الصيدلية أو الفارماكون ، بلغة الإغريق ، ابتكار عجيب لمعالجة السم بالسم (الترياق) .السم قاتل و شاف في الآن نفسه .و بما إنه الأساس الوجودي لكل صيدلية ، تكون الصيدلية بحكم أسها ذاك مفارقة . مفارقة يكثفها شعارها أو طوطمها . الثعبان القاتل بسمه الشافي طوطم الصيدليات و الصيادلة .إنه الرمز و المفارقة المركبة للتضاد الملغز ، و العارضة للعبة المظهر و الحقيقة ، و المجسدة لاقتصاد المعنى المرسل . صيدليتنا الرمضانية سنعرض فيها أفكار ملغومة بكل مواصفات المفارقة . أفكار صغيرة ، لكنها غائرة في المعيش الثقافي و اليومي « للمغاربة « . أفكار قاتلة بسمها لكنها في الآن ذاته ترياق جماعي لتدبير أمن و سلامة العيش في اليومي .
« الزبون ملك « ، جملة يرددها الزبناء و كذا المستخدمين في أكثر من مناسبة . لم الزبون ملك و ليس مواطن ؟ و ما سياق ابتكار جملة سحرية مثل هته؟ كيف خلق نظام السوق الرأسمالي هته الجملة -الشعار وما معلناتها و مضمراتها ؟ الرأسمالية لها أرواح ، يكثفها عالم الاجتماع « لوك بولتانسكي» في ثلاث : -الروح الأولى هي روح مؤسسي الرأسمالية العصرية ، و التي ارتكزت على نموذج البرجوازي المقاول المخاطر و الماهر في حسابات الربح و المقتصد في النفقات والطامع دائما في المزيد . لقد شكل نموذج البرجوازي هذا الفاعل المحرك للتقدم الاجتماعي و الاقتصادي ، نظرا لدوره التحريري مقارنة بفاعلي المجتمعات التقليدية ، و كذا دوره المحافظ على النظام البرجوازي مقارنة مع الفاعلين الطامحين لتجاوزه . -الروح الثانية تغطي المرحلة الممتدة من 1930 إلى 1960م . سيتم الانتقال خلال هته المرحلة من نموذج و صورة البرجوازي بمقاولاته العائلية و غير الكبيرة ، إلى المقاولات الكبرى المنظمة بتراتبية و عقلانية و الخاضعة لمدير مسير ، مهمته الأساسية هي تنمية رأسمال المقاولة و توسيع مجالات و جغرافية حضورها . يتعلق الأمر هنا بصورة المدير الرئيس المسير البطل الذي يعتمد في خلق بطولته على معيار كفاءاته و كفاءات مستخدميه التي يؤشر عليها واقع تنامي كبر المقاولة . – الروح الثالثة و هي التي تغطي فترة ما بعد ثمانينيات القرن الماضي , و التي أعلنت عن هويتها في صيغة رأسمالية عالمية و معولمة مسنودة بالتكنولوجيات الجديدة . يتعلق الأمر هته المرة باقتصاد الفضاءات الكبرىéconomie de grandeur يرتكز في منطق اشتغاله على المفاهيم المبتكرة في مجال التكنولوجيات الجديدة من مثل مفهوم الشبكة le réseau و مفهوم الربط أو الوصل الرقمي connection و المشاريع و الاختبارات مع الروح الثالثة أو الروح الجديدة ، ستتغير المرجعيات . فبدء من تسعينيات القرن الماضي سترسم ملامح المقاولة عبر الشبكات والتي ستعلن نهاية المقاولة الوظيفية ، و كذا نهاية تنظيمها الوظيفي و تراتباتها الكنسية التي ظلت تميز المدينة الصناعية . ستظهر مقاولات الشبكة أكثر قوة وفاعلية في وجه الصعوبات المزدوجة للمنافسة. لذا ستنظم المقاولة الجديدة ذاتها في شكل شبكة ، أي مجموعة من العلاقات المترابطة بين نقط مرسومة و محددة ، و التي تتسم بالدوام و القدرة على التكيف و التعديل و التصويب . كل مقاولة عليها كي تتطور أن تطور شبكتها ، و من ثم منطقها المتصل رقميا و شبكيا كي تحل محل التنظيم بالوظيفة الذي ساد سابقا ، و تغذي في الآن نفسه المرونة fléxibilité و الابتكارinnovation .تعتبر استعارة الشبكة résau جوهر الروح الجديدة للرأسمالية . إنها الآلية التي ستحرك و تجمع و توحد و تخضع ليس فقط المقاولات و لكن أيضا كل ما يحيط بهته المقاولة . فإذا ما كان النقد الموجه للمدينة الصناعية و تنظيماتها يستهدف فعل الاستيلاب و الاغتراب الذي تولده سيرورات الإنتاج الصناعي ، و كذا السلطة الثقيلة للتراتبات و للمراقبات التي يمارسها النظام على عماله ، فإن مقاولة الشبكة ، ضمن الروح الجديدة للرأسمالية ، ستحول مجرى المشكلة باتجاه آخر . وحده الزبون هو الملك و المالك و الآمر ، و إذا ما كان الأمر كذلك فإن الأطر و المسؤولين يتحولون إلى منشطين animateurs للمشروع ، أو مدربين coachs ماهرين و متمكنين من كفايات التواصل و ديناميات الجماعة . اعتماد مرجعية الزبون واضحة جدا في توجيه المقاولة نحو الربح و ذلك عبر تحويل الموطن الأصلي للمراقبة من جهة و اختيار منحى الزبون عوض التراتبية الإدارية . يتعلق الأمر في النهاية بمحو لمقولة صراع الطبقات .التي ظلت تحرك صراعات المجتمع الصناعي ، و عرض لنموذج المقاولة المتحررة entreprise libéré التي تشتغل على أساس أن الكل متساو . لا تراتب و لا تفاضل بين المالك و المستخدم . فالكل رعايا الزبون الملك ، و بحكم ذلك لا موطن للصراع و لا حاجة للنقابة و لا مبرر للمطالب .هي إيديولوجيا الروح الجديدة للرأسمالية في صيغتها المعولمة .