، دولة آمنة مطمئنة يعود فيها شيوخ الفقه الأسود، يعود فيها رجال الدين، إلى معابدهم ومقابرهم …نطمح إلى تطهير هذا البلد، البلد الأمين؛ بلد التسامح والديموقراطية ، بلد التعدد والاختلاف؛ نطمح إلى تطهيره من تجار الدين وتجار السياسة؛ الذين أساؤوا إلى الدين والسياسة سواء بسواء… نطمح إلى تطهير المغرب من فيروس شيوخ التكفير والموت …..أعداء الحياة والإنسان …تطهيره من دعاة الانغلاق والتعصب، زارعي الحقد والفتن… أعتقد أن وصول الإسلاميين إلى مبتغاهم كان مرحلة ضرورية، لنكتشف ضحالة مشروعهم، هذا إن جاز لنا تسميته بالمشروع . ففيما خلا كرسي السلطة، لم يتمكنوا حتى الآن من تقديم مشروع واضح ومتكامل لدولة يؤسسونها، ولم نر برامج أو خططا لحل مشكلات معقدة تعاني منها معظم الشعوب العربية من فقر وبطالة وأمية واحترام الفرد واحترام الفرص على أساس الكفاءة لا الولاءات. لا ديموقراطية على الأرض …فثمة ديموقراطية الأكثرية التي تجعل من الشعب أكثرية وأقلية …هناك لعبة ديموقراطية عبر صناديق الاقتراع …ما نحلم به أكبر وأنبل من لعبة الصناديق وكواليس السياسة …نطمح إلى دولة مدنية يتمتع فيها الجميع بحقوق المواطنة وواجباتها في ظل قانون لا أحد يقف فوق سطحه، يكون رجال الدين فيها داخل معابدهم فقط . أنا ممن يؤمنون بفساد الرؤية العامة للإسلاميين، وأراها تتحمل عبء إخفاقهم وفشلهم …ولا أرى الإخفاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي سجلت بحق تجربتهم إلا انعكاسا لفساد هذه الرؤية …أو لنقل إنه الدم الفاسد الذي بثوه في برامجهم فسرى بأوصال المجتمع المؤسسية حتى أصابها بالمرض..لأن رؤية، كرؤية الإسلاميين إلى مفاهيم القرن السابع أو العاشر الميلادي، حتما ستفقد حياتها وحيويتها بفعل الزمن وعوامله المؤكدسة، فالمفاهيم التي تسكن العقل تكبر وتهرم وتشيخ وتموت، وإن لم تكرم بدفنها تعرض العقل للخرف، حالها كحال خلايا الجسد عندما يعتريها النضوب ويحين الموت لا تعود قادرة على بث الحياة والحركة في الأوصال . وعوضا عن إكرام هذا الخرف وفصله عن الممارسة السياسية، أصر الإسلاميون على الإبقاء عليه، وتراءى لهم أن بث بعض مفاهيم الحداثة في خطابهم السلفي الماضوي من نوع المدنية، الديموقراطية، الشرعية الدستورية، سينجي حكمهم …ولكنهم لا يعرفون أن رش أفخر العطور الباريسية لا يستطيع أن يمنع هبوب الرائحة الكريهة من الميت… لماذا فشل الإسلاميون في الحكم ؟ ولماذا ينجحون؟ العالم تغير، والعالم العربي الإسلامي تغير كذلك. والتغير التاريخي لا يشكل، في حد ذاته، حجة على ضرورة فشلهم، لكنه عامل أساسي. «وضع الإنسانية «التاريخي الحالي، لم يعد مهيئا لقبول خضوع مطلق «لرقابة إيديولوجية»، حتى ولو كانت «دينية»، والإسلاميون لا يقترحون، على المستوى السياسي والاجتماعي، شيئا آخر، الحرية لا تختزل بحرية الصلاة والصوم، والتجارة، حرية الشعوب اليوم عديدة ومتحركة. وهم لا يعرضون أمام الشعوب إلا حريات ساكنة وبائتة. إنها نوع من النكوص المطلق الذي لا يفي بحاجة أحد من المواطنين. «الحريات الحديثة»، ويجب أن نصر على هذا التمييز، لا تشبه في شيء الحريات الإنسانية العتيقة، التي تدافع عنها حركات الإسلاميين السياسية. اليوم، تحتاج الشعوب إلى حرية المعتقد، وحرية السفر، وحرية التعبير، وحرية التغيير، وحرية تشكيل الأحزاب والنقابات والجمعيات والنوادي. إنها «الشعوب» بحاجة إلى حرية الفكر، وحرية الجسد، حرية المكان وحرية الزمان. والإسلاميون لا يعترفون بشيء من هذا، وإن فعلوا، فلا ضامن لمستقبل، ولا نعرف ما هي حدودهم الحقيقية للحرية . لنتعبد… ولنترك الآخرين يعيشون بحرية. والعدل أساس الملك، ولا عدل في المطلق، وبخاصة في المطلق الديني المحدد الوجهة والصفة مسبقا.