اختتمت بطولة كأس العالم، التي استضافتها قطر بمباراة تاريخيّة بين الأرجنتينوفرنسا، انتهت بفوز الأرجنتين وفريقها الذي يقوده ليونيل ميسي. كانت مفاجأة البطولة صعود الفريق المغربي إلى الدور نصف النهائي. حلّ المنتخب المغربي رابعا في ضوء خسارته المنافسة على المركز الثالث أمام كرواتيا، التي يضمّ فريقها عددا كبيرا من النجوم العالميين. وكشف المونديال أن هناك فارقا بين من يعرف المغرب ومن لا يعرفه. لم يكن أداء الفريق المغربي حدثا عاديا يمكن فصله عن تراكم للنجاحات في الداخل المغربي. نعم، كان هناك تداخل بين السياسة والرياضة في أحيان كثيرة، خصوصا بعدما سعت غير جهة إلى استغلال النجاحات المغربية في سياق لا علاقة له لا بالمغرب ولا بواقع الحال بمقدار ما له علاقة ببحث بعضهم عن انتصار يعوّض عن الفشل والخيبات. تكمن أهمّية ما حققه الفريق المغربي في بطولة العالم في أنّه إنجاز مغربي أولا وأخيرا من دون تجاهل البعدين الإفريقي والعربي لما تحقّق. هذا ما أكده مدرب الفريق خالد الركراكي بالصوت والصورة مركزا على الدور الذي لعبه العاهل المغربي الملك محمّد السادس في إيصال كرة القدم المغربيّة إلى المستوى الذي وصلت إليه. من هذا المنطلق، بارك العاهل المغربي لأعضاء الفريق الذي استقبل بحفاوة كبيرة في الرباط، "الإنجاز التاريخي غير المسبوق". كان الاستقبال دليلا على أن في المغرب عائلة كبيرة تضمّ أهله وتضمّ المغتربين المنتشرين في كلّ انحاء العالم، يربط بين الجميع الولاء للملك وللمغرب كدولة حضارية تنتمي إلى نمط مختلف من التفكير العصري. أعرب الملك محمد السادس لأعضاء الفريق عن "بالغ شكره وعميق اعتزازه وفخره بما أبدعوه خلال هذا الملتقي الكروي الكبير، من أداء رائع وانضباط متميز، يعكس الاحترافية العالية والتنافسية القوية، والغيرة الوطنية الصادقة والقيم الإنسانية الراقية التي يتحلّون بها، كما يجسد روح التحدي والإصرار على بذل أقصى الجهود لإعلاء لواء كرة القدم المغربية على الصعيد العالمي، وتمثيل كرة القدم الإفريقية والعربية أفضل تمثيل. هذا الإصرار المتقد الذي أذكته تشجيعات الجماهير المغربية الشغوفة". جاء هذا الحدث غير العادي، الذي شهدته بطولة كأس العالم بعد تعادل للفريق المغربي مع كرواتيا وفوزه على بلجيكا وإزاحته إسبانيا ثمّ البرتغال. لكلّ دولة من هذه الدول مكانتها المعترف بها عالميا في مجال كرة القدم. في الطريق إلى الدور نصف النهائي، كان الفوز على كندا بمثابة نزهة للمغرب. بغض النظر عن الفريق الذي توّج، وهو فريق الأرجنتين، يمكن القول إن المغرب من بين أكبر الفائرين في هذه البطولة. بعثت المملكة برسالة في غاية الوضوح. مضمون الرسالة أن ليس في الإمكان الاستخفاف بالمغرب وتجربته بأيّ شكل من الأشكال. من يفعل ذلك في غاية الغباء لا أكثر. الأهمّ من ذلك كلّه أن الفوز المغربي لا يمكن أن يكون موضوع مزايدات عربيّة أو فلسطينيّة، خصوصا أن ليس في الإمكان لأيّ طرف عربي وغير عربي المزايدة على المغرب فلسطينيا. ليس سرّا ما قدمه المغرب من أجل فلسطين والفلسطينيين والقدس تحديدا، كما ليس سرّا أن دماء الجنود والضباط المغاربة روت أرض الجولان في حرب تشرين الأوّل – أكتوبر 1973. شكلت بطولة كأس العالم فرصة لاكتشاف المغرب بعيدا عن كلّ أنواع المبالغات من جهة ورفض معرفة ما هي المملكة المغربيّة على حقيقتها من جهة أخرى، هذا يعني بكلّ بساطة الاعتراف بأنّ الإنسان هو من صنع الفوز المغربي. الإنسان، الذي راهن عليه الملك محمّد السادس، هو في أساس النجاح المغربي. ما شهدته المباريات التي خاضها الفريق المغربي، خصوصا في مجال التماسك بين اللاعبين وتصرفهم اللائق، كان تعبيرا عن إيمان المغاربة بوطنهم وبسياسة بناء الإنسان التي اعتمدها الملك محمّد السادس. هناك همّ واحد للملك يتفوق على كلّ الهموم الأخرى. هذا الهمّ هو الإنسان المغربي. نجح المغرب حيث فشل آخرون من جيرانه القريبين.. وآخرين بعيدين عنه. لماذا فشل هؤلاء؟ يعود ذلك قبل كلّ شيء إلى أن الجيران القريبين والبعيدين لا يعرفون المغرب. لا يعرفون شيئا عن دور المرأة المغربيّة التي تعمل في أحيان كثيرة ليلا ونهارا من أجل تأمين حياة كريمة لعائلتها. لا يعرفون تلك العلاقة داخل العائلة المغربيّة، بين الأمّ وابنها حتى لو أصبح لاعبا مشهورا لديه مكانة خاصة به في فريق أوروبي كبير. أكثر من ذلك، لا يعرف الفاشلون مدى عمق العلاقة بين الملك والشعب ومدى اهتمام محمّد السادس بالمرأة وبكلّ مواطن. لا يعرفون مدى تعلّق المغاربة بوحدتهم الترابيّة ومغربيّة الصحراء، وهي الزاوية التي ينظر من خلالها محمّد السادس إلى العلاقة مع بقية الدول في كلّ أنحاء العالم، بمن في ذلك فرنسا التي تتحكّم ببعض كبار المسؤولين فيها عقد عدّة ذات علاقة بالمغرب. من فاز كان المغرب الذي يعترف بكلّ الثقافات التي ساهمت في تكوينه، وهي ثقافات معترف بها في الدستور. أخيرا، من فاز كان المغرب الذي ليست لديه عقد تجاه مواطنيه بغض النظر عن ديانتهم. هذا ما سهّل المحافظة على العلاقة القويّة مع الجالية اليهودية في مختلف أنحاء العالم، في إسرائيل والولايات المتحدة والدول الأوروبيّة المختلفة. كلام كثير يمكن أن يقال عن الفوز المغربي وعن محاولة الكثيرين من العرب والفلسطينيين ركوب موجة هذا الفوز وتجاوز حقيقته. يبقى أهمّ ما يمكن قوله إنّ معظم العرب تعوّدوا على الهزائم. لن يخرجهم مما تعودوا عليه لا تحوير الفوز المغربي ولا ركوب موجته. ما يمكن أن يخرجهم من تلك الروح المبنيّة على التخلّف السعي إلى التعرّف على المغرب كرمز حضاري متقدهم بعيدا عمّا أصاب بعضهم بعد فوز فريقه على ثلاثة من أقوى الفرق في العالم (بلجيكاوالبرتغال وإسبانيا) في مونديال قطر.