تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    بورصة البيضاء تنهي التداولات ب "انخفاض"    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    البيت الأبيض يرفض قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت    تحطم طائرة تدريب تابعة للقوات الجوية الملكية بداخل القاعدة الجوية ببنسليمان    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    سلطات القنيطرة تُعلن عن قرار سار لجماهير اتحاد طنجة    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محكي الحذف وسؤال التلقي في "مطعم هالة" لعبدالله المتقي
مدخل سيميائي لقراءة القصة العربية القصيرة جدا
نشر في طنجة الأدبية يوم 04 - 08 - 2011


1-مقدمات عامة
إن كانت هناك من ميزة جمالية-استطيقية-وسردية تطبع المحكي في القصة القصيرة جدا في تاريخ الادب الكوني،فانها تتمثل في جهة الحدف كمهيمنة سرديةفي تاريخ هذا الجنس الادبي.يقتضي هذا الكلام بعض التوضيح.
ما المقصود بمحكي الحذفRécit elliptique؟.المقصود أن القصة القصيرة جدا وفي كل الاداب العالمية تعتمد مبدا"خير الحكي ما قل ودل".ومن تم فالقارئ لم يعد أمام جنس ادبي يعتمد على غرار القصة والرواية والمحكي الفيلمي-السينيمائي-على التفاصيل التي تتطلب تركيز القارئ في فهمه للمسار السردي العام لأحداث القصة،مما يحول التفاصيل والجزئيات الى مكون جوهري في فهم بنية النص العميقة وهو ما يشكل عائقا سرديا عند القارئ المتسرع والمتلهف والذي يقفز احيانا على صفحات لمعرفة النهاية، وهو ما يرفضه النص السردي الكلاسيكي.لنتكر في هذا الإطار خماسية عبدالرحمان منيف "مدن الملح" ورواية" دكتور جيفاكو" لبوريس باسترناك.النص الكلاسيكي نص سردي يرفض القارئ الكسول والمتسرع.إنه نص يريد قارئا صبورا ومتئنيا.
ما هو المشترك السردي بين القصة القصيرة جدا وباقي الأجناس الأدبية الأخرى؟ الجواب هو أن كل هذه الأجناس الأدبية تتوفر على خطاطة سردية كونية.ذلك أن كل السرود افي جميع الثقافات العالمية هي حكاية عن شيء ما،معنى، يحدث في الزمان والمكان.ومن تم فكل حكاية،هي حكاية تتشكل من متوالية سردية كبرىMacoséquence هي حالة بدئية و حالة نهائية(2)،ومن تم فالحالة البدئية تتمثل في حالة التوازن حيث يكون النظام سائدا لكن هذا النظام سرعان ما يعرف حالة فوضى ولاتوازنا مما يطرح مسألة تدخل عامل أاو خوض مواجهة ضد القوى التي أحدتث حالة الفوضى ليتم العودة الى حالة البدء لكن الحالة الأولى تختلف عن الحالة النهائية لما تطرحه من تحولات .
هذه خطاطة سردية كونية توجد في كل سرود العالم لكن توظيفها واستثمارها كشكل يخضع للسياق الثقافي الذي يفكر ويكتب داخله كتاب القصة القصيرة جدا،عندما يوظفها كاتب اوروبي أو امريكي فهو يستتثمرها ككاتب ينتمي إلى ثقافة لها شفراتها الثقافية العريقة التي تؤمن بدور الكتاب الافراد وتاثيرهم في الجسد الاجتماعي،على عكس الكاتب العربي الذي يستثمر هذه الخطاطة السردية بإشكاليته الذاتية بحكم انه يستعمل لغة عربية تضع حدودا لمستعمليها،لغة النموذج التي تملي على الاحياء العرب ما يتوجب التفكير فيه وما لا يجب التفكير فيه.
يتخذ توظيف هذه الخطاطة في القصة القصيرة جدا منحا جماليا وسرديا آخر،ذلك أن الحدف يشكل قاعدة سردية تتحول الى ميثاق سردي وجمالي يربط الكاتب والقارئ.إذ يكتفي الراوي في استراتيجيته السردية والخطابية على استعمال أسلوب-معجم-التكثيف،تاركا للقارئ أن يعيد قراءة النص وإعادة كتابة التفاصيل بعد أن ينتهي من بث رسالته.
الراوي يستعمل معجم التكثيف اما القارئ فيستعمل أسلوب التمطيط، ،ومن تم فعمل القارئ ،يتمثل في ملأ ما يسميه ت. فان ديجك" الخانات الفارغة في الخطاة السردية للنص".(3).ما هي هذه الخانات التي يملؤها القارئ-المروي له.؟
للجواب على السؤال لابد من التذكير أن القصة في القصة القصيرة الجديدة تتحول الى قصة-ومضة إنها قصة تلمع كنجمة في سماء ثم لا يلبت وميضها أن يخفت تاركة القارئ في ظلام دامس عليه أن يعيد ترتيب خرائطية النص للعودة من حيث أتى. ليفهم القارئ عمق النص ما عليه سوى أن يعيد تشكيل قطع القصة المحذوفة وفي إعادة التشكيل تكتمل الصورة.
هذا يعني أن الدور ينقلب في ميثاق التلقي بين الراوي والمروي له.إذا كان الراوي، وخلفه المؤلف، يعتمد أسلوبا سرديا يعتمد استراتيجية التكثيف ويرفع شعار"خير الحكي ما قل ودل" ،فإن القارئ وبمجرد أن ينتهي من قراءة القصة يجد نفسه متورطا في إعادة كتابة القصة.
ما يتبناه النص الكلاسيكي في استراتيحيته السردية والخطابية يتبناه نص القصة القصيرة جدا على مستوى التلقي.وبعبارة أوضح إذا كان النص الكلاسيكي يدعو قارئه إلى الاهتمام بالتفاصيل التي تشكل مكونا بنيويا في فهم بنينة Structurationالراوي للكون الحكائي الذي يرويه،فإن الراوي في القصة القصيرة جدا يستغني عن التفاصيل تاركا دور الحفر عنها للقارئ.ومن تم فالقارئ يحول نص القصة القصيرة جدا إلى نص مقروء،إن نحن استعرنا لغة رولان بارت،عبر البحث عن الشفرات التي تعبره.(3).
حتى يتمكن القارئ من ملأ الثغرات السردية التي حدفها الراوي يتعين عليه أن يعيد كتابة بنية المحكي في القصة القصيرة جدا،وفق المتوالية السردية التالية(4):
1-التوجيهOrientation:يعمل القارئ على اعادة تحديد شخوص-عوامل المحكي وأيضا خصائص الزمان والمكان وكذا الشروط والظروف التي تؤثت الحالة البدئية للقصة.أي أن القارئ يعيد تشكيل حالة النظام الأولى.فلا بد من شخصية لها هويتها الخاصة تعيش في زمان ومكان محددين.
2-التعقيد :تشكل هذه المرحلة الخطوة الثانية في مسار القراءة وإعادة تشكيل بنية المحكي.هي مرحلة العقدة،وحالة اللاتوازن التي تقلب حالة البدء رأسا على عقب،وبالتالي فهذه المرحلة هي مرحلة تفجيرأحداث المحكي.
3-التقييم:وبما أن حالة اللاتوازن التي حدتث تقتضي تقييما،فإن هذا الأخير هو ردود الافعال الذهنية،المسماة تقييما- والفعلية التي تصدر عن الراوي ،ومن تم تلك الازدواجية بين الراوي –المتلفظ والبطل ذات الملفوظ،أي القصة.
4-الحل:في هذه المرحلة من مسار المحكي يبرز القارئ الحل والمتمثل في دخول عامل مساعد يعيد الحالة إلى حالتها البدئية.
5-عبرةMorale:كل حكاية لا بدأن يقدم لقارئه عبرة ،وهي عبرة تكمن وظيفتها في توضيح غاية المحكي وتسهيل المرور من تسلسل الأحداث إلى البعد التصويري بشكل يجعل القارئ من استيعاب القصة ككل يصدر ويعبر عن معني.العبرة تضمن مقروئية Lisibilité المحكي وفعاليته التداولية،بحكم انها تشكل قفزة من حقل الممكن وشخوص المحكي إلى البعد المعرفي الذي يلزم طرفي التواصل في المحكي الراوي والمروي له.
يترك الراوي في القصة القصيرة جدا القارئ يعيد ترتيب شكل الحكاية العام بناء على المراحل السردية التي سلف ذكرها.هذا يعني أن الراوي في هذا الجنس الأدبي يتخلى عن جزء من وظيفته السردية لصالح المروي له-القارئ. فإذا كان الراوي في بته لخطابه يسعى الى إقناع المرسل إليه بحقيقة الما-يحكى،فإن وظيفته الاقناعية تجعله في واقع الأمر ،ومن منظور سيميائيات التلفظ(4)،يتحول الى محفل يلعب فيه دورين فهو المتلفظ-المرسل والمتلفظ له-المرسل- إليه لأنه يسعى إلى تشكيل المروي له او المرسل اليه على الصورة التي يريدها في خطابه بحكم أنه يريد إقناعه بحقيقة ما يحكيه.
في القصة القصيرة جدا يتخلى الراوي عن الدور الثاني ويفوض المروي له لإعادة تشكيل بنية الحكاية.وكما يلاحظ القارئ فاستراتيجية الحدف الحكائي في القصة القصيرة جدا تسعى إلى إشراك القارئ وتوريطه ثقافيا في عملية الحكي.لنلاحظ تجليات هذه الاستراتيجية الخطابية في مجموعة"مطعم هالة" للكاتب المغربي عبدالله المتقي.
2- مطعم"هالة :بنية المحكي ومسار التلقي
من بين التيمات المهينة في مجموعة"مطعم خالة"تيمة الموت، وما تطرحه من اسئلة في مخيال الراوي والمروي له-القارئ على حد سواء.لعل أهمها سؤال الاتصال والانفصال وكيف يؤثث رهانات المعنى في البنية العميقة للمحكي وما تطرحه تجليات هذه الرهانات من مفارقات في قصص "مطعم هالة"..ومن تم فالقارئ وهو يعيد تركيب بينة المحكي في مطعم هالة يجد نفسه في حيرة من أمره أمام نهاية-نهايات- المحكي وما تطرحه من حالات في مسار المحكي والقراءة. وهي حالات تعمق من غرابة مضمون هذه النهاية التي تتحول الى عقدة تشكل خاتمة القصة وبداية مسار التأويل عند القارئ.
.في قصة"الميت يعود" نقرأ ما يلي:" انتظرته بمقهى الوردة،أكثر من ساعة ولم يأت،وحين تحرقت غيظا،عادت إلى بيتها ،وما أن أغلقت الباب وراءها بغضب،حتى رن الهاتف:
"البقية في حياتك"
صرخت بحرقة،بكت،نتفت شعرها،ونشبت أظافرها في وجهها...
وما هو إلا وقت وجيز،حتى قرع الباب،ليدخل الميت في كفن أنيق كدمعة،عانقها بحرارة،بكت بين أحضانه،وكان هو يقبلها ويخلل ضفائرها المبعثرة"(ص8).
تشكل هذه القصة محكيا-مرآويا récit spéculaire (6) يعكس على مستوى الشكل والمضمون مستويات السرد والتلقي في القصة القصيرة جدا.
على مستوى الشكل:تكشف بنية الحكاية بشكل واضح تجليات الخطاطة السردية في تمفصلاتها الحكائية –حالة التوازن-حالة اللاتوازن ثم حالة التوازن النهائية.و على مستوى المضمون: يستثمر الكاتب هذه الخطاطة السردية بمضمون ينبني على المفارقة و دعوة القارئ الى إعادة تشكيل مستويات الحكاية وملأ الثغرات الحكائية التي ترك للقارئ حق ملئها و استثمارها .
و إذا كان المحكي الكلاسيكي وكما سلف الذكر يتمفصل سرديا على بنية المواجهة بحكم أن حالة اللاتوازن تشكل حبكة النص والتي منها تستمد بنية الحكاية دلالاتها المتعددة ومن تم يتجه المحكي الكلاسيكي نحو حل ينتهي بانفراج الحكاية او بتعقدها وهذه حالة "الاخوة كارامازوف"،فإن القصة القصيرة جدا تنتهي من حيث يبتدأ المحكي الكلاسيكي.لنلاحظ تجليات ذلك في قصة" الميت يعود".
بنية المحكي:
تنتهي القصة من حيث كان يجب ان تتطور.ما هي حالة البدء في القصة؟.:هي حالة حدفها الراوي وترك امر استنباطها للقارئ بناء على ميثاق التواصل الذي تؤطره في العمق الشفرة اللغوية والثقافية والتي تشكل المشترك الثقافي بين الكاتب والقارئ،وهذه الشفرة لن تظهلر بشكل واضح إلا عبر البدء من حيث انطلق الراوي.
والمنطلق هو فعل الانتظار.القارئ مدعو ومن خلال التحليل المعجمي وفعل التمطيط غلى فهم أن فعل الانتظار هو مسار لفعل يبتدأ باللقاء في الزمان والمكان فالوحدة المعجميةLexéme،أو الكلمة تتقدم في الخطاب كتكثيف لبنيات خطابية وسردية معقدة(5)،وإذا كان الأمر كذلك فإن الانتظار كوحدة معجمية يقتضي لقاء شخصين يجمعهما عقد ما أو علاقة ما-يمكن أن تكون علاقة حب أو صداقة وما شاكلها من العلاقات-.لا نعرف عن شخوص المحكي أي شئ .هي شخوص نكرة.للانتظار مظهريته الزمنية الخاصة،ومن تم فالقارئ يتحول إلى عامل مظهري Aspectualisateur عليه، في إطار إعادة كتابة بنية المحكي، أن يقرأ الانتظار في القصة على انه يتكون من بدايةInchoativité واستمرارية Durativité واختتام Terminativité..الانتظار وكما سلف الذكر يدل على مدة زمنية الغاية منها الاتصال بشخص معين في زمان ومكان محددين وبطبيعة الحال الانتظار يقتضي زمنا قد يطول وقد يقصر، لكنه لا بد وأن ينتهي. في القصة يختتم برنامج الانتظار بعد طول انتظار دام "أكثر من ساعة". أين تكمن حالة اللاتوازن؟.إنها تكمن في كون المنتظر-بكسر الظاد- خاب أفق انتظاره وعاد أدراجه من حيث انطلق.
.الانطلاقة تقتضي تحولا من مكان إلى مكان للاتصال بموضوع رغبة ثم العودة إلى مكان الانطلاقة بعد الاتصال أو الانفصال بموضوع قيمة معينة واختتام برنامج الرحلة بتتويج فعل التتنقل.
إلى حدود الآن القارئ مدعو وكما سلف الذكر إلى قراءة استهلال الحكاية على ضوء
شفرة الانتظار وما تطرحه من تداعيات ثقافية في القصة.بدل أن يختتم الحكي بعودة بطلة القصة
لكن الراوي اختار،ضمن الامكانيات التي يتيحها له محور الاختيارAxe paradigmatique
إمكانية سردية تعمق من حالة اللاتوازن التي سببها عدم مجئ المنتظر،ذلك ان سبب عدم
مجيء المنتظر يعود إلى كونه مات.كان على الراوي أن ينهي القصة بموت البطل وجعل
القصة تنتهي نهاية طبيعية لكنه ترك الأحداث تأخذ مسارا آخر.
كلما تقدم القارئ إلا وتعمقت سيرورة الانحطاط في الفعل الروائي.بدلا من أن يكون هناك سبب موضوعي يكشف عن سبب الغياب وبالتالي توجيه المحكي نحو حل ،تعمقت المأساة وأصبحنا أمام حالتي لا-توازن تتمثل الأولى في كون المنتظر أصيب بخيبة لأن مكان ينتظر أخلف الموعد،أما الحالة الثانية فتتمثل في كون المنتظرمات.
كان من المفترض ،وكما سلف الذكر،أن يختتم الراوي حكايته بموت البطل وحزن البطلة عليه .لكن الراوي لم يرد أن يترك قارئه ينهي قراءة القصة دون أن يقلب المعايير الثقافية والمنطقية التي تستند عليها علامات الحكي وهي معايير تجد لها تفسيرا في الشفرة الثقافية المشتركة بين الراوي والمروي له.
الموت كما هومعلوم نهاية حتمية لكل الكائنات- لكن الموت هنا يفقد دلالته الواقعية ليصبح موضع تساؤل.إذ بمجرد أن تنتهي طقوس الموت من صراخ وبكاء ونتف شعر ونشب أظافر في الوجه حتى يقرع"الباب ليدخل الميت في كفن انيق كدمعة".لماذا هذه العودة الغرائبية؟.
لننتبه يعود المنتظر-المرأة- بعد طول انتظار، أما المنتظر فيعود من عالم الأموات ليعانق الحبيبة بحرارة لتبكي بين أحظانه.وكان هو يقبلها ويخلل ضفائرها المبعثرة.
ظن القارئ أنه عثر على تفسير منطقي لسسب غياب المنتظر، لكنه يجد نفسه أمام حالة لاتوازن تتحول فيها المفارقة إلى بطلة الخطاب بامتياز، وتجعل التواصل بين الراوي والمروي له يعرف حالة من التشويش. إذ لا يعقل ان ينطلق الميت من عالم الأموات ليتنقل نحو عالم الاحياء ليتصل مع شخص ما زال.
قد يقال إن استعمال تيمة الموت كدال في القصة يعود الى نظرة السياق الثقافي العربي تجاه الموت، والمتمثل في دائرية هذا المفهوم في الثقافة العربية حياة-موت-حياة-بعث.لكن للمسألة هنا تداعيات دلالية أخرى تفتحها الوظيفة الايديولوجية في الحكاية.
تيمة الموت هنا حيل إلى موت متغلغل في السياق الذي يستمد منه الكاتب معجمه ومادته الحكائية، وبالتالي يتحول الموت كتيمة الى الكشف عن تجليات هذا التداخل بين الموت والحياة في سياق ثقافي المفارقة الوجودية والتاريخية الغريبة فيه انه مجتمع يتعايش فيه الأموات والأحياء، وتشكل جدلية حوار الأموات والأحياء سمة وجودية تؤثت مخياله الانتروبولوجي والديني.وبعبارة اوضح إن الاموات لا يتوقفون عن الهمس في اذن الاحياء عبر اللغة اننا هنا.هذا إشكال عميق تكشف عنه وبشكل ثنائية الاصالة والمعاصرة التي تتحول الى محور دلالي وانتروبولوجي يؤتث نظرة الفرد العربي المسلم تجاه الاموات والاحياء.هذا تاويل انتروبولجي لحالة اللاتوازن التي طرحتها خاتمة المحكي.
يشكل محكي الحدف جهة سردية يتوسل بها الكاتب لتعميق سؤال القراءة وتاسيس ميتاق تلقي
ينبني على إعادة قراءة القصة ومل التغرات السردية التي قفز عليها الراوي وبالتالي يتحول
المروي له إلى كاتب من الدرجة الثانية،بل إن الكاتب يتنازل له عن هذا الدور،تاركا له الحكاية
وما حملت، لينقلب الدور رأسا على عقب عبر تخلى الراوي عن وظيفته السردية والإقناعية
والتي يسعى من خلالها الى اقناع القارئ-المروي له-بحقيقة الما-يحكى.ليتحلول بذلك الى القارئ بناء
على مفهوم الفصل السردي (6) إلى عامل مفوض عليه أن يرهن خلال فعل التلقي برنامجين الأول يتعلق بملأ تغرات الحكاية و التحول الى سارد ثان عليه ان يكمل سرد ما يحكيه الراوي الذي تخلى عن دوره في منتصف الطريق.لم يعد دور القارئ ينحصر فقط في إعادة تشكيل بنية الحكاية وملأ الثغرات التي حدفها وقفز عليها الراوي،بل إن يتحول إلى راو مفوض Narrateur déléguéعليه وبالإضافة إلى إعادة تشكيل بنية المحكي،أن يختار نهاية للقصة التي يقرؤها.قد يكون هذا التفويض نابع من جهل القارئ بحقيقة ما يرويه،وقد يكون نابع أيضا في سعي الراوي إلى توريط القارئ في فهم ما يقال والمساهمة في وضع نهاية منطقية لما يحدث وما يرويه.
.في قصة"رجل مكفن"،يزرع الراوي البلبلة في ذاكرة المتلقي،ويتعرض مسار التلقي بين الراوي والقارئ الى تشويش،بحكم أننا أمام رجل "مكفن في خريفه السبعيني وهو يتابع حركته الدائبة في شقة خالية.الرجل ميت ومع ذلك يزرع الراوي فيه الحياة ويجعله يتأمل شيخوخته متوكأ على عكاز شبه منخور،في الحمام كان يتفرس جسده الذي يبدو كأرنب مسلوخ،وفي المطبخ كان يستمع لصفير طنجرة الضغط،ثم ريتما انتبه من موته سكرته ،اوكابوسه،ليجد نفسه مكفنا".
أين تكمن حالة اللاتوازن في هذه القصة؟.هناك حالة لاتوازنات تخلقها مفارقة السرد في هذه القصة.ميت في كفنه يتأمل حياته وماضيه،تم عندما ينتبه من موته،. سكرته او كابوسه ليجد نفسه مكفنا.
كيف يمكن للموت ان يجتمع مع السكر وكيف يمكن للثنان ان يجتمعا مع الكابوس.حالة اللاتوازن المطروحة على القارئ هي غما ان ان يفسر حالة الرجل المكفن على انها موت أو كابوس؟. الراوي نفسه يتوقف عند الامكانيتين السرديتين لكنه هو الاخر لا يملك للحكاية تفسيرا وبالتالي يفوض القارئ ليختار النهاية التي تناسبه؟. مخاطبا غباه قائلا:" اختر النهاية التي تناسبك، ولا تنسى رداءة الخمرة"(ص16).
في قصة"غرام"(ص12) يحكي الراوي عبر تقنية التلازم السردي برنامجين سرديين-قصتين-لرجل وامرأة.وهما قصتان ترتكزان على مفهوم العودة.
العودة كما هو معلوم ،وكما كشف عن ذلك فلادمير بروب، تقتضي تنائية الذهاب الى/الرجوع او العودة إلى.وبطبيعة يقتضي الذهاب إلى مكان ما للتصال بموضوع رغبة ما او الانفصال عنه لتنحية نقص سببه موضوع القيمة هذا،او الانفصال عنه لما يسببه هذا الموضوع من متاعب متعددة تعوق السير الطبيعي لمساره الوجودي وبطبيعة الحال الذهاب يقتضي عودة البطل من مكان المواجهة الى مكان الانظلاقة إما منتصرا او يائسا. ما ذا تطرح حكاية غرام على قارئها؟..
الجواب هو الحالة الثانية يعود بطلا القصة منهكين من مواجهة حدفها الراوي وترك امر اكتشافها للقارئ.لم يتحقق بطلا القصة من مواجهتيهما وعاد ليعزضا فشلهما في المواجهة في الرسم ،الذي يتحول الى متنفس يسقطان فيه أزمتهما السيكولوجية.
يقول الراوي:"عاد منهكا ليرهم في خياله
بحرا يزحم بالنوارس معطفا من جلد كالبني
وطفلة تتشعبط في حبل مفتول"
هذه حال البطل نما هي حالة البطلة،عادت هي الاخرى نكما يقول الراوي" منهكة لترسم في خيالها
طبقا من سمك
وجها حليقا وشاربين كثين
ورجلا يلتقط صورا لمراة.
تضع في ملابسها قليلا من العطر."
إلى حدود الساعة مل القارئ تغرات الحكاية لكن دون ان يعرف مع من تواجه البطلان لكن مجريات الحكاية تحيل الى انهما مثقفان والعامل المعاكس هو الواقع،بدلا ان يفسر الراوي ذلك اكتفى في النهاية الى الاعتذار للقارئ قائلا:"عفوا عزيزي القارئ اللقطتان كانتا من وحي اربعاء قديم".(ص12).لما إذن يروي قصة يعتذر في النهاية عن حكايتها؟.
وتتعمق مفارقة التلقي هذه عندما تتداخل احداث المحكي في ذاكرة الراوي ويفقد السيطرة على تدبير اقتصاد المحكي وسيرورته الدلالية،لتصبح القصة بحث عن اللامعنى.لتتحول القصة الى حكاية لا راس لها ولاذنب.كما هي الحال في قصة "ما سيحدث" وهي قصة تستلهم مادتها السردية من المحكي البوليسي من حيث عناصر القصة البوليسية، الجريمة والمجرج والمحققن واذا كانت القصة قد بدأت بداية بوليسية من حيث البدء في التحقيق عن الجاني وإشارة الاصابع الى زوج القتيلة،فإن الراوي سرعان ما سيخرق افق انتظار القارئ ،بدلا من ان يتدرج المحكي صعدا للكشف عن الجاني والأسباب التي دعته لاقتراف الجريمة،لتقوول العدالة في حقه كلماتها،فان الراوي سرعان ما يغلن"في رمشة يد، يتحول الزوج والمحقق إلى حليفين"،والنتيجة لم"يفهم الشارد شيئا"(ص22).
ما هي التغرة الحكائية التي على القارئ أن يملأها؟.إنها هذا السؤال –الاشكال الذي يشكل لغزا في ميتاق التلقي بين الكاتب والقارئ و الشفرة الثقافية والقانونية المشتركة بينهما.والتي لا يمكن للتواصل ان يستقيم وينجح بينهما؟.اد كيف يعقل ان يتحالف المحقق-رمز العدالة والقانون مع الجاني؟.هذا سؤال مشترك بين الراوي والقارئ على حد سواءنوهو سؤال يشكل مازقا تقافيا لا يملك طرفي التواصل –الراوي والمروي له إجابة كافية وموضوعية.من هنا نفهم انغلاق مسار بت مسار الحكاية وغعلان الراوي انه لا يفهمNe pas savoir سر ما يحكيه.
لندفع بالتاويل الى اقصى مداه لفهم توقف الراوي في منتص طريق سفره الحكائي .لا يفهم الراوي سر ما يرويه لأنه يحكي عن تحالف الاضداد-المحقق والجاني-لطمس معالم معرفة حقيقة الجاني.والحال أن معرفة الحقيقة لا بد ان يقطع احتمالين إما ان ينفى باطن-او كائن لإتبات ظاهر الاشياء والعكس صحيح يتم نفي ظاهر الاشياء لاتبات باطانن الاشياء في الحالة الاولى نحو امام تمويه وفي الجالة الثانية نحن امام الكذب لانه يتم نفب حقيقة الشئ لابتات العكس.
ما هو المشكل الذي يعترض الراوي والقارئ على حد سواء للوصول الى حقيقة الامر.لكن المشكل الذي يعمق من مسار التواصل هو فعل-التحول".لانعرف من حول الاشياء وجعل التحالف ممكنا بين القاتل والعدالة في شخص المحقق ممكنا.سوف لن يعدم القارئ جوابا سياسيا عن السياق الثقافي الذي يؤطر خطاب الراوي والممتمثل في غياب دولة الحق والقانون والتي تجعل المجرم برئيا والضحية تسقط في براتين الظلم والنسيان.
ينتهي التواطؤ بين بين القانون والمجرم ببراءة الاخير وتدفن الضحية.لكن الضحية تعود من العالم الاخروي لتقتص لنفسها من الزوج-الداني بطريقة غريبة.ما هي هذه الطريقة الغربية؟.للقارئ ان يؤول ويترك العنان لذاكرته لتشخص سيناريوهات ا الانتقام.
يختتم الراوي قصته بالتدخل ليكشف عن مؤخرة الكارثة وينقد الحياة من الجريمة.
التدخل له ما يبرره لتعود الامور الى حالتها الطبيعية .ولمعاقبة الجاني. بطبيعة الحال الراوي هو سيد الموقف السردي ،بحكم ان عدم معرفته لسر ما يجري من تحالف بين الجاني والمحقق نا بع من قوة متعالية هي التي تملي طبيعة هذا التحالف.وبطبيعة الحال للقضاء على التواطؤ المفضي الى الموت لا بد من من التدخل لا نقاد الحياة من جريمة التواطؤ على الحياة. حيث يصبح الجاني بريئا .
على سبيل التركيب
لنلخص ما اتيانا على ذكره في هذا اراسة:سمتان سرديتان تطبعات محكي القصة القصيرة جدا الحدف ذلك ان الخطاب السردي ينهض على تفويض القارئ ليعيد قراءة المحكي وغعادة مل التغرات الحكائية التي يتركها الراوي بحكم انه يستعمل معجما تكثسفيا أما القارئ ففي اعادة تركيبه لأحداث المحكي يستعمل معجما تكثيفيا،وفي غعادة انتاجه للمحكي يتحول الى كاتب ثان ،لكن وهدا ما تكشف عنه مسار التلقي بين الراوي والمروي له في مطعم "هالة" أن المقارفقة لا تتسلل الى مفارقة الموقف التي تنتهي بها المحكي بل ايضا المفارقة تنسل خفية الى مسار التلقي والتواصل بين الراوي والمروي له بحكم ان الراوي لا يفهم طبيعة نا يحكيه.الازمو تمتد الى العلاقة بين الراوي وما يرويه بححكم ان أزمو التقة قائمة قبليا بينهما.ليس غريبا ان يلجا عبدالله المتقي الى جهات سردية Modalités narrativesأخرى كمفهوم المرآة والجنس والجنون والانتحار التي الى غواليات عميقة يمارس عبرها وباسطتها حفريات نفسية وسياسية وثقافية في اعماق العلامات-الشخوص في علاقتها بمرجع يعش بدوره مفارقات متنوعة. القصة القصيرة جدا في الوطن العربي هي كتابة المفارقة على مستوى الالمايحكي والحكاية والتلقي.
6-لنتذكر في هذا الاطار مسرحية"في انتظار غودو لصمويل بكيت نلكن للنتظار طعمه الخاص عند
الانتظار كيتيمة كونية في الادب العالمي(6- عبدالله المتقي
1-Gerard Gentte.Figure3.Seuil.1973 p92.
2-الحطاطة السردية ماخودة عن جان ميشال ىدام من كتابه السالف الذر.
3-lucien dallenbach-Le recit speculaire-Essai sur la mise en abime. Coll. Poetique.1911.p123.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.