كما هو مقرر في القانون التنظيمي لمجالس الجهات انعقدت دورة أكتوبر2022 لمناقشة الميزانية وبرمجتها في أغلب جهات المملكة، فمنهم من ناقش الميزانية في 10 دقائق ومنهم من ناقشها في 3 دقائق و… ومن خلال تصريحاتهم لوسائل الإعلام أن أغلبهم يتبجح بالاهتمام بالجانب الاجتماعي، ومن خلال الواقع الملموس، يبدو أن هذا مجرد كلام فارغ للاستهلاك فقط ؛ لأن الوضع الذي يعيشه المواطنون خاصة في هوامش المدن والعالم القروي وضع كارثي بعيد كل البعد عن هذه التصريحات الجوفاء، وبعيد أيضا عن الحياة الكريمة التي يجب أن يعيشها كل المغاربة على حد سواء،كما نص على ذلك دستور البلاد، وإذا كانت الميزانيات محدودة كما صرح بعضهم بذلك لا تفي بالغرض التنموي، وأن بعض الجهات التجأت إلى القروض من صندوق التجهيز الجماعي لتلبية مطالب السكان ؟؟ فإن الخفي في ميزانية مجالس الجهات، الذي لا يعرفه المواطنون هو التعويضات عن التمثيل والتنقل الضخمة،التي حددها المرسوم رقم 2.16.495 الصادر في 6 أكتوبر 2016 حيث يمنح لرئيس مجلس الجهة ونوابه وكاتب المجلس ونائبه ورؤساء اللجان الدائمة ونوابهم ورؤساء الفرق تعويضا صافيا شهريا عن التمثيل، نوردها لتنوير الرأي العام، وهي كما يلي: رئيس مجلس الجهة مبلغ: 40.000درهم، (أربعة ملايين سنتيم) إضافة إلى ذلك، يستفيد من تعويض شهري قدره خمسة عشر ألف 15.000 درهم، (مليون سنتيم ونصف المليون) إذا لم تخصص له الجهة سكنا وظيفيا بمقر الجهة والمجموع هو 5 ملايين سنتيم ونصف المليون، وهي تعويضات تفوق تعويضات الوزير ؟؟؟ نواب الرئيس مبلغ: 15.000 درهم (مليون سنتيم ونصف المليون). كاتب المجلس مبلغ: 4.000درهم. نائب كاتب المجلس مبلغ : 2.000درهم. رئيس لجنة دائمة مبلغ: 4.000 درهم. نائب رئيس لجنة دائمة مبلغ 2.000درهم. رؤساء الفرق مبلغ: 2.000درهم. كما يستفيد رئيس مجلس الجهة ونوابه وباقي أعضاء مجلس الجهة من تعويضات يومية عن التنقل بمناسبة المهام التي يقومون بها داخل المغرب وخارجه لفائدة المجلس الذي ينتمون إليه. وهي كالتالي رئيس مجلس الجهة: 350 درهما داخل المغرب و2500 درهم خارج المغرب لليوم الواحد . نواب رئيس مجلس الجهة: التعويض اليومي عن مصاريف التنقل الممنوح لمديري الإدارة المركزية وفق النصوص التنظيمية الجاري بها العمل . باقي أعضاء مجلس الجهة: التعويض اليومي الممنوح لموظفي الدولة المرتبين في السلم 11 وفق النصوص التنظيمية الجاري بها العمل، وتعويضات جزافية في نهاية كل ستة أشهر… هذه التعويضات تضاعفت 5 مرات عن التعويضات السابقة التي كان يتقاضاها أعضاء مجلس الجهة في القانون المنظم للجهات رقم 96 /47 . وهي تهم 12 جهة كما هو معلوم؛ وإذا أردنا أن نقوم بعملية حسابية فسنجد أن الملايير تذهب إلى جيوب المنتخبين، ومثل هذه التعويضات بنسب أقل في المجالس الإقليمية والجماعات المحلية والغرف الفلاحية والصناعية والتجارة والخدمات، ومن هؤلاء الأعضاء الذي يتقاضى هذه الأموال يملك الملايير ومنهم المقاولون والتجار وكبار الفلاحين والموظفين على اختلاف مشاربهم؛ هذا في الوقت الذي يعيش فيه الشباب المغربي البطالة والعطالة ، ومنهم من لا يزال يحلم بركوب قوارب الموت أو اختيار المغامرة عبر دول أخرى للوصول إلى فردوس أوروبا المفقود … وأعتقد أن هذه التعويضات ستكون كافية لتوظيف الآلاف من هؤلاء المعطلين، لو أن الدولة قننتها وربطتها فقط بالتنقل أو القيام بالمهام أو الاجتماعات الدورية، كما هو معمول به في الكثير من الدول المتقدمة، أما أن تكون رواتب قارة فهذا ما لا يتماشى مع منطق الديمقراطية والقانون، لأن أغلب الأعضاء لا يقومون بأي عمل يذكر ويتقاضون مبالغ مالية كبيرة، إضافة إلى رواتبهم الشهرية في الوظيفة العمومية ؟؟ أضف إلى ذلك المنح التي تعطى للجمعيات، والتي أصبحت محط فضائح كبرى حيث نجد الكثير من المنتخبين يؤسسون جمعيات صورية للاستحواذ على هذه المنح التي تعد بالملايين وتفويت بعضها للأقارب والكائنات الانتخابية، وما خفي أعظم …. والأمر لا يتوقف عند هذه التعويضات بل يتعداه إلى أسطول من السيارات التي تستخدم بدون حسيب أو رقيب في التنقلات المستمرة بدون فائدة والتنقلات العائلية بدون حياء ، إلى المخيمات وأماكن الاستجمام، بل منهم من يستعمل سيارات الدولة في تنقل أولاده إلى المدارس صباح مساء، أضف إلى ذلك الملايين التي تنفق في التغذية والإطعام في الاجتماعات الرسمية وغير الرسمية . وكذلك التعويضات التي يتقاضاها أعضاء المجلس في السفر إلى المهرجانات الوطنية، مهرجان الفرس بالجديدة، مهرجان الفلاحة بمكناس ، مهرجان التمور بالراشيدية وغيرها من المهرجانات الوطنية والمحلية لكل جهة … هكذا تصرف الملايير بطريقة بعيدة عن الحكامة الجيدة والترشيد، في الوقت الذي نجد فيه المواطنين في العديد من القرى والمداشر والبوادي يعانون من الفقر المدقع وندرة الماء الصالح للشرب وغياب المراكز الصحية والمؤسسات التعليمية وغيرها من الخدمات الأساسية … لقد اختار المغرب الجهوية المتقدمة لأسباب متعددة، وعلى رأسها خدمة المواطنين، لذلك نجد أن الدستور المغربي الجديد خص التنظيم الجهوي بأهمية كبرى حيث يقول في تصديره ما نصه: «إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة». كما ينص الدستور على أهمية المجالس المحلية والإقليمية والجهوية في فصول بلغ تعدادها 11 فصلا تبدأ من الفصل 135 إلى الفصل 146 كلها تتحدث عن دور المجالس في التنمية والحكامة الجيدة وحسن التدبير و خدمة المواطنين … هذا ما ينص عليه الدستور، أسمى قانون في البلاد، والذي من المفروض أن يكون تطبيقه على أرض الواقع ، لأننا نقترب من السنة الثانية عشرة من الزمن الذي تمت المصادقة عليه، ولكن يبدو أنه لا يزال حبرا على ورق ؟؟؟ وحتى إذا عدنا إلى الوراء فسنجد في القانون المنظم للجهات رقم 96/47 الإلحاح على أن الجهوية هي فضاء للتشاور والتداول والتكوين لخدمة المصلحة العامة، وليس المصلحة الشخصية، كما أنها تساهم في توفير مجال للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتربية الديمقراطية…. ومما كرس هذه الأهمية هو استقبال جلالة الملك، بعد الانتخابات المحلية والجهوية لرابع شتنبر 2015 رؤساء الجهات الإثنى عشر للمملكة ، الذين تم انتخابهم عن طريق الاقتراع المباشر، وجاء ذلك بعد المصادقة على القوانين التنظيمية الخاصة بالجهات والجماعات المحلية ، كما استقبل أيضا الولاة الذين تم تعيينهم، طبقا للتقسيم الإداري الجديد، وذلك من أجل التعاون بين المؤسستين ( مؤسسة الجهة المنتخبة ومؤسسة الولاية المعينة ) والعمل على تنفيذ المخططات التنموية. وخلالهذاالاستقبال أدى رؤساء الجهات والولاة القسم بين يدي الملك، (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم)، وكان في أداء القسم أمام الملك نوع من الالتزام الأخلاقي بالمسؤوليات الجسيمة التي ستكون ملقاة على عاتق هؤلاء المنتخبين والولاة المعينين، رغم أن القانون التنظيمي لا ينص على أداء رؤساء الجهات للقسم أمام الملك و لا استقبالهم، وهذا يؤكد بطريقة غير مباشرة على أن الملك أراد أن يضع الجهوية في مكانة متميزة لتكون مدخلا لتنمية المغرب إن كان أصحابها في المستوى المطلوب … نعم، لقد اختار المغرب الجهوية المتقدمة كخيار استراتيجي فيه اعتراف بالأدوار الجديدة للجهات ورؤسائها، والاختصاصات المتعددة والمستقلة التي أصبحوا يتمتعون بها، لذلك يمكن اعتبار الاستقبال الملكي، آنذاك، تدشينا لمرحلة جديدة لتدبير الشأن الترابي بالمملكة على أسس جديدة متمثلة في صلاحيات واسعة وتقريرية للجهات كخيار ديمقراطي يهدف لإحداث تحول نوعي في نمط الحكامة الترابية، وتطوير وتحديث هياكل الدولة، والتسريع بالتنمية الشاملة والمستدامة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي لترسيخ جهوية متقدمة تخدم المواطنين وخاصة منهم الفقراء والمستضعفين، يكون شعارها الحكامة الجيدة،والمساواة والديمقراطيةوالشفافية والنزاهة والعدالة المجالية بين الأقاليم ، لأن هناك أقاليم محظوظة وأخرى تعاني من الإقصاء والتهميش منذ زمن بعيد …، كما يجب تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة التي ينص عليها دستور المملكة، ومادام أن المواطن المغربي لم يشعر بالتغيير في مستوى عيشه فإن ورش الجهوية لا يزال بعيدا كل البعد عن الأهداف الكبرى التي تم تسطيرها على الأوراق … ونعتقد أن إنجاح الجهوية المتقدمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وبيئيا وتنمويا وثقافيا، يجب أن ينطلق من إعطاء الأولوية للمناطق المهمشة والفقيرة ،… كما يجب إعادة النظر في التعويضات المالية الكبيرة التي تخصص للولائم والتنقلات والحفلات والمؤتمرات والندوات ونفقات مكاتب الدراسات التي تلتهم المال العام دون جدوى كما وقع في مجلس جهة الشرق مع مكتب الدراسات «فاليانس» الذي التهم الملايير، ولم يتحقق من هذه الدراسة أي شيء يذكر لفائدة الجهة الشرقية، كما يجب إعادة النظر في التعويضات المبالغ فيها التي يستفيد منها المنتخبون ومواجهة ومحاربة كل الأشكال الفاسدة التي يتم بها نهب المال العام، والعمل على خدمة المصلحة العامة في إطار سياسة القرب والإصغاء لتطلعات المواطنين وانشغالاتهم، وتبني الشفافية والنزاهة في تدبير الشأن المالي الذي يجب أن يخدم المصلحة العامة أولا و ليس الكائنات الانتخابية ؛ فالديمقراطية لن تستقيم مع هذه الأساليب المشينة التي يتم بها هدر وتبذير المال العام …. لذلك وجب على الحكومة أن تستعيد الهوامش المالية لضمان استدامة الإصلاحات من أجل تعزيز أسس الدولة الاجتماعية كما جاء في مذكرة الوزير الأول الخاصة بإعداد مشروع قانون المالية لسنة 2023 الصادرة تحت رقم 16/2022 بتاريخ 03 غشت 2022 …