هذا المقال صدر بتزامن مع تصريحات سعيد شنقريحة والتي فسرتها «مساء الجزائر» le soir d'algerie، بأ نها رسالة من عند الحدود المغربية، ووصلت إلى حد القول بعدم استبعاد حرب مع المغرب، معتبرة أن المناورات التي حضرها شنقريحة في هذه المنطقة الحدودية استعراض قوة موجه إلى القصر، لأنها منطقة توجد فيها كل القوات العسكرية البحرية والبرية والجوية! والمقال لم يتطرق أيضا الى قوى إقليمية «تقليدية» تشجع المجانين العسكريين عى دخول أتون حرب مفتوحة... تتكرر وتتشابه مثل حبات سبحة، المواقف النزاعية بين المغرب والجزائر. كل شهر، تقريبا تتخذ الجزائر قرارا يسير في اتجاه تعميق القطيعة وتكريس أجواء الحرب. في غشت / أغسطس الماضي قررت جزائر عبد المجيد تبون، قطع العلاقات مع المغرب، وفي بداية شهر شتنبر قررت إغلاق اجوائها في وجه الطيران المدني والعسكري المغربي، وقامت وحدات من الجيش ، بعد يوم واحد فقط على قرارها الجويهذا، بتحركات برية،اعتبرتها الأوساط المغربية بالاستفزازية، لأن الجيش الوطني الشعبي الجزائري، وصل إلى مناطق مغربية شرقية، في منطقة تسمى »زلمو« التابعة ترابيا لإقليم فجيج الحدودي، والذي كانت القوات الجزائرية نفسها قد دخلتها وطردت أصحاب اراضي في شرقه ، تسمى »العرجة»، بدعوى انها اراضي جزائرية.. ومنعت الساكنة من أملاكها الفلاحية المخصصة حصريا للنخيل .. التدخل الجديد لم يدم طويلا، حيث انتشرت القوات المسلحة الملكية في نفس الآن، مما دفع بعشرات الجنود الجزائريين الى الانسحاب من منطقة «زلمو» هاته، والتي تعتبر منطقة مغربية.غير أن طريقا قصيرا يربط بينها وبين منطقة أخرى هي «قصر ايش »،يعبر التراب الجزائري، وقد يكون سببا في رفع التوتر. كل هذه القرارات والمواقف ،يصاحبها مشروع ثابت زادت ضراوته في الآونة الاخيرة، يتعلق بالتحرك الديبلوماسي المكثف ضد المغرب، في القارة وفي منطقة الساحل وشمال افريقيا. وآخر العنقود، هو اغتنام الاجتماع الاخير للجمعية العامة للامم المتحدة لطرح قضية الصحراء بنَفَس تصعيدي ،في قضية الصحراء التي تعد أصل التوتر بين البلدين. هذه الحوادث الحدودية، أعادت الى ذهن المغاربة وشكان شمال افريقيا الاجواء التي رافقت حرب الرمال في العام 1963 بين البلدين الجارين ، الناجمة في الأصل عن اختراق حدودي جزائري لمنطقة فجيج ذاتها.. ولا يبدو أن المواقف الحربية ستقف عند هذا الحد، إذْ حسَب مبعوث الجزائر الخاص المكلف بمسألة الصحراء ودول المغرب العربي،( الجزائر هي البلد الوحيد الذي ابتدع منصبا رسميا باسم المبعوث الخاص بالصحراء !) عمار بلاني فإن «اتخاذ تدابير إضافية أمر غير مستبعد»،كما أكد يوم الجمعة في تصريح لوكالة رويترز... ويبدو من هذه الحوادث الحدودية ، كما لو أن الجزائر تنفض الغبار عن كل النقط القديمة، والملفات العالقة ذات نزعة خلافية.. مقابل هذه التحركات المقلقة ، يلتزم المغرب موقفا هادئا للغاية، فقد كان لافتا أن قرار إغلاق الأجواء الجزائرية في وجه الملاحة المغربية، لم يُثِر أي متابعة ولا تعليق من طرف المغرب. وكل وسائل الاعلام، الرسمية منها والمستقلة والحزبية، وكل المنظمات العمومية والمؤسسات الرسمية، بما فيها وزارة الخارجية،التزمت الصمت، معتبرة اغلاق الجو بعد قطع العلاقات، «لاحدثا»، وتفصيل لا يحمل رسالة جديدة تفوق قرار اغلاق الحدود! وكان لافتا أيضا أن القرارات التي تستدعي لها الجزائر مؤسساتها الاستراتيجية،كما هو حال مجلس الاعلى للأمن في الجزائر عند إغلاق الاجواء، فإن المغرب يميل الى نزع الطابع الدرامي عن ردوده، بحيث تولت شركة الخطوط الملكية المغربية، المدنية الرد على القرار... وكان لافتا أيضا أن المغرب، الذي سبق أن اعتبر، في بيان مقتضب لوزارة الديبلوماسية (انظر العربي الجديد) الذرائع التي قدمتها الجزائر في غشت الماضي لقطع العلاقات، ذرائع عبثية ولا منطقية،ضرب صفحا عن تصعيد الجزائر، بل تابع المغاربة ، ودول المنطقة كيف أن التوتر لم يمنع ملك المغرب من أن يُفعِّل»ديبلوماسية المواساة«، بحيث بعث رسالة تعزية إلى الرئيس الجزائري إثر وفاة رئيس الجمهورية الأسبق عبد القادر بن صالح. في الواقع، يستمر المغرب في سياسة اليد الممدودة التي عبر عنها ملك المغرب في خطاب العرش في يوليوز الاخير، والذي حظيت فيه العلاقات بين البلدين بحصة الاسد من خطاب، يكون عادة منذورا للسياسات الداخلية للبلاد. خطاب 31 يوليوز 2021، دعا «إلى تغليب منطق الحكمة، والمصالح العليا، من أجل تجاوز هذا الوضع المؤسف، الذي يضيع طاقات بلدينا، ويتنافى مع روابط المحبة والإخاء بين شعبينا.» واعتبر «المغرب والجزائر أكثر من دولتين جارتين، إنهما توأمان متكاملان». وبمقتضى نص الخطاب دعا العاهل المغربي «الرئيس الجزائري، للعمل سويا، في أقرب وقت يراه مناسبا، على تطوير العلاقات الأخوية، التي بناها شعبانا، عبر سنوات من الكفاح المشترك». وكانت ذكرى 20 غشت، التي جمعت في فترة محاربة الاستعمار الفرنسي، المقاومتين المغربية والجزائرية، فرصة أخرى ليقدم المغرب أطروحته حول راهنية الحسابات الجيو-سراتيجية لشمال افريقيا والمغرب الكبير، ومما يسترعي الانتباه هو النقد الموجه الى »القوى التقليدية« في أوروبا، والتي تعمل على تأجيج الصراع بين المغرب والجزائر.. وكان لافتا، كون ملك المغرب تحدث في هذه المناسبة بلسان المغرب الكبير، وهو ما يجعله يتكلم من داخل منطق التهدئة والتضامن مع الجزائر. قال ملك المغرب في هذا السياق إن »قليلا من الدول، خاصة الأوروبية، التي تعد للأسف من الشركاء التقليديين، تخاف على مصالحها الاقتصادية ، وعلى أسواقها ومراكز نفوذها، بالمنطقة المغاربية.كما أن بعض قياداتها، لم يستوعبوا بأن المشكل ليس في أنظمة بلدان المغرب الكبير، وإنما في أنظمتهم، التي تعيش على الماضي، ولا تستطيع أن تساير التطورات«. والواضح أن العقل الديبلوماسي المغربي يعتبر بأن التصعيد من طرف الجزائر خدمة لأطراف بعيدة عن المنطقة، لا سيما في الشق الأوروبي.. ولهذا لا يساير الجزائر في منطقها الحربي... ومن الثابت أن المغرب لا يفصل بين مخططات دول أوروبية ، وبين التصعيد الجزائري الذي يريد أن يخلق مناخا حربيا في المنطقة. ويتبين من خلال القراءة المقدمة من طرف المغرب أن هناك خططا، عوض »أن تدعو إلى دعم جهود المغرب، في توازن بين دول المنطقة«، فإنها تقدم »توصيات بعرقلة مسيرته التنموية، بدعوى أنها تخلق اختلالا بين البلدان المغاربية«... وهي إشارة إلى المجهود الألماني تجاه الاتحاد الاوروبي، من أجل وقف دعمه لمسيرة المغرب، وفرملة تقدمه حتى تلحق به باقي الدول المغاربية! والسؤال هو: هل ستنوب الحرب الكلاسيكية بين المغرب والجزائر ،عن الحرب الاقتصادية وحرب النفود التي طبَّعت معها كل دول العالم، من أجل وقف تقدم المغرب كما أوصى بذلك معهد الأمن والاستراتيجية الألماني؟ المستقبل سيجيب، لكن الغريب في الأمر أنه لحد الساعة لم تقم أية وساطة ديبلوماسية لنزع الفتيل، وكان ذلك أيضا بإصرار غريب من الجزائر، التي صرح رئيس ديبلوماسيتها رمطان لعمامرة على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب المنعقد مند ثلاثة اسابيع تقريبا »على أن موضوع قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب لا ولن يندرج ضمن جدول اعمال الاجتماع الوزاري، و أن قرار قطع العلاقات الدبلوماسية ليس قابلا للنقاش أو التداول باعتباره قرارا سياديا ونهائيا مؤسسا لا رجعة فيه«! فالدولة الجزائرية لحد الساعة يعتبر قائدها العسكري سعيد شنقريحة بأنها الأقوى عسكريا، ويعتبر رئيس ديبلوماسيتها بأنها الرائدة قاريا وشمالإفريقيا، ومع ذلك يبدوان في حاجة الى الحرب لرفع المعنويات المشلولة سياسيا / يسبب تبعات الحراك والمقاطعة واقتصاديا ومؤسساتيا واجتماعيا وطبيا في دولة من أغني دول شمال افريقيا! نشر في «العربي الجديد»