في الثقافة السليمة، تكون الضريبة مثالا للدقة، ولليقين. حتى في أذهان الأدباء، تكون حقيقة لا غبار عليها. وقد كان شارل ديكينز الروائي الشهير، يردد عن شيء مضبوط ويقيني، أنه «مضمون مثل الضريبة، ولا شيء أكثر يقينا من الضريبة». وهو الأمر الذي لم نشعر به.، حقا طوال سنوات، ولا عندما تكلم رجل المال والأبناك في الدولة المغربية عبد اللطيف جواهري، أمام البرلمان في جلسة 24 نونبر الماضي. وكأن واحدا لا يكفي، فقد زاحمه وزير المالية والاقتصاد، محمد بنشعبون، بالتحذير من المنحى الذي بدأ يتخذه التملص الضريبي.. كانت تنقصنا خطبة من فقيه لكي يؤذن فينا« ادفعوا ضرائبكم يرحمكم لله». فهؤلاء المتمصلون، أو الغشاشون، لا ينصتون لأذان الصلاة، ولا أذان الدولة بدفع الضريبة. ومازلنا نوجد في الكوكبة غير المحترمة للدولة التي لا يؤدي فيها أصحاب الأموال ضرائبهم يعتبرون ذلك، في الغالب ربحا أو غنيمة حرب لا يخوضها أحد ضدهم بل هم يخوضونها ضد بلادهم. وبما أن كلام الوزير والوالي لم يكن كافيا ، فقد عزز تقرير دولي ما ذهب إليه أصدقاؤنا في الحكامة وفي الحكومة.. واتضح من تقرير نشرته جريدتنا بقلم الزميل عماد عادل، أن المغرب يتكبد خسارة سنوية تفوق 521 مليون دولار، جراء التملص الضريبي، وبالدرهم تصل المبالغ إلى مليار درهم، أي مئات مليار سنتيم للبسطاء من قبيلي .. الموضوع ورد ضمن العدالة الضريبية التي تحتكم إليها الدول التي يحترم فيها أصحاب الرساميل نفسهم وانتماءهم... أدبيا، في الدول المحترمة، من لا يدفع الضرائب إنسان غير مكتمل المواطنة.. المتملص ناقص مواطنة. لم يكمل نصف وطنيته، ولا شيء غير ذلك.. ماديا، تضيع العدالة التي ننشذها بين من يدفع ومن لا يدفع، بمساعدة ظروف نعرفها جميعا.. ولهذا يسمى تقرير الضريبة الدولية بتقرير «العدالة الضريبية سنة 2020 في ظل جائحة كورونا». وقد تبين من أرقامه، أن المغرب «يتكبد خسارة سنوية تفوق 521 مليون دولار، جراء التملص الضريبي عامة، فيما تخسر خزينة الدولة 452 مليون دولار جراء التحايل الضريبي للشركات المغربية، وتهربها من أداء الضريبة على الأرباح غير المصرح بها، وهو ما يمثل 20.23 في المئة من معدل التحصيل الضريبي المفروض». نقطة ثانية تتمثل في تهريب الرساميل إلي الخارج. سؤال: ألا يدفع هؤلاء ضرائب في بلاد «برا..»؟ ألا تقتطع من حساباتهم ومن ممتلكاتهم ما يعود إلى الدول في تلك المناطق الخارجية؟ أكيد لهم أن يدفعوا ولن يتهربوا.. وهنا جواب لا نتردد في قوله: إنهم يحبون أن يدفعوا لأوطان غير أوطانهم، التي يمتصون منها المال والخيرات..كيف نسميهم إذن؟ لا أحتاج إلى رسم ومسطرة لإيجاد أوصافهم في تفقير بلادهم وإغناء دول أخرى.. لا وصف إلا ما تعرفونه! المثير أيضا، أن التقرير الحديث العهد، والذي يتحدث عنا تحت نيران كورونا،يقول إن» حجم الثروة التي يملكها المغاربة خارج المملكة يفوق 3.7 ملايير دولار، وهو ما يمثل 3.1 في المئة من الناتج الداخلي الخام للبلاد، ويقدر حجم المبالغ الضريبية التي تضيع على الخزينة العامة للمملكة من هذه الثروة المهربة في الخارج، ب69.9 مليون دولار...». هؤلاء الذين يتهربون من الضريبة لوطنهم ، ألا يرونه يصارع في الوباء ألا يرونه يصارع الانفصال ألا يرونه يصارع الفقر ألا يرونه يصارع الأعداء من كل حدب وصوب؟ كيف تطاوعهم أنفسهم في الغش وهم يملكون مالا وأملاكا؟ لقد تحدث الجواهري عن ثورة في الذهنيات، تجعل الناس لا يقبلون بالغش إزاء بلادهم، لكن هذه الثورة، على أعطاب الثروة، لا يمكن أن تحصل في القريب العاجل، والذي يمكن أن يحصل هو تثوير القوانين والممارسات، بالرقابة والحساب، و حتى إسقاط المواطنة ،عمن لم يدفع ضريبته.. فنصف المواطنة هو لامواطنة بكل تلخيص..