عجزت القواميس عن وصف شعور كل المغاربة، أول أمس الثلاثاء، عجزت كل اللغات وكل الكلمات، وكل المفردات، فرحة جاءتنا محمولة على صهوة العزة والنصر، جاءت البشرى من قطر فسكنت كل بيت مغربي، كل المشاعر اختلطت، امتزجت الدموع بالضحكات والابتسامات، جرت الفرحة أنهارا في الشوارع والأزقة وعلت صيحات النصر وزغاريد النساء لتصل عنان السماء، نساء المغرب الأبيات الفخورات بوطنهن، أبين إلا أن يكن أولى الفرحات المبتهجات، أولى المهنئات بهذا النصر التاريخي لأسود المغرب، النصر المستحق لوطن النصر، وطن لا يعرف معنى المستحيل، وطن الأمجاد والبطولات، وطن يسكن قلوب أبنائه قبل ان يسكنوه. نساء من كل الأعمار احتتلن مقاعدهن قبل المباراة بساعات أمام الشاشات، عشن كل مشاعر القلق والخوف التي صاحبت مباراة المغرب وإسبانيا، بلغت قلوبهن الحناجر مع كل تمريرة، مع كل لمسة للكرة من الفريق الخصم، مع كل محاولة منه للتسجيل، رفعن أكفهن للعلي القدير متضرعات إليه أن يمن علينا الله بالنصر، أن ينصرنا نصرا عزيزا، أن ينشر الفرحة في ربوع الوطن، أن تكتب انتصاراته لآلئ ترصع صفحات تاريخه المجيد، واستجاب الله الدعاء، وتم النصر وغمرت الفرحة كل مكان، ابتهج المغاربة في كل ربوع الأرض بهذا الفوز التاريخي، انتصر المنتخب المغربي ومر إلى دور الربع النهائي من مونديال قطر في سابقة لم تعرفها بلاد عربية من قبل، وانطلقت الأفراح وتقاطرت الصور والفيديوات من كل المدن تؤرخ لملحمة مغربية من القمة إلى القاعدة، خرج المغاربة إلى رحاب المدن والقرى والمداشر وسمعت أصوات منبهات السيارات وكل وسائل النقل بما فيها القطارات، بل حتى السفن في الموانئ وصلت أصوات منبهاتها الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط ، وانتشر الآلاف من المغربيات والمغاربة في الشوارع والساحات، في المغرب وفي بلدان المهجر، يحملون الرايات المغربية وصور جلالة الملك، تسبقهم هتافات الفرح والابتهاج الذي امتد من المحيط إلى الخليج، كل المغاربة، كل العرب فرحوا، إفريقيا ابتهجت، بلغت الفرحة السحاب، وتساقطت على القلوب بردا وسلاما، لم يميز الفرح بين رجل وامرأة، بل إن نساء المغرب وخلال هذا المونديال الاستثنائي بصمن على حضورهن المتميز، ولم يتركن مكانهن شاغرا بدعوى أن كرة القدم خاصة فقط بالرجال، دعت الساحرة المستديرة نساء المغرب من كل الأعمار فلبين النداء، دعاهن منتخبهن الوطني فهببن فرحات جدلات، دعاهن وطنهن فكن أولى الملبيات، ورفعن رؤوسهن فخورات شامخات كشموخ جبال الأطلس الأبية، شجعن المنتخب الوطني من داخل ملعب «المدينة التعليمية» بالدوحة، كما شجعنه داخل الوطن العزيز، مرتديات أقمصة المنتخب الوطني حمراء أو بيضاء عليها نقوش مستوحاة من الزليج المغربي، بحت أصواتهن بالتشجيع ورفعن رايات العزة، وغنين للوطن أغنيات حب وانتماء وافتخار، زغردت نساء المغرب الحرات، زغردن وهللن للوطن، عشن الفرح ونشرن الفرح، فاليوم عيد ليس ككل الأعياد، عيد جمع المغاربة نساء ورجالا، عيد ألف بين قلوبنا، ومحا ما عشناه في نسخ المونديال السابقة من غبن وألم، عيد محا كل أثر لذكرى أليمة بقيت راسخة في القلوب قبل العقول، هللت نساء المغرب كما هللت ربوات الأطلس الحر في النشيد الخالد للفنان عبد الهادي بلخياط، وغنين قدسي النشيد، وملأن الدنيا أهازيج وزغاريد، ونقلن حبهن لأرضهن وأمجاد وطنهن لأبنائهن وأحفادهن، سعدن وأسعدن وتشاركن جدلهن مع جميع مكونات الوطن في مشاهد رائعة عصية عن الوصف، حضنّ الفرحة وحضنتهن وتهاطلت دموعهن كحبات مطر نقي لتغسل كل ذرة من كيانهن، سعادة وسرورا وذكرى عزيزة ستبقى راسخة في القلوب، فطوبى لهذا الوطن بهن وطوبى لهن بالوطن، وطوبى للوطن العزيز بكل أبنائه وببطولات أبنائه !