«لقد عشنا لحظات لا تنسى محفوفين بعناية خاصة وضيافة راقية، تميزها قيم الإيثار والسماحة والتواضع التي تميز ساكنة المنطقة»… هذا ما جاء على لسان أحد المجازين، والذي حل بمدينة دمنات بإقليمأزيلال، الثلاثاء المنصرم، بهدف اجتياز مباراة توظيف أطر الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة بني ملال – خنيفرة، تعبير ترجم من خلاله «الإحساس الخاص « الذي غمر نفوس العديد من المرشحين والمرشحات ممن وجدوا أنفسهم ضيوفا على أهالي المنطقة – أفورار أيضا – الذين سارعوا إلى استضافتهم مخففين عنهم عناء البحث عن مأوى لقضاء ليلتهم قبل موعد الامتحان الكتابي المحدد في اليوم الموالي. التحرك التآزري ذاته أقدمت عليه جمعيات مدنية بالمنطقة، وذلك إسهاما منها لتوفير ما يساهم على « التحضير للمباراة في أجواء من الأمن والطمأنينة». ومن نفس المرجعية السلوكية النبيلة ، تعيش معظم المناطق النائية / الجبلية، على امتداد جغرافية البلاد الشاسعة، هذه الأيام، ما يشبه السباق ضد الساعة من أجل مساعدة العديد من الأسر المعوزة على مواجهة فصل البرودة القاسية، عبر مبادرات جمعوية يقف وراءها منحدرون من المناطق المعنية – وغيرهم – من المتشبعين ب »نبل الفكرالتضامني « غير الملوث ب «الحسابات الانتهازية» الظرفية. فبدائرة تالوين بالنفوذ الترابي لإقليمتارودانت، مثلا، وتحت شعار» من أجل شتاء دافئ»، أطلقت، مؤخرا، جمعية أسايس للأعمال التربوية والثقافية والرياضية حملة نعتتها ب «مبادرة أصميد» – أو «الصقيع»، وذلك لفائدة تلاميذ وتلميذات المؤسسات التعليمية المحسوبة على جماعة أسايس، بغاية وحيدة عنوانها الرئيس «التخفيف من آثار موجة البرد القارس، حيث غالبا ما تنخفض درجات الحرارة بدواوير هذه الربوع ذات التضاريس الجبلية، إلى ما تحت الصفر، ما يشكل صقيعا استثنائيا يزيد من معاناة الساكنة المحلية، بكافة فئاتها العمرية «يقول أحد أعضاء الجمعية، لافتا إلى «أن المبادرة تستهدف اقتناء ألبسة صوفية، بما فيها من قفازات، طرابيش، جوارب وأحذية…، وقد لقيت نداءاتنا الصدى الطيب لدى بعض المحسنين، إلى جانب إسهامات الأعضاء، سواء القاطنين بالمغرب أو خارجه». تحركات جمعوية عديدة تؤكد – إذا ما كان الأمر يحتاج إلى تأكيد – أن ما تئن تحت وطأته مجموعة من الجماعات الترابية ، حضرية كانت أو قروية، من «نقائص بنيوية» تحول دون تحقيق القفزة التنموية المتوخاة، مرد بعضها أساسا إلى عدم اكتراث المؤتمنين على تدبير الشأن العام المحلي، في هذه المنطقة أو تلك، بما ينص عليه منطوق الفصل الثاني عشر من دستور فاتح يوليوز 2011، بشأن حتمية العمل على تنزيل المقاربة التشاركية: «تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها ، وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة، طبق شروط وكيفيات يحددها القانون..». إنها «مبادرات مواطناتية» أكدت الظرفية العصيبة التي تجتازها البلاد، على خلفية «الحرب» المتواصلة ضد تفشي فيروس كورونا، استعجالية التعاطي المسؤول مع القائمين عليها، والتي كشفت عن وجود «كفاءات» لا تنتظر إلا أن تتاح لها الفرصة لابتكار الحلول المواتية ل «معضلات» طالما عرقلت مسار التنمية في أكثر من جهة ، والتي وجدت نفسها مجبرة – طيلة سنوات منصرمة – على الرجوع إلى الوراء، في ظل سيادة الرؤى الأحادية لعدد من رؤساء الجماعات الترابية ومكاتبها المسيرة، والتي لا تتقن سوى عرقلة المشاريع الجمعوية الجادة، و«الاجتهاد» من أجل الدفع بأصحابها المتطوعين إلى اليأس و«رفع الراية البيضاء»، دون استحضار ما ينجم عن مثل هذه العينة من «السلوكات البيروقراطية» من عواقب وخيمة ترتدي لبوس «هدر» المزيد من «الزمن التنموي» غير القابل للتدارك بسهولة، وذلك في تناقض تام مع مضامين البلاغات الصادرة، بشكل متواتر، عن السلطات المحلية، في أكثر من إقليم وعمالة، سواء المتطرقة منها ل «مستجدات الحالة الوبائية» أو المستعرضة ل «محاور المخطط الإقليمي المتعلق بمكافحة موجة البرد وسوء الأحوال الجوية»، والتي تتوحد في التأكيد على «أهمية تنزيل المقاربة التشاركية» في أفق التغلب على مختلف الإكراهات وتذليل ما يواكبها من مصاعب؟