استيقظتْ أمي فاما عادة، على صفير النوارس، وهي تجوب بمناقيرها الحادة، ضفاف نهر أبي رقراق. صرير بابها المتهالك كشف عمَّا بداخل البيت القصديري من أوان متهالكة، وبقايا بشر ملفوفين في دثار أسود وأحمر. لم يكن الوادي، الذي يقسم مدينة الرباط إلى عدوتين، ممرا للسياح والعابرين فقط، وإنما كان معبرا لذاكرتها الموشومة، أيضا، بالألم والأمل. صراخ صبية يأتيها بعيدا، يتبعون سيول الوادي بين صواعده وهوابطه ، وعند كل منعطف يرتفع الجذب، ويشتد معه هرْج ومرْج . يتصايحون، يلعبون: ها ! نحن قد أمسكنا ب «حنكليس « لا ! لا ! قد ابتلعه المرجان، حاول مجددا هنا … تصعد بعض الفقاعات … لاحظ … لا تحيد عنه ناظريك . وقفت أمي فاما على حافة الوادي، وهي تتأمل قارب «سميحة «، وهو طاف فوق المياه، خال من زبناء يعبرون الوادي إلى الضفة الأخرى . تتذكر الحركة الدؤوب العابرة في فصل الصيف، وعندما يغيب القرص الأحمر في مجاهل البحر، حيث يغدو المكان قبلة لسياح يعشقون جمع الصور. تتذكر أمي فاما كيف بدأووا يزحفون على ما تبقى من ضفاف، بمتاريسَ إسمنتية تأكل أحياء بكاملها، وتشرب البلاد والعباد. في غضون ثلاث ليال، كانت أمي فاما تقلب وجعا مدفونا في جزء من ذاكرتها؛ لزوج طريح الفراش. رمت في جوف الليل، جنب الوادي، خمس جمرات علها تعينها على قضاء حاجتها. وتنهض الوعول من سباتها، مكتوية باللظى والشوق إلى العبور … هكذا ذهابا وإيابا على ضفاف أبي رقراق . إلى جانب قارب سميحة، في ليل بهيم، حكت أمي فاما عن يخوت كبيرة كالأعلام استقر بها المقام، فنصبوا متاريسَ ، ولاقطات هوائية تدور ناشرة أدخنة تشق العنان … لم تعد الضفة كما كانت في سابق عهدها … ولم تعد الحياة كما ألفتها أمي فاما ؛ لأن الوعول لاتزال تركض في البرية .