تعقد الجمعية المغربية لحقوق الإنسان مؤتمرها الوطني الثالث عشر أيام 24، 25 و26 يونيو الجاري تحت شعار « معا لحماية حق الدفاع عن حقوق الإنسان، من أجل الكرامة والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية». المقال التالي يسعى إلى تسليط الضوء على سياقات التأسيس والظروف السياسية والحقوقية التي عرفها المغرب آنذاك. وما اعترض الخطوات الأولى بعد هذا التأسيس . في 24 يونيو 1979 انعقد المؤتمر التأسيسي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان بمقر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بديور الجامع بالرباط حضره حوالي 35 شخصا وتم انتخاب الأستاذ علي اومليل رئيسا. جاء موعد التأسيس في سياق وطني أبرز سماته : أولا استرجاع المغرب لصحرائه سنة 1975 . وثانيا إقرار الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لما يعرف ب"استراتيجية النضال الديمقراطية". وثالثا ، تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل. ورابعا، حملات اعتقالات واسعة مست الحركة الماركسية اللينينية والنقابيين ومناضلي اليسار عموما… في النصف الأول من عقد السبعينيات تولد مطلب "الإجماع الوطني حول القضية الوطنية « قبيل تنظيم المسيرة الخضراء وبعدها، حيث انعقد لقاء جمع الملك الحسن الثاني وزعيم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية (الاتحاد الاشتراكي بعد يناير 1975) عبد الرحيم بوعبيد في يونيو 1974. " في هذا اللقاء تم الاتفاق على ضرورة توفير أجواء سياسية جديدة في البلاد تمكن من تحقيق إجماع وطني قادر على مواجهة مخططات الاستعمار الإسباني من جهة، وتدشين مسلسل ديمقراطي يخرج البلاد من الأزمة السياسية التي تتخبط فيها من جهة أخرى" (محمد الصديقي أوراق دفاتر حقوقي ص 42). وقد برزت بعض مظاهر الانفراج قبيل وبعيد المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي انعقد في يناير 1975 تمثلت في إطلاق سراح عدد من المعتقلين السياسيين في غشت 1974 و1976 و 1977 والتعجيل بمحاكمة العديد منهم . وعودة المسلسل الانتخابي الذي توقف بعد قرار حالة الاستثناء سنة 1965 وفشل استحقاقات سنة 1970. وبالفعل تم وضع الميثاق الجماعي الذي أجريت بمقتضاه انتخابات المجالس البلدية والقروية في نونبر 1976. وكان الحسن الثاني قد قدم مشروعه إلى الأحزاب ومنها الاتحاد وحزب الاستقلال لتقديم مقترحات بشأنه ..وفي خطاب العرش يوم 3 مارس سنة 1976 أعلن الملك عن أبرز مضامين هذا الميثاق . وفي يونيو 1977 تم إجراء انتخابات تشريعية لانتخاب ثلثي أعضاء مجلس النواب بالاقتراع العام المباشر شاركت فيها جل الأحزاب السياسية . وقد أثيرت بالمجلس قضايا الاعتقال السياسي والإضراب عن الطعام من طرف فريق الاتحاد الاشتراكي. وتم تشكيل وفد برلماني برئاسة رئيس الفريق آنذاك الأستاذ فتح الله ولعلو لزيارة المضربين . لكن هذا الانفراج لم يدم طويلا، فقد استمرت ظاهرة الاعتقال السياسي والتضييق على الحريات النقابية والرقابة على الصحافة في النصف الثاني من عقد السبعينيات… الذي شهد حملات اعتقالات واسعة استهدفت على الخصوص أعضاء بالحركة الماركسية اللينينية والنقابيين المنتمين للكونفدرالية الديمقراطية للشغل التي تأسست في نونبر 1978 ونقاباتها القطاعية التي تم طرد العشرات من أعضائها بعد إضرابات شغيلة التعليم والصحة في أبريل 1979. في النصف الأول من ذلك العقد لم تتأسس بعد جمعية حقوقية متعددة الإنتماءات الفكرية والمهنية، كانت هناك العصبة المغربية لحقوق الإنسان التي تأسست في 11ماي 1972 في أحضان حزب الاستقلال ومن بين أعضائه. حيث نص قانونها الأساسي على أنها" تسعى إلى نشر وتعميم مفاهيم مبادئ حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في جميع أصولها ومصادرها كما نص عليها الإسلام وأكدها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان…". وفي منتصف العقد سنة 1975 تم تأسيس " جمعية الحقوقيين المغاربة " من طرف الأساتذة عبد الرحمان القادري ومحمد بوزوبع ومحمد الفاروقي والنقيب أحمد الشاوي، وأسست عددا من الفروع بالمغرب من بينها فرع الدارالبيضاء الذي كان يتراسه عبد الله الولادي. وقد قدمت الجمعية (الأستاذان محمد بوزبع ومحمد مشبال) إلى السلطات العمومية أول لائحة للمعتقلين السياسيين وطالبت بالإفراج عنهم . وبالفعل أطلق سراح عدد منهم في سنة 1977 . كما قدمت هذه الجمعية جمعية الحقوقيين ، ملتمسا كتابيا الى الحسن الثاني في 4 شتنبر 1979 (نص الملتمس منشور في كتاب الأستاذ محمد الصديقي). من أجل التراجع عن التدابير التي اتخذتها الحكومة بتوقيف واعتقال عدد من المضربين في أبريل من نفس السنة . إلى جانب هذه التنظيمات كانت هناك "جمعية هيئات المحامين بالمغرب " التي تأسست سنة 1962، وهي جمعية مهنية، تعمل حسب المبادئ الأساسية التي ينص عليها قانونها الأساسي " على " تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وسيادة حكم القانون واستقلال القضاء ونزاهته وحصانة الدفاع وحريته واستقلاله ونزاهته". ونذكر على الخصوص بيانات مؤتمراتها التي انعقدت مابين سنتي 1976 و 1978 بمراكش والدارالبيضاء ومكناس، والتي تضمنت أن "حالات الاعتقال التعسفي والاختطافات والاغتيالات وأنواع الإكراه المادي والمعنوي ومنع الأحزاب السياسية والتضييق على الحريات النقابية قد مهد بتناول التشريعات بالتعديل وإفراغها من أهم الضمانات التي كانت تتوفر لحماية حقوق المواطنين"، وأن "إقامة المؤسسات الديمقراطية وإجراء الانتخابات الحرة والنزيهة تتطلب تهيئة الجو المناسب بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين والعفو الشامل عنهم وعن المغتربين …ورفع الرقابة عن الصحافة ". وطالبت ب"ضمان الحرية النقابية للجميع وإلغاء النصوص التشريعية التي حدت من الحريات العامة والخاصة ومراجعة التعديلات" . كما أن عائلات المعتقلين السياسيين شكلت خاصة في النصف الثاني من هذا العقد، عقد السبعينيات، واجهة لإبراز الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون قبل وأثناء وبعد محاكمتهم وظروف حياتهم اليومية بالمعتقلات السرية والعلنية بمراكز الاعتقال بدرب مولاي الشريف والكوربيس وسجون الدارالبيضاءوالقنيطرة… والتكلفة الإنسانية للإضرابات عن الطعام التي خاضتها عدة مجموعات . وقد فارق الحياة تحت وطأة التعذيب أو في معركة الإضراب عن الطعام كل من عبد اللطيف زروال (نونبر 1974) وسعيدة المنبهي(دجنبر 1977). في سنة 1976 تم تأسيس " لجنة المعتقلين الاتحاديين" متفرعة عن لجنة الحريات باللجنة الإدارية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وكان من بين أعضائها الأساتذة : محمد اليازغي ومحمد لحبيب الفرقاني ومحمد الحيحي ومحمد كرم ووديعة الطاهر، وذلك لتقديم المساعدات لعائلات المعتقلين السياسيين في المناسبات الدينية والدخول المدرسي وتأمين المحامين لمؤازرة المعتقلين . من اجتماعات ونقاشات هذه اللجنة تبلورت فكرة تأسيس الحمعية المغربية لحقوق الإنسان، وتم توسيعها حيث انضم إليها كل من الأساتذة عبد الرحمان بنعمرو وعلي اومليل ومحمد الصديقي ومنير عمر . هذه اللجنة عقدت اجتماعين لها بمنزل الأستاذ عمر الخطابي بمدينة القنيطرة حضرها الأساتذة عبد الرحيم الجامعي وجواد العراقي، في إطار التهييئ لتأسيس الجمعية وانطلاقا من الانفتاح واستقطاب فعاليات أخرى غير الاتحاديين تم الاتصال بشخصيات من حزب التقدم والاشتراكية وحزب الاستقلال، وبالفعل فقد حضر مؤتمر التأسيس كلا من الأستاذين عبد العزيز بنزاكور وعبد الهادي مسواك، وتزامنت اجتماعاتها التحضيرية مع تداعيات إضراب قطاعي التعليم والصحة في أبريل 1979. وعشية تأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي كان الرهان عليها كمنظمة حقوقية متعددة الانتماءات تدافع عن حقوق الإنسان كما تضمنها الإعلان العالمي . أقدم المغرب على المصادقة على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك يوم 3 ماي 1979، حيث دخلا حيز التنفيذ في 3 غشت من نفس السنة، وكان لهذا الحدث صدى إيجابي في الصحافة الوطنية خاصة جريدتي العلم والمحرر. في 24 يونيو 1979 انعقد المؤتمر التأسيسي للجمعية بمقر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بديور الجامع بالرباط حضره حوالي 35 شخصا وتم انتخاب الأستاذ علي اومليل رئيسا . وكان للانتماءات السياسية لأغلب أعضاء الجمعية إلى حزب الاتحاد الاشتراكي دور في عرقلة عملها وجمود أنشطتها أشهرا بعد التأسيس. فالصراعات التي شهدها الحزب أثناء وبعد مؤتمره الثالث، الذي انعقد في دجنبر 1978، والموقف تجاه المؤسسات التمثيلية والاستمرار أو الانسحاب منها والخط السياسي الذي ينبغي انتهاجه، انتقلت عدواها إلى أجهزة الجمعية وحالت دون عقد مؤتمرها الأول، أضف إلى ذلك تداعيات الإضراب الوطني العام ل20 يونيو 1981. وفي ماي 1983 حيث بلغ هذا الصراع ذروته قرر الاتحاديون، الذين استمروا في التنظيم الحزبي الذي يشرف عليه المكتب السياسي، الانسحاب من الجمعية المغربية لحقوق الانسان . هذه هي أبرز سياقات تأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي ستعقد مؤتمرها الوطني الثالث عشر أيام 24، 25 و26 يونيو تحت شعار " معا لحماية حق الدفاع عن حقوق الإنسان، من أجل الكرامة والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية". مؤتمرات ورؤساء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان: المؤتمر التأسيسي 1979 : علي أومليل الثاني مارس 1989 : محمد الحيحي الثالث دحنبر 1991 : عبد الرحمان بنعمرو الرابع دجنبر 1994 : عبد الرحمان بنعمرو الخامس أبريل 1998: محمد أمين السادس مارس 2001 : محمد أمين السابع أبريل 2004: محمد امين الثامن أبريل 2007 : خديجة الرياضي التاسع ماي 2010 : خديجة الرياضي العاشر أبريل 2013 : أحمد الهايج الحادي عشر أبريل 2016 :أحمد الهايج الثاني عشر أبريل 2019 : عزيز غالي