مؤسف حقا أن يجد المغاربة أنفسهم أحيانا محشورين في زوايا ضيقة، جراء تصرفات بعض المسؤولين أو المنتخبين الذين يفترض فيهم أن يشكلوا القدوة الحسنة من حيث التحلي بمكارم الأخلاق والنزاهة والتدبير المعقلن وحسن التعامل، بدل السطو على حقوق الغير وإفساد تلك اللحظات من الفرح التي تغمر قلوب المواطنات والمواطنين، خاصة خلال التظاهرات الرياضية والبطولات العالمية، عندما يبلي فيها أبناء الشعب البلاء الحسن ويرفعون راية الوطن وسمعته عاليا، سواء في الألعاب الفردية: الجري، الملاكمة، ركوب الدراجات والفروسية وغيرها أو في الألعاب الجماعية: كرة القدم، «الفوتسال»أو كرة القدم داخل القاعة وكرة اليد… ذلك أنه في خضم الانتصارات التي ظل المنتخب الوطني يحققها تباعا بشموخ الكبار في منافسات كأس العالم التي حظيت دولة قطر بتنظيمها إبان الفترة الممتدة من 20 نونبر إلى غاية 18 دجنبر 2022، وما نجم عن الإنجاز التاريخي من أفراح غامرة عمت قلوب الملايين، وألهم الكثير من الشعراء والفنانين، فأنتجوا أجمل القصائد والأغاني. حيث كان المغاربة بمن فيهم قائدهم الملهم الملك محمد السادس يخرجون عن بكرة أبيهم عقب كل لقاء جديد للاحتفال بالنصر، تشاركهم في ذلك الشعوب العربية والإفريقية. إذ استطاعت «أسود الأطلس»بقوة العزيمة والإيمان بقدراتها أن تقارع أعتنى المنتخبات الأوربية، وأن تصنع مجد المغرب الكروي، ليصبح المنتخب الوطني فخر كل العرب والأفارقة، باعتباره أول منتخب عربي وإفريقي يبلغ دور نصف نهائي كأس العالم، ويؤكد للجميع أن المستحيل لا يوجد إلا في عقول الفاشلين والمتقاعسين. حيث يكفي فقط تفعيل مبدأ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، تكريس الثقة بالنفس، الحرص على اعتماد الأداء الجماعي وقوة الإرادة ونكران الذات، التفاؤل والتشبث بالأمل، بالإضافة إلى التحلي بالصبر والانضباط، التفاني في العمل، الرغبة في تحدي الصعاب وإثبات الذات… فالمنتخب المغربي الذي كان يراهن عديد المتتبعين على خروجه من الدور الأول، بدعوى أن القرعة لم تكن رحيمة به حين وضعته ضمن منتخبات المجموعة السادسة التي أطلق عليها»مجموعة الموت»، أمام كل من كرواتيا وصيفة بطل العالم في مونديال 2018 بروسيا، وبلجيكا وكندا. تمكن من دحض كل التكهنات وتصدر ذات المجموعة بسبع نقط، إثر التعادل السلبي مع كرواتيا 0/0 والفوز على كل من بلجيكا 2/0 وكندا 2/1. كما أنه أزاح في دور الثمن المنتخب الإسباني بالضربات الترجيحية 3/0، والمنتخب البرتغالي في دور الربع 1/0. ولعل ما ميز النسخة22 من كأس العالم، أنها إلى جانب التنظيم المثالي المحكم الذي قامت به دولة قطر، هناك إجماع من قبل المهتمين بالشأن الرياضي وأبرز نجوم كرة القدم في العالم على أن المغرب بات يملك منتخبا كرويا قويا، يشكل رقما صعبا في معادلة كرة القدم العالمية، لما أظهره من حضور ذهني وأداء مشرف طيلة المواجهات العاصفة التي خاضها ضد أفضل المدارس الكروية في أوروبا سواء في دور 16 أو دور الثمن أو دور الربع، وما اتسم به لاعبوه من طموح لا محدود ولعب جماعي وانضباط تكتيكي وتمسك بالقيم الأخلاقية والبر بالوالدين واحترام قرارات الحكام مهما كانت جائرة، مما جعله ينال إشادة واسعة ويخلف ارتسامات طيبة لدى ملايين الجماهير في القارات الخمس، التي ستظل تحتفظ له بهذه الصورة اللامعة لعقود طويلة. بيد أن ما أفسد على جزء كبير من المغاربة فرحتهم، هو أنه وبينما كان المنتخب الذي قطع مسارا شاقا وناجحا لم يكن حتى أشد المتفائلين يتكهن به، لاسيما أنه لم يمض على التحاق مديره الفني سوى شهرين، وهو الذي ظل يجر خلفه سلسلة من خيبات الأمل لفشل الناخبين الذين تعاقبوا على تدريبه في إيجاد التوليفة المناسبة والقادرة على المضي به بعيدا في البطولات القارية والدولية، أو بسبب ما ظل يتعرض له من حيف تحكيمي في أكثر من مناسبة، يتهيأ لمنازلة منتخب «الديكة» في دور نصف النهائي، وينتظر مزيدا من الدعم الجماهيري، يراوده حلم بلوغ النهائي لمواجهة المنتخب الأرجنتيني والظفر بالكأس الذهبية، فإذا بفضيحة مدوية تتفجر في مطار الدوحة حول تذاكر مباراة المغرب ضد فرنسا برسم دور نصف النهائي، حيث تعالت أصوات الاحتجاج والاستنكار على منصات التواصل الاجتماعي وداخل البرلمان، منددة بما حدث من فوضى عارمة بسبب التلاعب والاتجار في التذاكر التي وفرتها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لفائدة المشجعين المغاربة، مكتفية بإسناد مهمة توزيعها لبعض منعدمي الضمير عوض اعتماد طريقة مؤسساتية. وهو ما ترتب عنه إلغاء شركة الخطوط الملكية لعدد من الرحلات المبرمجة سلفا، وأدى بحزب «الأحرار» إلى إحالة القيادي البارز محمد الحيداوي رئيس نادي أولمبيك أسفي على أنظار لجنة التأديب على خلفية التسجيل الصوتي المنسوب إليه حول بيع التذاكر بستة آلاف درهم للواحدة، والرائج على نطاق واسع بين رواد الفضاء الأزرق. إننا إذ نرفض بقوة استمرار مثل هذا العبث المحبط والتجاوزات الخطيرة التي أفسدت على المغاربة فرحتهم وأساءت إلى تلك الصورة الجميلة التي رسمها أسود الأطلس للمغرب من خلال إنجازهم البطولي الرفيع المستوى. وهي التجاوزات المتمثلة في المحسوبية، التلاعب بمشاعر المواطنين وسوء التدبير والكسب غير المشروع، فإننا نطالب في ذات الوقت كبار المسؤولين بالضرب بيد من حديد على كل من ثبت تورطه بأي شكل من الأشكال في فضيحة تذاكر نصف نهائي مونديال قطر 2022…