تم تعيين كاترين كولونا وزيرة لخارجية فرنسا، مما يجعلها ثاني امرأة تتولى هذا المنصب المرموق في الحكومة التي ترأسها إليزابيت بورن، ويرجع تعيين هذه المرأة في هذا المنصب الأساسي في الحكومة، إلى تجربتها الطويلة في مجال الديبلوماسية وعملها إلى جانب الرئيس الراحل جاك شيراك كناطقة باسم الحكومة، كما تحملت منصب وزير الشؤون الأوروبية في حكومة دومنيك دوفيلبان، بالإضافة إلى تدبيرها لملف «البريكسيت» كسفيرة لفرنسا في لندن، وكان عليها تدبير ملف الصيد المعقد بين البلدين، مع حكومة بريطانية لم تكن تلتزم، بسهولة، بالتعهدات التي تتوصل إليها مع فرنسا وبلدان الاتحاد الأوروبي. ويريد الرئيس إيمانويل ماكرون، من خلال هذا التعيين الجديد لهذه المرأة ذات التجربة الكبيرة، إعطاء دفعة جديدة للديبلوماسية الفرنسية، وذلك في أجواء خاصة تعرفها المنطقة، الحرب الروسية على أوكرانيا التي وصلت إلى ثلاثة أشهر تقريبا. كما يأتي هذا التعيين في ظل تهديد موظفي الخارجية بفرنسا بالدخول في إضراب جراء الإصلاح الذي سيمس قطاعهم، غير أن تعيين سيدة تنتمي إلى هذا القطاع هو إشارة إيجابية من قصر الإليزيه إلى مكوناته. ويأتي هذا التغيير في الخارجية أيضا مع اقتراب نهاية الرئاسة الفرنسية لمجلس الاتحاد الأوروبي الذي بدأت وحدته تتصدع، مع إخفاقه حتى الآن في اعتماد حزمة عقوبات سادسة على روسيا، وكذلك في ظل إخفاق كل محاولات الحوار مع موسكو. لكن الملفات المعقدة أمام كاترين كولونا متعددة، منها القطيعة مع دولة مالي، والأزمة في العلاقة مع بلدان المغرب الكبير، خاصة البرود غير المعتاد بين الرباطوباريس. وبفضل تجربتها الطويلة وعلاقاتها، فهذه الوزيرة مؤهلة لإعادة الحرارة للعلاقة بين العاصمتين. من المؤكد أن الملفات الأوروبية ستفرض نفسها ابتداء من هذا الأسبوع، خاصة تدبير الأزمة مع موسكو وتداعياتها على أوروبا، لهذا ستزور الوزيرة برلين هذا الأسبوع، وسيكون أمام رئيسة الديبلوماسية الفرنسية ونظيرتها الألمانية أنالينا بيربوك، التي اتصلت بها هاتفيا بعد تعيينها، وقت قصير من أجل إعداد القمة الأوروبية المقبلة يومي 30و31 يونيو، والتي ستكون الحرب الروسية أحد أهم محاورها، خاصة الحفاظ على الوحدة الأوروبية، في ظل بروز الخلافات حول سياسة العقوبات وأثرها على الاقتصاد الأوروبي نفسه، وتباين الموقف بين فرنسا وألمانيا من جهة وبلدان أوروبا الشرقية، من جهة أخرى، مدعومين من واشنطن. في خضم النزاع بين موسكو وكييف، تعهدت كولونا أن تتحرك بفاعلية في الملف، فيما عمل الرئيس إيمانويل ماكرون على إبقاء قناة دبلوماسية مفتوحة مع الكرملين، من أجل الحد من التصعيد في هذه الحرب التي لا أحد يعرف متى ستتوقف. وتعتبر وزيرة الخارجية الجديدة كاترين كولونا سفيرة مخضرمة ومتحدثة سابقة باسم الحكومة في عهد الرئيس الراحل جاك شيراك ووزيرة سابقة للشؤون الأوروبية في حكومة دومنيك دوفيلبان، كما عملت سفيرة لفرنسا في لندن إبان التوتر في العلاقات الثنائية، بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وحقوق الصيد والهجرة التي كانت من الملفات المعقدة والعسيرة بين الطرفين. وفي خطوة غير معتادة، استدعتها الحكومة البريطانية في أكتوبر 2021 خلال تنازع باريسولندن حول حقوق الصيد في بحر المانش. وتخلف كاترين كولونا جان إيف لودريان، الذي تولى الوزارة منذ عام 2017، وكان يعد أحد أعمدة حكومة ايمانويل ماكرون، وكان من بين الوزراء الأكثر تجربة رغم عدم انتمائه للسلك الديبلوماسي. وعلاوة على الملف الأوكراني، تعد مالي قضية ملتهبة أخرى، وقد قطعت البلاد، التي شهدت انقلابين في غشت 2020 ومايو 2021، العلاقات تدريجيا مع فرنسا ودول أوروبية أخرى حاضرة عسكريا على أراضيها، فيما تقاربت مع روسيا عبر استعانتها بعناصر من مجموعة مرتزقة «فاغنر» المثيرة للجدل. هذا بالإضافة إلى العلاقات المعقدة مع بلدان المغرب العربي، وإذا كانت الأزمة مع الجزائر تعتبر ظاهرة عادية بل مستمرة في العلاقات بين العاصمتين، منذ استقلال هذه المستعمرة، فإن المفاجأة، كانت هي التوتر الديبلوماسي الصامت مع الرباط، التي لها علاقة خاصة مع باريس، وجاءت قضية التأشيرات التي استعملت في الحملة الانتخابية من لدن اليمين المتطرف وحكومة ماكرون لتزيد من التوتر بين الجانبين. بالإضافة إلى طلب المغرب من شريكته فرنسا تجديد دعمها للمبادرة المغربية للحكم الذاتي إلى اعتراف واضح بمغربية الصحراء على غرار موقف حليفة أخرى وهي واشنطن، التي اعترفت بمغربية الصحراء منذ سنتين تقريبا. وهو موقف يمكن أن يدفع باقي بلدان الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف بشكل واضح بمغربية الصحراء. وسيكون أمام كاترين كولونا ورش إعادة الدفء إلى العلاقة بين باريسوالرباط، من خلال الاعتماد على تجربتها وشبكة علاقاتها مع الرباط، وكذلك من خلال الدفع بتجديد موقف باريس من القضايا الكبرى التي تشغل المغرب وهي وحدته الترابية ومواجهة الحركات الانفصالية التي تغذي الإرهاب بمنطقة المغرب الكبير، وكذلك منطقة الساحل. وكذلك من خلال إحياء شبكات التواصل الكلاسيكية بين باريسوالرباط، والتي تراجعت منذ وصول الفريق الجديد لإيمانويل ماكرون إلى قصر الإيليزيه. لكن هذه التطورات سوف تنتظر شهرا آخر، وبالتأكيد خلال نهاية الانتخابات التشريعية التي سوف يسعى فيها الرئيس إلى الحفاظ على أغلبية برلمانية مريحة، في ظل أجواء التوتر التي تعرفها المنطقة.