لقد شاءت الأقدارأن أصاب بجلطة دماغية، في نهاية سنة 2016، ألزمتني الفراش لمدة ستة أشهر. وفي هذه الظروف الصعبة، وبهدف الاقتراب من فهم ما حصل لي، التجأت إلى قراءة كتابات حول الجهاز العصبي وطبيعته ووظائفه ومكوناته وتعقيداته وعلاقاته بباقي أعضاء جسم الانسان. وبعد تأملي في هذه الكتابات، التي تتحدث عن طبيعة هذا الجهاز وكيفية اشتغاله، اكتشفت شدة تعقده ودقة اشتغاله، ما دفعني إلى استخلاص أنه لا يمكن أن يكون من خلق البشر، بل إنه من خلق خالق ذي قوة عليا مكنته من خلق الكون والإنسان، حيث إن قدرته تفوق قدرات الطبيعة والإنسان، كما أنني لم أتوقف عند قراءة هذا النوع من الكتابات، بل قرأت أيضا كتابات فلسفية وصوفية بهدف التوصل إلى تعريف الخالق تعالى، لكنني عجزت عن الوصول إلى ذلك. يردد الناس كثيرا مفهوم «لله» عز وجل، ولكنهم يختلفون في فهم هذا المفهوم الذي يستحيل تحديده بشكل قطعي، لأنه لا يمكن لمن هو نسبي أن يحدد المطلق، ولا للمخلوق أن يحدد الخالق. وفي هذا الصدد يقول النفري عباراته الصوفية الشهيرة: »كلما اتسعت الرؤية، ضاقت العبارة. تبعا لذلك فإنني لا أدعي القدرة على الإحاطة بمفهوم «لله» تعالى، بل كان ما سأقوله في هذا الصدد، هو مجرد إشارات لا تدعي أنها تمثل «لله» جوهرا قطعا. لذلك، فعندما يتحدث الإنسان عن لله عز وجل، فإن كل ما سيقوله سيخطئ موضوع حديثه. وهذا شيء طبيعي، حيث يقول تعالى في القرآن الكريم: «ليس كمثله شيء في الأرض ولا في السماء (الشورى 11) ومن الأخطاء الكبيرة التي ترتكبها جماعات الإسلام السياسي التكفيري، أنها تتحدث عن لله تعالى بصفته موضوعا مستقلا، وهو ما يجعلها تسقط بعض الصفات البشرية على الذات الإلهية، حيث تنظر إلى لله عز وجل على أنه يغضب ويحقد وينتقم كما يفعل البشر.. إن لله تعالى ليس موضوعا مستقلا، بل إنه هو الذات المطلقة. وهو ليس موضوعا مهما يكن تمثلنا لشيء خارق، فالله تعالى هو من به تكون الأشياء، كما أنه عز وجل هو من به تكون الحياة. لذلك، لا يمكن تعريف الذات الإلهية، لأن اللغة لن تسعفنا، إذ هي ذاتها نسبية، هكذا، فبالله تعالى تكون اللغة ويكون الوجود ذاته. وعندما نزرع حبة في الأرض، فإنها تزهر وتثمر بقدرة لله تعالى. وعندما تلتقي بويضة وحيوان منوي، يولد الإنسان بإذنه تعالى. هكذا، فبالله تعالى تكون الحياة وتتحقق به كل الموجودات، تبعا لذلك، فالذات الإلاهية تمثل الكلية، حيث يقول تعالى: (وسع كرسيه السماوات والأرض) النور 255. يقول بعض الناس، وخاصة اللادينيين منهم، الذين احترم اختلافهم، أننا لا نستطيع أن نؤمن بمن لانراه. وتكمن مشكلة هؤلاء في أنهم يتصورون لله كذلك بكونه موضوعا، حيث لا يمكن أن يرى الانسان لله بعينيه. إننا نرى بالعين، ولكننا لا نستطيع رؤية عيوننا. «لله نور السماوات والأرض (النور 35 ) بالنور يرى الإنسان، ولكنه لا يستطيع أن يرى النور. وعندما يحفر الإنسان في الأرض، يجد الماء، فيكون هو الذي وجده لأنه حفر في الأرض، لكنه ليس هو من أوجده، بل لله هو الذي أوجده، إذ هو من تكون به الحياة، وذلك كالعين التي نرى بها ولا نراها، قد نرى العين في المرآة. ولا نستطيع أن نراها بالعين المجردة. لله هو الذي توجد به المخلوقات. وإذا أردنا أن نرى الله، فإنه لا يمكننا أن نراه بالعين المجردة. لأنه ليس موضوعا مستقلا، بل إننا نراه في الكون الذي هو المرآة التي يمكن أن نراه فيها. لذلك. عندما نتأمل في الكون وتعقيده وجماليته وأساليب اشتغاله المختلفة، فإننا نخلص إلى أنه لم يوجد نتيجة للصدفة أو حادث طبيعي، بل لابد أن يكون وجوده من فعل فاعل أول له قدرة أعظم من قدرات كل مخلوقاته.