على بعد حوالي 80 كيلومترا من مدينة كلميم، تقع مدرسة «أكادير امقورن» العتيقة بدوار تاكموت جماعة تغجيجت، وهي معلمة دينية ذات إشعاع علمي ضارب في عبق التاريخ تقوم، منذ قرون خلت، بوظيفة تعليمية تثقيفية وأخرى تربوية روحية .ولا يزال هذا الفضاء المتكامل للعبادة والتعلم والروحانية، الذي شيد في القرن السابع الهجري، يضطلع بدوره التعليمي الأصيل من خلال تلقين العلوم الشرعية والانفتاح على المستجدات التربوية والبيداغوجية الحديثة. وتعد هذه المنارة العلمية واحدة من بين المدارس العتيقة التي تزخر بها جهة كلميم وادنون نون، وصرحا دينيا وتربويا مهما في المنطقة يقصده طلبة العلم والمعرفة وحفظة كتاب لله. وتواصل مدرسة أكادير امقورن، تحت إشراف الفقيه محمد حران، المشرف على المدرسة، رسالتها النبيلة في التربية والتعليم باعتماد برنامج يجمع بين التعليم الأصيل وعلوم العصر بسلك التعليم الابتدائي.ويبدأ الطالب الملتحق بالمدرسة مساره العلمي بعد اجتيازه لامتحان في المواد الشرعية ومادة اللغة العربية ومواد الثلثين (الرياضيات والفرنسية)، بحفظ القرآن الكريم بالطريقة التقليدية عبر الألواح. وفي هذا السياق، أوضح الفقيه حران، في تصريح للقناة الإخبارية (M24) التابعة ل «و.م.ع»، «أن هذه المؤسسة العريقة لا تزال تواصل مهمتها العلمية والتربوية لفائدة الراغبين في طلب العلم، والمتمثلة أساسا في تحفيظ القرآن الكريم وتدريس العلوم الدينية»، مضيفا «أن هذه المعلمة قد لعبت دورا في تنوير المجتمع وتزويده بمختلف الأطر في مختلف الميادين، من أئمة وخطباء وعلماء وفقهاء ومرشدين وعدول، واضطلعت بدور هام في الرفع من نسبة التمدرس والمساهمة في محاربة الأمية»، لافتا إلى «أن المدرسة هي مؤسسة ذات تعليم قرآني وعلمي تخضع لنظام داخلي أصيل ومنهج دراسي تقليدي مستمد من سنة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم، وتقدم دروسا تنهل من الدين الاسلامي وأخرى معاصرة.» وبخصوص تاريخ نشأة هذه المعلمة، أكد المتحدث ذاته، أنها «عريقة» بالمنطقة ترجع فترة تأسيسها الى القرن السابع الهجري، مستشهدا في ذلك بشذرات من كتابات كل من العلامة المختار السوسي، والعلامة محمد بن سعيد المرغيتي (نسبة الى دوار ميرغت بمنطقة الاخصاص إقليمسيدي إفني)، وهذه الكتابات، يضيف الفقيه حران، تؤكد بأن « مؤسس المدرسة هو العلامة عبدالكريم بن يعزى ويهدى المعروف لدى ساكنة المنطقة بسيدي أفروخ، وهو دفين ضريح أكادير امقورن بدوار تاكموت – جماعة تغجيجت». وإلى جانب المحافظة على تدريس العلوم الشرعية وأصول الفقه والحديث وحفظ القرآن الكريم وتجويده وقواعد اللغة العربية، فإن المؤسسة سرعان ما بادرت إلى تعزيز كفاءات طلبتها وتيسير اندماجهم بالمحيط السوسيو- مهني، وذلك عبر تدريس اللغات الحية والانفتاح على العلوم الحديثة، حيث يتلقى تلاميذ الطور الابتدائي، فضلا عن ذلك، دروسا في مواد اللغة الفرنسية والرياضيات والاجتماعيات. وهكذا، يوضح الفقيه حران، «فإن المدرسة بانخراطها منذ 2012 في نمط التعليم العتيق الذي يؤطره القانون 01-13، تكون قد جمعت بين المحافظة على أصالة العلم الشرعي والانفتاح على علوم العصر والثقافات واللغات الأجنبية». من جهته، أبرز مبارك أتسلامت، حارس عام خارجي بالمدرسة العتيقة، «الدور الكبير الذي لعبته هذه المعلمة الدينية بجهة كلميم وادنون، خاصة في تكوين الأجيال، وإرساء توجيه ناجع للطلبة الذين يتابعون دراستهم بالمؤسسة، والذين يبلغ عددهم خلال هذه السنة 63 طالبا بالطور الابتدائي ينحدرون من مدن كلميموسيدي إفني وبني ملال وأكادير وشيشاوة والصويرة»، مشيرا إلى «أن الولوج لهذه المدرسة يتم وفق شروط، منها اجتياز الطلبة لامتحان ينظم في بداية كل موسم دراسي ويمتحنون في المواد الشرعية ومادة اللغة العربية ومواد الثلثين (الرياضيات والفرنسية)، كما يشترط في الطالب أن يكون حافظا ل 40 حزبا فما فوق». وتشتمل المدرسة، التي يتألف طاقمها التدبيري من 12 إطارا تربويا وإداريا – بينهم 4 أساتذة ومشرف وحارسان عامان و5 مستخدمين – على عدة مرافق منها قاعات للتدريس وحفظ القرآن وقاعة للاعلاميات، وأخرى للإطعام ومطبخ، إلى جانب مسجد ومرافق إدارية وصحية وغرف لإيواء الطلبة (16 غرفة).كما تشهد المدرسة ، حاليا، عملية توسعة من خلال إضافة قاعات للتدريس وغرف لإيواء الطلبة ومرافق صحية أخرى. وتبقى مدرسة أكادير امقورن مؤسسة حقيقية مكرسة لتلاوة وحفظ القرآن الكريم وتلقين علومه للشباب، فضلا عن الدروس الغنية والعميقة المستمدة من سنة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم.