عبّر الناخب المغربي، عقب الصعوبات التي أخذ فريقه يلاقيها، بعد انتصاراته المتلاحقة أمام فرق الكبار ككندا وإسبانيا والبرتغال، عبّر عن عدم فهمه لما أخذت تعرفه مبارياته الأخيرة من صعوبات، حتى لا نقول من عراقيل. فهو لم يستطع أن يرد تلك الصعوبات إلى اللعبة الكروية وحدها، فكأنما لمس أن هناك «لعبة» أكثر جدية تُلعب خارج ميدان اللعب، هي التي تحول دون فريقه لكي يواصل تألقه في مباريات كأس العالم. ونظرا للباقته التي عهدناها خلال ندواته الصحافية جميعها، وكذا لعقلانيته الصارمة التي تجعله يميّز بين الأمور، فهو لم يتّهم أيّ جهة بعينها، ولم يوجه حتى إلى الحكام أصبع الاتهام، تاركا للجامعة أن تقوم بتلك المهمات. لم يتحدث الناخب المغربي عن مؤامرة، ولا عن «نية» خبيثة، إلا أنه أومأ إلى أن شيئا ما يحاك ضد فريقه، وأن العوائق التي يواجهها ليست عوائق رياضية فحسب، بل إنه جعلنا نشعر أن هناك من لا يرغب في تألق فريق ينتمي إلى جهات بعينها من جهات العالم. نتفهم موقف الناخب المغربي تمام التفهم. فحتى إن استشعر العوامل التي تحكم اللعبة الكروية وتتحكم فيها خارج الميادين، فإنه ظل مقتنعا بأن ذلك شأن يتجاوزه هو كناخب، وعليه أن يحصر نفسه في ميدان اللعب، ويحاول تدبير سيره، والتحكم في قواعده. وربما سمحت ميادين أخرى لغيره أن تفضح قواعد «اللعبة» الكبرى التي تغلّف أشكال اللعب جميعها، وتحول دون البعض واللحاق بركب التاريخ. ربما ليس من قبيل الصدف، وبالضبط بمناسبة تعقيب على ندوة سياسية ضمت كلا من وزير الخارجية الأسبق هوبير فيدرين والمستشار الملكي أندري أزولاي أن يثار فيها حديث عن مباراة المغرب-فرنسا، وأن يضع الأستاذ فتح لله والعلو يده على جوهر القضية، مثيرا ما لم يكن من شأن الغارقين في الرياضة أن يخوضوا فيه، فاضحا أسرار الجيوبوليتقا، بل حتى الجيمنو بوليتيقا في الوقت ذاته. فكانت مداخلته كشفا للسياق الذي تدور فيه مباراة فرنسا والمغرب، وما غلفها من شحنة سياسية شديدة، اضطرت الرئيس الفرنسي أن يشدّ الرحال إلى قطر رغم ما سبق أن صدر عن الإليزي من انتقادات حول تنظيم هذا القطر العربي للكأس، وهو أمر لم يقم به أثناء المباريات الأخرى لفرنسا. بعد أن أثنى الوزير المغربي السابق على تدخل المساهمين في الندوة، انطلق مما أشار إليه أندري أزولاي من كون المغرب في تعدده وتاريخه ومنظومته، وضمن الروابط التي تشدّ كل هذه المكونات، لا يشعر بأيّ مركب نقص. لذلك، فإنه ما فتئ يمدّ يده، ومنذ استقلاله، إلى فرنسا وإلى إسبانيا التي لا ينبغي تناسيها كمستعمر قديم احتل شمال المغرب وصحراءه. لقد مدّ المغرب يده من غير شعور بأيّ مركب نقص. فدبّر استقلاله من غير عقد. تناسى المغرب القطائع التي نخرت تاريخه وجغرافيته، وهو قادر على ذلك. واليوم، وقد تحوّل العالم وتعولم، فإن للمغرب الحق، ومن غير شعور بأي نقص، في أن يصافح الولاياتالمتحدة والصين، وفي أن يقدم يده إلى العالم. يدرك المغرب تمام الإدراك وضعه الجغرافي، جغرافيته وتاريخه. هناك إذن فرنسا، والمغرب يتشبث بعلاقته بفرنسا. وهناك إسبانيا، والمغرب يتشبث بعلاقته بالجارة الشمالية. ثم إن المغرب يصرّ على أن يظل قنطرة وصل لا محيد عنها بين أوروبا وإفريقيا. الجغرافية عنصر محدّد أساس. ونحن المغاربة لنا الحق في محاورة بقية العالم، مثلما أن فرنسا، وأوروبا بأجملها لها الحق في الانفتاح على العالم بأكمله. المهم إذن أن نتعامل في الوقت ذاته مع المقرّبين منا ومع العولمة، وأن ندبّر القرب والبعد على السّواء، ودون مركب نقص. وبما أن الحديث بدأ عن مباراة الكرة بيننا وبين فرنسا فنحن سعداء بطبيعة الحال. لكنّ هناك أيضا خصوصية ينبغي احترامها. فأن يخرج عاهل البلاد مرتديا اللباس نفسه الذي يرتديه شعب بأكمله، فهذا أمر خارق للعادة. لكن في الوقت نفسه، فإن ما ربحناه في هذه القضية، هو أن لنا الحق في أن نُحترم من طرف الآخرين. وعليهم أن يعرفوا أن في إمكاننا تدارك الآخرين، واللحاق بالركب. عليهم أن يدركوا أن لنا القدرة لكي نكون مثلهم. هذا هو المهم. ليس لدينا إذن أيّ مركب نقص، بفضل ما نحن عليه، ولكوننا قادرين على احترام الآخرين ومصافحتهم. إلا أنّنا نطلب، في هذا المسعى أن نتلقّى شيئا من الاحترام. لذلك، فحتى في قضية وحدتنا الترابية نطلب شيئا من الاحترام. تعرف كل من إسبانيا وفرنسا تمام المعرفة تاريخ المنطقة وجغرافيتها، لذا فهما يتحملان مسؤولية احترامنا في ما يتعلق بهذه النقطة. شيء من الاحترام، وحقّ في تدارك الآخرين واللحاق بالركب، لعل هذا ما كان بالضبط، هو ما كان يحس به ناخبنا دون أن يفصح عنه بوضوح، مكتفيا بالإيماء إليه، والتنبيه إلى أن لعبة أخرى ليست من الرياضة في شيء، كانت تُلعب بعيدا عن الميادين.