وانسحب في هدوء. دعه يترسّب في هدوء، يعيش حياته، كحيوان مَنوي داخل رَحِمِ قارئك… اكتبه فقط ولا تبرره، لا تعتبره تفكيرا بصوت مكتوب أو بحثا تائها عن حل لمعضلة ذاتية، غامضة، أو تنفيسا لعقدة طفولية لا تتذكرها أو مجرد تلبية ل (بَلْية) متكلّسة. فهو، في النهاية، كلام مكتوب على كلام غير مكتوب. ومهما كانت الكتابة بالنسبة لك، فلن ينفع معها أن (تَدِّي وتْجيب) مع الحياة، لكل حياة نُكهة، والحياة نفسها مجرد نص مجهول المصدر، نكونه أو نجسّده وندّعي أننا نحياه، لكننا، دوما نفشل عند أول محاولة لترجمته إلى نص (سيرة) تكذب على الحياة وعلى القراء معا… كل السِّير كاذبة وكذابة مهما تفننا في التبرير والتوهم والادعاء والطلاء والمساحيق. كل كاتب فعلي يسعى للوصول إلى ذلك النص الذي سيُؤبّنه، سيقتله، ذلك النص الخارق والمخترِق للذات. قد يرتكبه الكاتب وهو في ريعان الشباب أو بعد أن يعتقد أنه قد (ادّا وجاب) في الحياة، وقد لا يصل إليه بالمرة. النص المسموم، القاتل، لا ينفك يتربص بكل كاتب ولا ينفك أي كاتب فعلي يتربص به. أما الحياة، ذلك النص المجهول، فمهما طالت أو قصرت، فلا معنى لها بالنسبة لكاتب لم يتواصل مع نصه المسموم. دع عنك أولئك الذين فطِنوا للاجدوى الانتظار ولا جدوى مجيء أو عدم مجيء اللغز (غودو)، فعرجوا على كتابة سيَر حياتهم، على الكذب على الحياة وعلينا أيضا. اكتب نصّك وانسحب في هدوء.