اتخذت الإدارة الأمريكيةالجديدة قرارات عدة بشأن الملف اليمني، لكن هل تعيد هذه القرارات اليمن المضطرب والذي مزقته الحرب لعدة سنوات إلى مسار السلام؟ وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، أخيرا إنهاء دور الولاياتالمتحدة في العمليات الهجومية في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة، وتعهد بتعزيز بلاده الدبلوماسية ودعم مبادرة الأممالمتحدة لإنهاء الحرب في اليمن. كما أعلنت الخارجية الأمريكية، تعيين تيموثي ليندركينغ، مبعوثا خاصا للولايات المتحدة إلى اليمن، وهو دبلوماسي مخضرم يتمتع بخبرة طويلة في الشؤون الإقليمية. وأعقب إعلان إنهاء واشنطن دعمها للعمليات العسكرية في اليمن وتعيين مبعوث خاص إلى اليمن، تأكيد الخارجية الأمريكية اعتزامها إزالة جماعة الحوثي اليمنية من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. وأكد مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية لوسائل إعلامية متعددة، أن الوزارة "أبلغت الكونجرس رسميا بهذه النية". وأوضح المسؤول الأمريكي "أن عملنا يرجع بالكامل إلى العواقب الإنسانية لهذا التصنيف". وكانت قد رحبت الحكومة اليمنية بدعم الجهود الدبلوماسية الأمريكية لحل الأزمة اليمنية، وتعيين مبعوث خاص لليمن، إلا أنها لم تعلق على إزالة تصنيف الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية. وفي الحادي عشر من يناير الماضي، صنفت الخارجية الأمريكية جماعة الحوثي في اليمن، الحوثيين "منظمة إرهابية أجنبية"، وقالت الحكومة اليمنية المعترف بها إن هذا التصنيف ينسجم مع مطالبها. وفي رد للحوثيين على إزالتهم من قائمة الإرهاب من قبل الخارجية الأمريكية وكذا قرار وقف واشنطن انهاء دورها في العمليات العسكرية باليمن، قال محمد الحوثي القيادي البارز في الجماعة "ما يقوم به الرئيس الأمريكي بايدن لا تزال مجرد تصريحات، نحن ننتظر الأثر على أرض الواقع". وأضاف في تصريحات صحفية، الخطوات الأمريكية لا أثر لها على أرض الواقع حاليا.. نحن نتطلع أن يتم وقف العدوان وفك الحصار وإنهاء المأساة اليمنية. ويرى مراقبون يمنيون أن الإدارة الأمريكية تتحرك باتجاه إعادة اليمن إلى المسار السياسي، بخطة جاهزة رغم المحاذير الكثيرة والكبيرة. وقال الباحث والمحلل السياسي اليمني عادل دشيلة، لوكالة أنباء (شينخوا) الاستراتيجية الأمريكيةالجديدة هي من أجل الضغط على الحركة الحوثية للقبول بعملية السلام في اليمن. وأضاف "أي عملية سياسية في المستقبل مالم تكن مبنية على أسس واضحة منها نزاع سلاح المليشيا ووقف الدعم الإقليمي للمتمردين شمالا وجنوبا، وعودة مؤسسات الدولة إلى العاصمة اليمنية صنعاء ومناقشة القضايا الأساسية التي أدت إلى اندلاع الصراع في اليمن.. فلا معنى لها، وستكون عملية هشة وقابلة للانهيار في أي لحظة". وأشار دشيلة إلى أن "الإدارة الأمريكية ستمضي نحو الدفع باتجاه حوار سياسي".. ومن المؤكد أن "هناك خطة جاهزة لتطبيقها على أرض الواقع". بدورها، ترى ندوى الدوسري، الباحثة اليمنية بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن، أن أمريكا قد تضع كل ثقلها لتحقيق اتفاق سياسي في اليمن. وأضافت الدوسري لوكالة أنباء (شينخوا) أن "حماس بايدن في أن يغير من سياسة أمريكا قد يؤدي إلى أن تضع الإدارة الأمريكية كل ثقلها لتحقيق اتفاق سياسي بين الحوثيين وحكومة الرئيس عبدربه منصور هادي". وأضافت "هذا لن ينهي الحرب وإنما سيزرع بذور لصراعات مستقبلية". وأشارت الباحثة اليمنية الدوسري إلى أن الاتفاق السياسي بالوضع الحالي سيصب في مصلحة الحوثيين على حساب اليمن والمنطقة. وعن قرار واشنطن إزالة جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب، يرى مركز دراسات وأبحاث يمني، أن القرار اتخذ دون التأكد من مدى جدية الحوثيين التخلي عن السلاح والانخراط في العمل السياسي. وقال عبدالسلام محمد رئيس مركز ابعاد للدراسات والبحوث، إن "إجراءات رفع الحوثيين من قوائم المنظمات الإرهابية لدى الولاياتالمتحدة كوارثه ستكون أسوأ من مخاوف تداعيات التصنيف على الأعمال الإغاثية والإنسانية". وأضاف محمد، على حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، "لأول مرة في تاريخ أمريكا يتم رفع جماعة من قوائم الإرهاب دون أن تبدي هذه الجماعة أية مراجعات لسلوك العنف الذي بنت تنظيمها المسلح عليه". وأردف "كان يفترض بواشنطن النظر من منظور المبادئ لا الخلافات السياسية الداخلية سواء أثناء تصنيف منظمات على قوائم الإرهاب أو الرفع، وفي اليمن يفترض بالولاياتالمتحدة أن تتأكد من مدى جدية الحوثيين في التخلي عن السلاح والانخراط في العمل السياسي وإيقاف هجماتهم الصاروخية على دول الجوار". وأشار رئيس مركز الدراسات والبحوث، إلى أن الحوثيين لن يتراجعوا بعد قرار رفعهم من قوائم الإرهاب عن سلوكهم العنيف وتنظيمهم المسلح ولن يكون الملف الإنساني أفضل حالا بل ستصبح الإغاثة أداة من أدوات الحوثيين العسكرية في تركيع اليمنيين، على حد قوله. وتسيطر جماعة الحوثي على العاصمة صنعاء ومعظم محافظات الشمال اليمني ذات الكثافة السكانية، وتخوض حربا ضد القوات الحكومية في مناطق واسعة من البلاد منذ أواخر العام 2014 بايدن يعيد رسم تحالفات واشنطن في الشرق الأوسط ويدخل هذا في سياق أكبر، إذ يعيد الرئيس الأمريكي جو بايدن بشكل سريع وإن كان غير مباشر موازنة أولويات الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط، متراجعا عن سياسة سلفه الداعمة بشكل كامل للسعودية وإسرائيل بينما يؤكد على الدبلوماسية مع إيران. وبعد أسبوعين على توليه الرئاسة، أعلن بايدن إسدال الستار على صفحة دعم بلاده للحملة العسكرية السعودية في اليمن التي قال إنها "أدت إلى كارثة إنسانية واستراتيجية". وفي أول خطاب رئيسي تطرق إلى سياسته الخارجية، كان من اللافت أنه لم يأت على ذكر اسرائيل عندما قال إنه سيعيد إحياء تحالفات مع زعماء آخرين، في موقف عكسه عدم اتصاله بعد برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. وبينما تعهد بتبني نهج متشدد حيال روسيا وتحدث عن التحديات التي تمثلها الصين، اكتفى بالمرور سريعا على إيران، في تناقض صارخ عما كان الحال عليه في عهد سلفه دونالد ترامب الذي لطالما اعتبر أن الجمهورية الإسلامية تشك ل تهديدا عالميا وأطلق حملة "ضغوط قصوى" عليها شملت إعلانه الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم عام 2015 الذي تفاوضت عليه إدارة باراك أوباما، والتي كان بايدن نائب الرئيس فيها. ويعقب المستشار المخضرم في شؤون الشرق الأوسط لدى وزراء الخارجية من الحزبين آرون ديفيد ميلر على الأمر قائلا "في حالتي إسرائيل والسعودية، وهي علاقات قرر ترامب إعادة تأهيلها بعد أوباما، فإن إدارة بايدن مستعدة لترك المزيد من المسافة، وإن لم يكن بنسبة متناظرة". في ما يتعلق بإسرائيل، أشار ميلر إلى أن إدارة بايدن تتروى قبل إجراء رابع انتخابات تشهدها الدولة العبرية في غضون عامين في مارس، نظرا لاحتمال هزيمة نتانياهو، الذي حشد تأييد المحافظين في الولاياتالمتحدة ضد سياسة أوباما حيال إيران. وقال ميلر، الباحث حاليا لدى "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي" "هذه إشارة إلى أن الأمور ليست كالمعتاد بالنسبة للطريقة التي تعامل ترامب من خلالها مع الإسرائيليين". أما بالنسبة لإيران، فنوه ميلر إلى أن بايدن يرسل إشارة على ما يبدو مفادها "لا نلاحق طهران". وحذ ر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن مرارا من العملية الطويلة لإعادة إحياء اتفاق 2015 النووي، على الرغم من أنه عين مبعوثا لإطلاق الحراك الدبلوماسي في هذا الاتجاه. وتعهد بايدن بالتركيز على القيم الديموقراطية بينما تعاملت إدارته ببرود مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، صديق ترامب الذي يشن حملة أمنية على حراك طلابي. وأما من خلال وضعه حدا للدعم للحرب التي تشارك فيها السعودية في اليمن، حيث بات 80 في المئة من السكان يعتمدون على المساعدات، ينفذ بايدن أحد وعود حملته الانتخابية لناشطين مناهضين لحملة الرياض. لكن بايدن أوضح أن الولاياتالمتحدة لا تزال تدعم المملكة في ملفات أخرى، بينما وصف المتحدث باسم الخارجية الأمريكية نيد برايس موقف الإدارة على أنه مجرد "عودة إلى الإجراءات الطبيعية" التي تقتضي مراجعة كل صفقة أسلحة. ويعد بايدن، الذي قضى 36 عاما في مجلس الشيوخ، شخصية وسطية في الحزب الديموقراطي ورفض دعوات يسارية لإعادة النظر بشكل أوسع في التحالف مع إسرائيل التي يزداد ميلها إلى اليمين. ووصف برايان كاتوليس من "مركز التقدم الأمريكي" المقر ب من اليسار، موقف بايدن بأنه "أقرب إلى إعادة تكيف باتجاه الوضع الطبيعي" في وقت تحاول الولاياتالمتحدة الترف ع عن الانقسامات. وقال كاتوليس إن "ترامب وضع أمريكا بدرجة كبيرة في جهة واحدة من الميزان في إطار النزاعات بين السعودية وإيران وإسرائيل وفلسطين". وأضاف "لم تنجح هذه الوضعية من قبل ترامب في خفض منسوب التوتر الإقليمي بل أعتقد أنها صعدته وكادت تدخل أمريكا من غير قصد في حرب أخرى في الشرق الأوسط من خلال المناوشات مع إيران". لكن إدارة أوباما هي من بدأت الدعم الأمريكي للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن ضد المتمر دين الحوثيين المرتبطين بإيران. إلا أن إدارة ترامب عززت العلاقة وأشادت بعمليات شراء المعدات العسكرية من قبل السعودية على اعتبار أنها مفيدة تجاريا بالنسبة للولايات المتحدة، فدعمت ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حتى بعدما حملته الاستخبارات الأمريكية مسؤولية الوقوف وراء عملية قتل الصحافي السعودي المقيم في الولاياتالمتحدة جمال خاشقجي الوحشية. كما حقق ترامب رغبة دبلوماسية لنتانياهو تمثلت بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ورفع منسوب الضغط على الفلسطينيين. وقال كاتوليس بشأن موقف بايدن حيال قضايا الشرق الأوسط "إنه تحول مهم… لكن الحقيقة على الأرجح أقل من الظاهر".