسي والحزبي.. لو استمعنا إلى أولئك وهؤلاء لما استطاع اتحاد كتاب المغرب أن يواصل المسيرة رغم التعثرات، ولكن بمنجزات قابلة للتطوير. والآن، بعد 35 سنة، يمكن القول بأن حصيلة اتحاد كتاب المغرب هي حصيلة إيجابية في التفاصيل وإيجابية على المستوى العام، خاصة من خلال مظهرين اثنين: 1 - حافظ الاتحاد على استقلاليته عن السلطة فلم يصبح بوقا لها، وظل منبرا للجدل والصراع والحوار: 2 – حافظت الدولة، رغم كل شيء ، على الحد الأدنى من احترام الثقافة والمثقفين فلم تغلق أبواب الاتحاد ولم تمنعه من الوجود، بل انتهى بها الأمر إلى الاعتراف بدوره كجمعية ذات نفع عام. إن باستطاعة المؤتمر 13 لاتحاد كتاب المغرب أن يكون منطلقا آخر نحو تطوير نشاطات الاتحاد وممارساته، وتدعيم أسسه المادية وتوسيع إشعاعه. ولتحقيق ذلك ، لابد من فهم أواليات الحقل الثقافي المغربي وإمكانية تحقيق استقلاليته على أساس الحوار الديمقراطي والتدبير المسؤول، لا على أساس الاستقالة والتمييز المغرض بين المبدعين «المنتمين» و»الأحرار».