رئيس مجلس المستشارين: الدولة مطالبة بأن تكفل لممارسي مهنة المحاماة إمكانية القيام بذلك من دون لا عوائق، ولا مضايقة، ولا تدخل منسق قطاع المحامين الاتحادي: تحديث قانون مهنة المحاماة لا بد أن يتم بتمثل دستور 2011 في أبعاده القانونية والمؤسساتية والحقوقية وزير العدل: السؤال المركزي الذي كان مطروحا هو هل ننقذ المحامي أم ننقذ مهنة المحاماة، فكان الاختيار إنقاذ المهنة رئيس الفريق الاشتراكي: المحامون المغاربة كانوا في طليعة المساهمين في اهم الأوراش الإستراتيجية الهامة بالبلاد التأمت فعاليات سياسية وقانونية وحقوقية وجمعوية في إطار ندوة «من أجل أطار قانوني حداثي لمهنة المحاماة» التي نظمها قطاع المحامين الاتحاديين بتنسيق مع الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين، أمس الخميس 05 يناير 2023، بمقر المجلس، من أجل تدارس والتداول في قانون مهنة المحاماة. تميزت هذه الندوة بحضور وازن ونوعي بالنظر لأهمية الموضوع، وراهنيته في الحوار العمومي المفتوح حوله، والاحتقان الذي عرفته مهنة المحاماة مؤخرا، إبان التحضير لقانون المالية 2023 ، وخروج مسودة حول قانون المهنة لوزارة العدل، وكان في مقدمة الحضور رئيس مجلس المستشارين النعم ميارة، ووزير العدل عبد اللطيف وهبي، والكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إدريس لشكر، ورئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب عبد الرحيم شهيد، وعدد من النقباء وبعض أعضاء مجالس الهيئات والمحاميات والمحامين والبرلمانيين والمستشارين وبعض أعضاء المكتب السياسي للحزب. في مستهل هذا اللقاء، اعتبر يوسف ايدي رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين، أن عقد هذه الندوة يعكس عمق الوشائج وانسجام الرؤية ووحدة الرسالة والهدف ضمن أحد أركان أسرة العدالة بالبلاد، وهي المحاماة، مبرزا في نفس الوقت أن الندوة تحمل الكثير من الرمزية والدلالات وإشارة قوية إلى التوجه الذي نأخذ به داخل الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين من أجل خلق دينامية متجددة للحوار والنقاش في سبيل تطوير ركائز دولة الحق والقانون. وأشار رئيس الفريق الاشتراكي بنفس المناسبة إلى أن الأمانة والنزاهة الفكرية تقتضي أن نعترف بأن المحامون المغاربة، وعلى امتداد تاريخهم الكبير، كانوا في طليعة المساهمين في أهم الأوراش الإستراتيجية الهامة، ودافعوا عن مبدأ استقلال السلطة القضائية، وتكريس الحق في الدفاع بشكل كامل، معبرين في كثير من المحطات والمناسبات عن إيمانهم العميق، بضرورة تحقيق هذه المطالب كخيار أساسي ومنطلق حتمي لتكريس دولة القانون. وفي ذات السياق، أكد رئيس الفريق أن «ونحن نعيش على ثمار هذا الإرث، فإننا ملزمون بمواصلة هذه السيرورة جنبا إلى جنب، كل من جانبه، بغرض الحفاظ وصون حقوق الأجيال القادمة، وهو ما حرص عليه حزبنا، حيث التزمنا كحزب اشتراكي للقوات الشعبية، ومن خلاله كفريق اشتراكي بمجلس المستشارين بوضع منهجية أساسها تعزيز آليات الحوار والتواصل مع كل الفاعلين في قطاع العدالة، وخاصة السادة المحامون، وذلك في مجالات مختلفة ذات أبعاد تكوينية وتواصلية وتدبيرية، الهدف منها الرفع من مستوى المعرفة القانونية والقضائية والحد من العراقيل العملية ودعم فرص النجاعة والجودة بمعايير دولية ضمن الأفق التشريعي». واعتبر الكاتب الأول للحزب، إدريس لشكر، أن أي إصلاح لقانون المهنة لابد أن يأخذ بعين الاعتبار التحولات المجتمعية التي عرفتها البلاد، والتغييرات الجوهرية، ثم التطورات الدولية وعدد من القضايا الأساسية التي لابد أن يتضمنها هذا الإصلاح المنشود، مضيفا في نفس الوقت أن كل محاولة لإصلاح المهنة اليوم، يتعين أن تنطلق من تشريح علمي موضوعي وعقلاني لأوضاع المهنة ومن تم الاستجابة لما تحتاجه من تدابير وإجراءات تعالج اختلالاتها وتروم تعميق حصانتها واستقلاليتها، وتوسيع مجالات احتكارها وتعزيز مكانتها وتحديث أساليب ممارستها. وأوضح الكاتب الأول أن السلطة التنظيمية لها اختصاصاتها، فوزير العدل من حقه أن يقترح مسودة مشروع قانون ويطرحها على الرأي العام والهيئات المهنية للتداول والنقاش فيها، فبعد تمريرها في مجلس حكومي تصبح مشروع قانون، لكن الخلاف مع الأسف، كان في المنهجية التي سارت بها الأمور، مشددا على أن الاتحاد الاشتراكي، ومن موقع المعارضة، لا يمكن إلا أن يكون مع كل المبادرات الإصلاحية. وشدد الكاتب الأول على أن مؤسسات هيئات المحامين وعلى رأسها جمعية هيئات المحامين لها الدور الأول والحق في مناقشة هذه المسودة، مشيرا إلى أن ما تم التوافق عليه بين الجمعية والوزارة من مقاربة تشاركية في إعداد مشروع قانون المهنة، خاصة أنها مقاربة ينص عليها دستور المملكة ، لا يمكن إلا أن تنضج مشروع في مستوى تطلعات المحاميات والمحاميين. إلى هذا، سجل الأستاذ لشكر أن جمعية هيئات المحامين كإطار عتيد عبر التاريخ التي أسسها الرواد والقيدومين، والتي تعتبر قوة دفع للبلاد وجامعة لكلمة المحاميات والمحامين ومعبرة عن تطلعاتهم وحاجياتهم التي تخص المهنة، وحامية لمكتسباتها، من الضروري أن نظل مدافعين عن هذا الإطار كإطار مستقل وشرعي ووحيد ككمثل للمحامين، ومن تم ضرورة تحديث أساليب اشتغاله للدفاع عن الحقوق والحريات. وحدد الكاتب الأول بعض القضايا الأساسية التي لابد أن يتضمنها هذا الإصلاح المنشود وفي إعادة تعريف مهنة المحاماة باعتبارها رسالة ذات أبعاد حقوقية وإنسانية، واعتبارها شريكا للقضاء في إنتاج وتحقيق العدالة وسيادة القانون، ثم ضرورة استحضار مقتضيات الفصل 19 من الدستور بشأن المساواة بين الجنسين، بالإضافة إلى ضرورة تمثيلية المحاميات في المؤسسات المهنية، يتعين تقييم النظام المعتمد حاليا في انتخاب النقيب وأعضاء المجلس، وتوفير شروط استقبال تحفظ كرامة المحامين، لا بد من توسيع مجال احتكار المهنة. كما يتعين اعتماد مقاربة المباراة على قاعدة الاحتياجات الفعلية للمهنة، عوض منهج الامتحان المعتمد حاليا مع ما يخلفه من آثار. وأضاف في ذات السياق أن الإصلاح لابد أن يتضمن ضرورة تحديث مكاتب المحامين والمحاميات لمواكبة التطورات التكنولوجية والمعلوماتية ومستجدات الثقافة القانونية والعامة، كما دعا الكاتب الأول الى ضرورة التفكير الجدي في وجود حاجة فعلية لمجلس وطني للهيئات والتفكير في تركيبته واختصاصاته، بالشكل الذي يحفظ للنقباء ومجالس الهيئات اختصاصات تدبير الشأن المهني. ومن جانبه، أكد النعم ميارة رئيس مجلس المستشارين في كلمة له بالمناسبة، أن مهنة المحاماة وممارستها بحرية عنصراً تشكل مركزيا لا غنى عنه بشأن سيادة القانون، وحماية حقوق الإنسان، واستقلالية القضاء، وتساهم ممارستها بحرية في كفالة اللجوء إلى القضاء، ومراقبة سلطة الدولة، وحماية الحق في المحاكمة وفق القواعد القانونية والضمانات القضائية. وشدد رئيس المجلس على أن الدولة من الضروري أن تكفل لممارسي مهنة المحاماة إمكانية القيام بذلك، من دون تخويف، ولا عوائق، ولا مضايقة، ولا تدخل، على نحو ما تشير إليه المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية إلى الحق في المساواة أمام المحاكم، وفي المثول أمام محكمة مختصة ومستقلة ومحايدة. وتنص الفقرة 3 (ب) من هذه المادة على حق كل متهم في الاستعانة بمحام يختاره بحرية، فضلا على الحق في التمثيل القانوني. وأضاف الرئيس ميارة على أن الدول أن تكفل إمكانية أداء المحامين جميع مهامهم المهنية من دون تخويف أو عرقلة أو مضايقة أو تدخل غير مبرر، وعدم تعريضهم للتهديد بتعريضهم للملاحقة القانونية أو العقوبات الإدارية أو الاقتصادية أو غيرها، بسبب اتخاذهم أي إجراء يتوافق مع واجبات مهنتهم وقواعدها وأخلاقياتها المعترف بها (المبدأ 16). ووفقاً للمبدأ 18، لا يجوز أخذ المحامين، كنتيجة لأداء وظائفهم المهنية، بجريرة موكليهم أو قضاياهم. إلى ذلك، نوه رئيس مجلس المستشارين بمسودة النص المقترح، التي تستلزم من جهة التجويد، عند الاقتضاء، والملاءمة مع المعيار الدولي الحقوقي، والاسترشاد بما استنتجه وما أوصى به المقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين، دييغو غارسيا – سايان المقدم لمجلس حقوق الإنسان شهر يوليوز 2022 حول «حماية المحامين من التدخلات غير المبررة في ممارسة المهنة القانونية بحرية واستقلالية». وأورد رئيس مجلس المستشارين ما أوصى به هذا المقرر الخاص حول ضرورة أن تتخذ الدول جميع التدابير اللازمة لضمان الممارسة الكاملة لمهنة المحاماة، أياً كانت الظروف، على نحو يمكِّن المحامين من ممارسة حقوقهم وواجباتهم المهنية المشروعة بلا خوف من الانتقام ومن دون أي قيود، بما في ذلك المضايقة القضائية، مما يعني اتخاذ تدابير فعالة من أجل التنفيذ الكامل، في القانون والممارسة، للمبادئ الأساسية بشأن دور المحامين وغيرها من المعايير المتعلقة باستقلال مهنة المحاماة. وفي كلمة له بالمناسبة، أبرز عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، أن مهنة المحاماة تعيش وضعا صعبا بسبب التحولات المجتمعية وتأخير إصلاح قانون المهنة، منذ أن عرف إصلاحا في عهد وزير الراحل محمد بوزبع، مضيفا في نفس السياق أن تغييرات وقعت في قانون السلطة القضائية، لكن قانون المهنة بقي على كحاله وأصبحنا أمام سرعتين. وأوضح وزير العدل أن وضعية مهنة المحاماة التي وصلت إليها اليوم، ليست من مسؤولية المحاميات والمحاميين، بل مسؤولية ما سماه الوزير بالمحيط، لذلك لدينا إرادة في اصلاح قانون مهنة المحاماة حتى يصبح مواكبا لكل التطورات والمستجدات المجتمعية والقانونية. وأشار الوزير وهبي إلى أنه في حوار مع وزير التعليم العالي من أجل تدارس إشكالية خريجي جامعة الحقوق الذين لا يمكن أن تكون مهنة المحاماة هي الحل الوحيد لهم، مشددا على أن يجب إعادة النظر في تكوين مهنة المحاماة، من أجل أن تعكس هذه المهنة شكل الاقتصاد الوطني والتطور المجتمعي المغربي. وكشف وزير العدل أن السؤال المركزي الذي كان مطروحا هو هل ننقذ المحامي أم ننقذ مهنة المحاماة، فكان الاختيار هو إنقاذ مهنة المحاماة، متوقفا عند مسار التكوين للمحامين ثم الخدمات الإدارية التي يمكن أن يضطلع بها المحامي نيابة عن موكله أمام الإدارات العمومية والخاصة، كما استعرض بعض مضامين ومقترحات مسودة قانون المهنة. من جهته، أكد النقيب علال البصراوي المنسق الوطني لقطاع المحامين الاتحاديين، أن تنظيم هذه الندوة حول قانون مهنة المحاماة، يأتي انسجاما مع تصورات حزبنا الساعية إلى المساهمة في بناء الدولة الديمقراطية الحداثية، وبناء على دستور المملكة الذي نص في تصديره على «أن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة… «. وأوضح المنسق الوطني، أن طرح قطاع المحامين الاتحاديين اليوم «تحديث قانون المهنة، لا ينطلق من فراغ، بل هو عمل مستمر لقطاع ضم أجيالا من خيرة أبناء هذه المهنة وروادها، إذ ما خلا قطاع في المغرب ولا سلطة من السلطات الثلاث في البلاد من مساهمتهم فيه منذ استقلال المغرب إلى اليوم. وان تبنينا للتحديث في قطاع العدالة هو الذي يجعلنا اليوم نتفاعل بكثير من التقدير للأفكار التي يعلن عنها السيد وزير العدل، خاصة تلك المتعلقة بتحديث القانون الجنائي في موضوع الحريات الفردية والعقوبات البديلة أو تعديلات مدونة الأسرة وغيرها. وذكر النقيب البصراوي أن القانون هو إحدى الوسائل الأساسية لتحديث الدولة، إذ كف القانون منذ سنوات عن الاكتفاء بمجرد تنظيم العلاقات بين الأفراد والجماعات أو المؤسسات، بل أصبح أداة لتغيير هذه العلاقات والرقي بها حين يكون المشرع سباقا لابتكار الحلول وابداع الوسائل للخروج من الأزمات، واستشراف آفاق يرسمها للمجتمع. ولعل هذا هو المطلوب اليوم في مشروع قانون مهنة المحاماة، الذي يطرح في وقت يتفق فيه الجميع على أن المهنة تعيش أزمة مركبة تتداخل أسبابها بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي، وبين ما هو قديم ظل يتراكم لسنوات طويلة، وما هو جديد فرضه المناخ العام الذي تمارس فيه المهنة. وشدد النقيب البصراوي على أن المحامين عنصر أساس في منظومة العدالة التي هي بدورها أحد الأعمدة الاساسية للدولة، فإن تحديث المهنة من مدخل القانون يساير بلا شك هذا السعي العام في اتجاه التحديث من جهة، وفي اتجاه ايجاد مخارج لأزمة المحاماة من جهة أخرى. وبالموازاة مع ذلك، أكد النقيب البصراوي أن تحديث قانون مهنة المحاماة لا بد أن يتم بتمثل نص وروح دستور 2011 في أبعاده القانونية والمؤسساتية، لكن أيضا الحقوقية، خاصة في ظل هذا الدستور بالضبط الذي صنفه فقهاء القانون الدستوري على أنه من دساتير صك الحقوق. وربط المنسق الوطني لقطاع المحامين الاتحادين صدور قانون للمهنة اليوم بضرورة تضمن اعتماد مقاربة النوع الاجتماعي، اعتماد المقاربة التشاركية في التقرير والتنفيذ بين أجهزة الهيئة، اعتماد مبدأ الشفافية في تدبير شؤون المهنة ، اعتماد مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، فضلا عن ضرورة أن يرتكز على ضمان تكوين علمي ومهني قوي لأجيال المحامين وضمان هذا التكوين عبر النص القانوني على مؤسساته وآلياته. وأكد نفس المتحدث في كلمته، على أن الأهم هو كيف يمكن أن يكون القانون أداة لضمان كرامة المحامي ومكانته في المجتمع، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال توسيع مجال اشتغال المحامي، وجعله المدخل الوحيد، ليس للولوج إلى العدالة الذي كفت المنظومة الحقوقية عن الحديث عنه منذ سنوات، بل الولوج المستنير إلى العدالة الذي يتضمن الغاية من الولوج، وهي الوصول إلى الحق وليس مجرد التقاضي. ونبه النقيب البصراوي إلى أن ضيق المجال والمناخ الذي يمارس فيه المحامون اليوم يخلق احتقانا مستمرا يظهر في لحظات ومحطات هنا وهناك، وأن بعض التيارات لا تخفي نيتها في جعل هذا الاحتقان وقودا لحركيتها ذات الأبعاد الأخرى غير المهنية. وتابع: «من شأن التخفيف إن لم نقل القضاء على أسباب الاحتقان، أن يضع حدا لكل النوازع غير المهنية حتى تظل مهنة المحاماة حرة مستقلة مساهمة في إحقاق الحق.»