بعد كل انتخابات تطرح أسئلة على مكونات المشهد السياسي كما تطرح على الدولة في علاقة بالترشيحات المقدمة بشكل فردي أواللائحة تهم الأهلية المعرفية والتجربة والخبرة والقدرة على التأقلم المطلوب للقيام بالمهام الانتدابية باحترام للديموقراطية والتشريعات الجاري بها العمل، والاجتهاد الذي ييسر التغلب الممكن على الإكراهات والمشاكل المتعلقة بمعالجة الاختلالات الناجمة عن النقص والعجز في الموارد المالية والموارد البشرية المتخصصة، والتجاوز المرن للمعيقات والتعقيدات الإدارية والقانونية التي تعطل أحيانا مسار الملفات والبرامج… وما يسري على المنتخبين يسري على السلطات المحلية بمختلف رتبهم، والذين يطلب وينتظر منهم توفير كل ظروف وآليات إنجاح مهام المنتخبين دون تداخل في السلط بشكل يتسبب في تحجيم وإضعاف مكانة ودور المنتخب… وهنا نتساءل، ما دور الأحزاب، بعد تشكل مكاتب وهياكل المؤسسات المنتخبة، تجاه مرشحيها ومرشحاتها الذين أصبحوا منتخبين ومنتخبات، والذين يتركون تائهين دون مواكبة وتأطير سياسي وفكري ييسر تنزيل تصورات وبرامج انتخابية التزمت بها الأحزاب للعمل على تحقيق تنمية وتطور محلي؟ كما نتساءل عن كيفية تدبير وزارة الداخلية والجهات لبرامج التكوين والتأطير الخاص بالمنتخبين والمنتخبات التي لايجب أن تحصر في لقاءات ودورات تلقينية نظرية، بل يفترض أن تكون مستمرة يوميا ومكانيا بمواكبة لفعاليتهم على الأقل طوال أشهر السنة الأولى من تسييرهم، وبعد ذلك تصبح دورية بما يحصن وينجح الجماعات في أدوارها الدستورية ومهامها القانونية ترابيا، ولتجنب الوقوع في تضييع الزمن الانتدابي وتعطيل البرامج والمخططات لاعتبارات نابعة عن الجهل بالمهام أو الكيدية السياسوية… لهذا يجب أن تحترم الجماعات الترابية والسلطات المحلية اختصاصاتهما تخضع لها، وعليهم التحصن بواجب التحفظ في أعمالهم وتصريحاتهم وتدخلاتهم وتدبيرهم وعلاقاتهم بما يحقق المصداقية والنزاهة والحيادية، وعليهم الامتناع الكلي عن تضارب المصالح بين الشخصي والعائلي والسياسي والمصلحة العامة. ينص الفصل 1 من الدستور المغربي على أن: (نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية. – يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة. – تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي.- التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة.).. إن السلطات الإدارية الحكومية والأمنية مهامها تأطيرية وتنظيمية وتنموية ترابيا ببعد وطني كل في مجالات تخصصه، بحيادية إيجابية في علاقاتها مع الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني والمواطنين والمواطنات، ليكسبها ذلك مصداقية وموضوعية وشفافية في ميادين التخصص والعمل، ولتكون قراراتها وعلاقاتها العامة والخاصة منسجمة مع عدالة ونزاهة أعمالها المحققة لاطمئنان الجميع وقاطعة أفقيا وعموديا مع كل ما يمس ويخل بدورها الكبير المحدد دستوريا وقانونيا… وهنا يطرح، بطبيعة الحال، موضوع السلطة المحلية التي تصبح أحيانا هي واجهة الإدارة الترابية باعتبارها تابعة لوزارة الداخلية بمهامها الموثقة تشريعيا، والتي تضع ضوابط بينها وبين المؤسسات المنتخبة التي تتكون في غالبيتها العظمى من ممثلين لأحزاب سياسية تقدمت للانتخابات ببرامج والتزامات وتتحمل تبعا لذلك كل نتائج تسييرها وتدبيرها إيجابا أو سلبا، وتخضع لرقابة وافتحاص من المؤسسات المختصة التي لا تقبل البتة أي دفع من المنتخبين الذين يقولون هذا بأمر من السلطة أو باتفاق وتشاور شفهي معها…، وهنا لابد من انتباههم كي لا يقحموا أنفسهم في ممارسة اختصاصات مؤسسات أخرى.. وأن لا يحلوا محل المنتخبين بسبب عدم إلمامهم بالتشريعات الجاري بها العمل وصعوبة اتخاذ القرارات وتعليلها وتنزيلها، التي يؤطرها القانون التنظيمي للجماعات الترابية والتشريعات المتكاملة معه، مع تجنب الحلول محلها بإعطاء وإملاء الأوامر والقرارات الشفهية مما يقزم دور المنتخبين سواء أكانوا بمكتب المجلس أو مستشارين ومستشارات بما يعطي صورة وانطباعا عند الناس بأن السلطة المحلية فوق سلطة المنتخب و»وصية» على قراراته وأعماله وتدبيره . لهذا فتكريس ثقافة أن السلطة منفردة هي صاحبة القرار في تقديم أجوبة على أسئلة أو طلبات أو شكايات الساكنة أو جمعياتها .. فيه إضرار بمصداقية القانون والمؤسسات المنتخبة، وفيه إساءة للآليات الإدارية للدولة في علاقة بإدارة مرافق القرب الترابية التي تقوم مقام الدولة وفق الاختصاص والمهام والأدوار المنوطة بها في إطار من التكامل والتعاون والتشارك… نص الفصل 6 من الدستور على أن: (القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له…) إن تدبير زمن المؤسسات ترابيا هو تدبير للزمن العمومي للحكومات والدولة، فبقدر ما يحترم رجال السلطة وممثلو القطاعات الحكومية والمنتخبون اختصاصاتهم ويحرصون على تنزيلها بعدالة قانونية وحكامة إدارية بقدر ما يتقوى البناء الديموقراطي وترتفع درجات مصداقية دولة المؤسسات التي عرفها الدستور المغربي بانسجام مع حقوق الإنسان، كماهي متعارف عليها عالميا… ينص الفصل 145، (يمثل ولاة الجهات وعمال الأقاليم والعمالات، السلطة المركزية في الجماعات الترابية. – يعمل الولاة والعمال، باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون، وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية . – يساعد الولاة والعمال رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية – يقوم الولاة والعمال، تحت سلطة الوزراء المعنيين، بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، ويسهرون على حسن سيرها.)