حضر المغرب مرتين، في أقل من أسبوع، في حوارين للرئيسين الجزائري والفرنسي، عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون. وفي الحوار الأول، الذي تحدث فيه الرئيس الجزائري مع يومية "لوفيغارو" الفرنسية،في نهاية دجنبر الماضي كانت تصريحات تبون، كما العادة، مغرقة في ضباب تاريخي وفي تداعيات تتداخل في طياتها استرجاعات الماضي (الذي يحققه بأشباحه) وانفعالات العجز عن تدبير مرحلة صعبة من تاريخ بلاده الحالي وتعفن نظام وجد نفسه معتقلا داخله بلغة الرئيس الفرنسي نفسه. في الحوار ذاته، يقول تبون إن قرارات نظامه ضد المغرب، من غلق الأجواء وقطع العلاقات الديبلوماسية، جاءت حلا بديلا! إذ اعتبر بأن «قطع العلاقات مع المغرب كان البديل عن الحرب» مضيفا أن «الوساطة مع الرباط غير ممكنة حاليا»! وبذلك نفهم من جوابه على «الفيغارو»، أن القطيعة كانت حربا! بوسائل الديبلوماسية! ونستشف، بدون قرينة معلنة، بأن الذين يتحكمون في القرار كانوا يخططون لهذه الحرب، وبأن القطيعة جاءت كحد أدنى بين المقررين وبين آخرين ربما كانوا يميلون إلى خيار آخر، أو قل إن القطيعة المعلنة هي المقابل الموضوعي للحرب... ونحن نسأل بناء على ما سبق: هل انتهت آفاق الحرب؟ يبدو أن رد الرئيس الفرنسي، الذي سيستقبل عبد المجيد تبون في القادم من الأيام، ويستعد لذلك وسط ضجيج الذاكرات المتناحرة، والعجز المتبادل في «فهم» المغرب، (هذا الرد) يشبه رجع الصدى لما قاله تبون مع هامش للأمنيات بأن ينتصر رأيه على قتامة الاحتمال. ويقول في سياق سؤالنا: «لا أعتقد بأن المغرب والجزائر لهما هذا الأفق الحربي». وماكرون، هو بدوره يتكلم عن المغرب الغائب الحاضر، ويستحضر هو أيضا الحرب الممكنة... ويعبر عن نوايا ما ولكن بلغة غير لغة تبون: هل الحرب بين المغرب والجزائر ممكنة؟ يسأل الروائيّ والكاتبُ الفرنكو جزائري كمال داوود الرئيسَ ماكرون في حوار «لوبوان» المنشور هذا الأسبوع، وهو يستحضر الحرب الروسية الأوكرانية كخلفية قائمة. الجواب الذي قدمه الرئيس كان: «السؤال مهم، ولا أريد أن أفكر في هذا الأمر ولا الاعتقاد فيه لأنه، لا الجزائر ولا المغرب قوى لاعقلانية(...)َ التوتر بين البلدين موجود وهو حقيقي، وما يقلق في الأمر هو عندما يتحول التوتر إلى حقيقة مهيْكِلة للفعل الوطني وللحياة السياسية من الجهتين. بالنسبة للجزائر والمغرب وفرنسا تهدئة التوتر بين الاثنين جد مهمة.. ولا أعتقد بأن الحرب واقع يمكنه أن يحدث، في المقابل أرى(حقيقة) تخمينات البعض و«فانطازم» البعض الآخر، بل حتى إرادة الحرب عند بعض ثالث.. وأرى الفجوة القائمة بفعل ذلك…».. رد ماكرون إذن يحاذي الرئيس الجزائري أكثر مما يقوم بالقراءة الفعلية والقريبة من الواقع لمجريات طبيعة العلاقة بين البلدين.. هو تناسى أن المغاربة وفي مقدمتهم جلالة الملك، يسعون إلى إخراج المنطقة من «الاستحالة » السلمية، والبحث عن منطقة سلم تعاوني في تدبير الملفات العالقة، بل لا نظن بأن فرنسا يغيب عنها أن الطرف «الذي تمت هيكلته» بشكل خطير جدا داخل منطق الحرب، هو النظام الجزائري وبوضوح كبيييير. وإذا كان الرئيس الفرنسي تحدث عن «ثلاثية المغرب وفرنساوالجزائر» باعتبار أن التهدئة جد مهمة، فهو يضع نفسه في منطق المغرب حقيقة! كما أنه يرد على تبون الذي قال إن القطيعة قائمة وإن الوساطة لا مكان لها.. بين الوساطة والقطيعة مجرد خطوة بلاغية في الواقع، لأن السعي إلى التهدئة يمر بالضرورة عبر الحوار، وهو في حالة البلدين المغاربيين في حاجة إلى وساطة. هل يكون ماكرون شاهدا على حقيقة النوايا وعجز الرئيس الجزائري عن الخروج من نظام متآكل يسجنه داخله؟ هل سيميل إلى تزكية أطروحة العسكر بالتلويح بالحرب لأجل تقوية الطرف المشتاق إليها أكثر من غيره، ويخفي بها آثار حرب حقيقية ما زالت ترخي قتامتها على ذاكرة فرنساوالجزائر؟ هل يتحرر بالفعل من رهانه على نظام «هيكلته» الإرادة الحربية وشكَّله فانظازمها بما لا يخفى عليه؟ هذه الأسئلة وغيرها لا يمكن أن تتفاداها فرنسا التي تساعد النظام على بناء مستقبل محتمل، مع ما يمكنه ذلك من تهديد على.. فرنسا بذاتها. أَفَلم يكتب السفير الفرنسي السابق لمدة ولايتين في الجزائر كزافيي ديينكور بأن الجزائرالجديدة تنهار، وأنها قد تجر معها الجمهورية الفرنسية في انهيارها؟