لماذا سيفشل الإسلاميون في الحكم؟ ولما ذا ينجحون؟ العالم تغيّر. والعالَم العربي الاسلامي كذلك. والتغيُّر التاريخي، لا يشكل، في حد ذاته، حجة على ضرورة فشلهم، لكنه عامل أساسي. «وضع الانسانية » التاريخي الحاليّ ، لم يعد مهيّئاً لقبول خضوع مطلق «لرقابة اديولوجية»، حتى ولو كانت «دينية». والاسلاميون لا يقترحون، على المستوى السياسي والاجتماعي، شيئاً آخر. الحرية لا تُختَزل بحرية الصلاة والصوم، والتجارة . حرية الشعوب اليوم عديدة، ومتحركة. وهم لا يعرضون أمام الشعوب إلا حريات ساكنة، وبائتة. إنها نوع من النكوص المطلق الذي لا يفي بحاجة أحد من المواطنين. «الحريات الحديثة»، ويجب أن نصر على هذا التمييز، لا تشبه في شيء الحريات الانسانية العتيقة، التي تدافع عنها حركات الاسلاميين السياسية. اليوم، تحتاج الشعوب إلى حرية المعتقد. وحرية السفر، وحرية التعبير، وحرية التغيير، وحرية تشكيل الاحزاب، والنقابات، والنوادي. إنها، «الشعوب»، بحاجة إلى حرية الفكر، وحرية الجسد. حرية المكان، وحرية الزمان. والاسلاميون لا يعترفون بشيء من هذا. وإن فعلوا، فلا ضامن لمستقبل معهم، ولا نعرف ما هي حدودهم الحقيقية للحرية. العالَم العربي، وبخاصة في المشرق، متعدد الأهواء، والاتْنيّات، والأعراق، والسلالات، والأديان، والمذاهب. إنه مجموعة من « الملل والنِحل»، كما يقول الاقدمون. فبإيّ حقّ تتحَكّم برقاب العباد المختلفين في كل شيء، وغير المتجانسين في مجال الاعتقاد والمذهب، حركة سياسية دينية ذات بُعْد واحد، متعنّتة، وصلبة، بكل المقاييس الانسانية. إن ذلك، على المستوى السياسيّ والأخلاقيّ، ضرب من الهوس والجنون. وعلى شعوب العالم العربي أن تقاوم هذا التسلّط اللااخلاقي بكل الوسائل والإمكانيات التي تملكها. من المحزن أن العالم، كله، دخل منذ عقود طويلة، مرحلة الدولة الوطنية المستقلة، بشكل أو بآخر، عن الارتباط المباشر بالدين. ولا زال العالم العربي يرزح تحت أغلال الدعاة الاسلاميين من أجل دولة دينية لم تعد تناسب الواقع المحلي، ولا الواقع الكوني، من أي زاوية نظرنا إليها. في المجتمعات العالمية، اليوم، ثمة دولة، وثمة دين. وإذا كانت الدولة واحدة، فالدين أديان. وهو الحال في العالم العربي، أيضاً. وفي المجتمعات الحديثة، هذه، الدولة وطنية. بمعنى آخر، هي مستقلة عن أديان البشر الذين يعيشون في كنفها. ولهذه الدولة حكومة. وللحكومة سلطة. مبرر وجود هذه السلطة الوحيد الاشتغال بالسياسة، لا بالدين. ومهمتها الحفاظ على حقوق المواطن أيا كان لونه، أو عرقه، أو مذهبه، أو دينه. الدين شأن شخصيّ بحت (صار هذا، الآن، من نافل القول، لكن لا بأس من التذكير به). فلماذا يريد الاسلاميون أن يُعِّمموا رؤيتهم الدينية الخاصة على الفضاء العام؟ ومن أعطاهم هذا الحق في العصر الحديث؟ وفي أي دولة على وجة «الكرة المائية» يوجد اليوم مَثَلٌ لهذا التصوُّر الديني العتيق للسياسة؟ هذا لا وجود له على وجه الأرض. فلماذا لا زال العالم العربي يعوم على «بحر من الأديان» التي لا مرفأ لها؟ هم فشلوا. وسيفشلون. لأن تصوُّرهم مناقض لحركة التاريخ. فلا يكفي أن تكون النيّة خالصة، لتنجح السياسة. السياسة عمل يختص بالفضاء العام دون تمييز، أو إقصاء، أو إلغاء. والإنسانية، في بلد معين، أكان في العالم العربي، أم في غيره، ليست وحدة متجانسة. والكائنات التي تعيش على الأرض معاً ليس لهم نفس الدين، أو نفس التوجه والنزعة. ولا يمكن أن تُحْكَم هذه الكائنات إلاّ على أساس التعدد والاختلاف. وليس بوسع التصور السياسي الديني المحدود بطبيعته، نتيجة التزامه بتعاليمه الخاصة، مهما كان صادقاً ومخلصاً، أن يفي بحاجة الحركة الاجتماعية اللامتناهية الأبعاد، والمصائر، والإختلافات. لنتعبَّد. ولنترك الآخرين يعيشون بحرية. والعدل أساس الملك. ولا عدل في المطلق. وبخاصة في المطلق الديني المحدد الوجهة والصفة مسبقاً.