توقيف شخص وابنه للاشتباه في تورطهما بعمليات نصب مرتبطة بالتوظيف الوهمي في القصر الكبير    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    تطورات جديدة في ملف إسكوبار الصحراء    "الطرق السيارة" تنبه السائقين مع بدء العطلة المدرسية    الرباط.. إطلاق العرض الوطني للتخييم لموسم 2025    رغم تطمينات الحكومة .. الأسعار المرتفعة تواصل الضغط على القدرة الشرائية للمغاربة    عمدة المدينة: جماعة طنجة لن تدخر أي جهد لجعل المدينة في مستوى التظاهرات الدولية وتطلعات المواطنين    اعتقال وحش آدمي تسبب في وفاة ابنة زوجته ذات الثلاث سنوات    "يونيسف": الكوارث المناخية تعطّل تعلم 250 مليون طفل في العالم    فيديو: ترامب يرفع السرية عن ملفي عمليتي اغتيال جون كينيدي ومارتن لوثر كينغ    وزارة الصحة تواصل تنفيذ التزاماتها بخصوص تثمين الموارد البشرية    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    تعيين الفرنسي رودي غارسيا مدربا جديدا لمنتخب بلجيكا    الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى: مشروع قانون الإضراب غير عادل    بعد "الاحتقان" و"التصعيد".. تفاصيل اجتماع عامل الفقيه بنصالح بموظفي جماعة ولاد عياد    الجزائر نحو عزلة داخلية بعدما عزلها العالم    بورصة البيضاء تفتتح التداول بارتفاع    الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة…انتشار حاد لفيروس الحصبة وفقدان أرواح الأطفال    نادي أحد كورت لكرة السلة يحتج على قرار توزيع الفرق في البطولة الجهوية    السكوري: مناقشة مشروع قانون الإضراب تتم في جو عال من المسؤولية    تنفيذا لتعهدات ترامب .. أمريكا ترحل مئات المهاجرين    تداولات الإفتتاح ببورصة البيضاء    مواجهة الفتح والرجاء بملعب البشير بدون جمهور    روسيا تتهم رئيسة اليونيسيف بالاهتمام بأطفال أوكرانيا أكثر من غزة    لقجع ينفي ما روجه الإعلام الإسباني بخصوص سعي "فيفا" تقليص ملاعب المغرب خلال مونديال 2030    العصبة الوطنية لكرة القدم النسوية تعقد اجتماع مكتبها المديري    المكسيك تنشئ مراكز إيواء حدودية تحسبا لترحيل المهاجرين غير النظاميين من الولايات المتحدة    النفط يهبط على خلفية مساعي ترامب لزيادة الإمدادات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    مايك وان" يُطلق أغنية "ولاء"بإيقاع حساني    الصين تطلق مجموعة جديدة من الأقمار الصناعية    رقم قياسي .. أول ناد في العالم تتخطى عائداته المالية مليار أورو في موسم واحد    سيفعل كل شيء.. سان جيرمان يريد نجم ليفربول بشدة        تألق نهضة بركان يقلق الجزائر    ما هو سر استمتاع الموظفين بالعمل والحياة معا في الدنمارك؟    ترامب يسعى لفرض "ضغوط قصوى" على إيران، فكيف ستبدو مع وجود الصين والمشهد الجيوسياسي المتغير؟    جوائز "الراتزي": "أوسكار" أسوأ الأفلام    تفاصيل تحرك مغربي لدى سلطات بوركينافاسو والنيجر للبحث عن سائقين "مختطفين"    تضارب في الأرقام حول التسوية الطوعية الضريبية    الحكومة تحمل "المعلومات المضللة" مسؤولية انتشار "بوحمرون"    نكسة جديدة للجزائر ودميتها البوليساريو .. مجلس الشيوخ الشيلي ينتصر لمغربية الصحراء    رئيس برلمان المجموعة الاقتصادية والنقدية لوسط إفريقيا يطلع على الزخم التنموي بجهة العيون    خط بحري كهربائي بالكامل بين طريفة وطنجة    افتتاح السنة القضائية بمحكمة الاستئناف ببني ملال    مفكرون يدرسون متن الجراري .. طلائعيٌّ وسّع مفهوم الأدب المغربي    هناء الإدريسي تطرح "مكملة بالنية" من ألحان رضوان الديري -فيديو-    الدوحة..انطلاق النسخة الرابعة لمهرجان (كتارا) لآلة العود بمشاركة مغربية    مدارس طنجة تتعافى من بوحمرون وسط دعوات بالإقبال على التلقيح    تعرف على فيروس داء الحصبة "بوحمرون" الذي ينتشر في المغرب    أخطار صحية بالجملة تتربص بالمشتغلين في الفترة الليلية    إوجين يُونيسكُو ومسرح اللاّمَعقُول هل كان كاتباً عبثيّاً حقّاً ؟    الأشعري يدعو إلى "المصالحة اللغوية" عند التنصيب عضواً بالأكاديمية    حادثة مروعة بمسنانة: مصرع شاب وإيقاف سائق سيارة حاول الفرار    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«أحلام غير منتهية الصلاحية» لعبد العزيز كوكاس


بمهماز السخرية، صحافي يرقص الحزين ويبكي الراقص

السخرية ليست مجرد تنكيت وتهكم على الوقائع السياسية والاجتماعية والأشخاص على مختلف مستوياتهم، إنها نقد خفي للظاهر المنحرفة في المجتمع، وهي بهذا المعنى ضد تطبيع إحساسنا مع الروتيني وضد تبلد الوعي النقدي تجاه مظاهر الانحراف، فهي طريقة منفلتة من رقابة كل السلط للتعبير عن مواقف غير مهادنة..
السخرية في كتاب "أحلام غير منتهية الصلاحية" للإعلامي والكاتب عبد العزيز كوكاس الصادر جزؤه الأول عن منشورات النورس مؤخرا، ليست من أجل التهكم والهزء بالأشخاص والظواهر والقيم الشاذة، بقدر ما هي بكاء خفي بدون دموع، أسلوب مختلف للتعبير عن نقد جريء وقاس أحيانا لما يسير بيننا بخيلاء وكبرياء طاووسي من قيم الفساد والزبونية والريع والابتزاز السياسي وتهميش النخب وإفسادها، وتجهيل مجتمع وربطه بقوة إلى عجلة التخلف في زمن لا يرحم… سخرية مرة تفضح كثافة الحزن الرابض في قلب كاتبها، ولكنها تحاول أن تروض المأساة بأسلوب الملهاة، ف"كثرة الهم كتضحك"، خاصة في مجتمع لا يضحك، وإن سخر وضحك حتى من نفسه خاف سوء العاقبة، فما يفتأ المغاربة يرددون بعد كل نوبة ضحك: "لله يخرج هاذ الضحك على خير"! كأن الحزن يترصدهم عند المنعطف الأول في درب الحياة..
ما لفت انتباهي في كتاب "أحلام غير منتهية الصلاحية" هو قدرة الكاتب عبد العزيز كوكاس على مسرحة الوقائع السياسية والاجتماعية التي يكتب عنها بطريقة كوميدية، فيها الكثير من الطرافة والإبداع والفرجة والخيال الذي يلتقط من خلاله الكاتب ظاهرة شاذة في المجتمع، أو سلوكا نشازا للنخب السياسية خاصة وتحويلها إلى شخوص تحكي، تؤدي أدوارا، ويدفعها المخرج نحو نقط الضوء ليكشف سلوكاتها ويعري نقائصها عبر مهماز السخرية، يبرز ذلك من خلال عناوين العديد من مقالات الكتاب، مثل: "السوق السياسي بالمغرب: مروضو قرود، قارئو الفال، نصابون وحلايقية"، "الملوخية والمقدسات"، "براد المخزن ونخبة السكر"، "صباح الخير أيها الفساد"، "الأحزاب العتيدة: من تنظيمات ديناصورية إلى فزّاعات حقول جرداء" و"وزارة للكسل"…
عناوين تلعب على المفارقات والتناقضات، تفجر طاقات توليد المجازات والاستعارات خارج تلك التي تحولت بكثرة التداول إلى كليشيهات، مثل عناوين: "بين السندان والمطرقة"، "على فرن ساخن".. يغري كوكاس قراءه من خلال تعويذة العنوان، يقدم تميمة ليسحر بها قراءه المفترضين ويدفعهم نحو فخاخ مقالاته بصبر صوفي، وبعد أن يقعوا في شرك لغته، ويصبحون بدورهم ممثلين في مسرح الأحداث والوقائع التي يصبح لها وجه آخر غير ما ألفوه واعتادوه في الواقع العيني، لأن الأشياء والأحداث هنا مضاف إليها زاوية نظر الكاتب واللغة التي تبدو طيعة في يد الإعلامي عبد العزيز كوكاس الذي تربينا كجيل على افتتاحياته في "البوح الممكن" في الصحيفة، وبالقلم الجاف في "الأسبوعية الجديدة" وغيرها من الأعمدة أو المقالات التي عاد ليطالعنا بها، بعد أن خلد لحظة لما يشبه البيات الشتوي، قبل أن يصقل أدوات صيده ويعود لنا بنفس متوهج وكتابة تبرز النضج والحكمة والحس النقدي الذي لم يتخل عنه كوكاس عبر ربع قرن من الكتابة الصحافية..
في نص "براد المخزن ونخبة السكر"، يحاول الكاتب أن يشخص حيرة النقاد والباحثين والمحللين في فهم بنية المخزن، بلغة ساخرة، طالب مصري شكُل عليه مفهوم "المخزن" رغم أنه التهم كتابات ريمي ليفو وواتر بوري وسانتوتسي وغيرهم من الكتاب والباحثين المغاربة، ليلتقي في الخزانة العامة بطالب مغربي، سيشرح له المخزن بالبراد الذي يذيب كل شيء، كل النخب السياسية التي شبهها بالسكر.. من السكارين الذي لا طعم له وهم التقنوقراط، إلى السكر "المقرط" مثل نخب الأحزاب الإدارية أو اليمين المغربي على ذلك الزمن، فالقالب من زعماء الكتلة الديمقراطية وبعض المعارضين اليساريين، حتى الشمندر الذي أكد الطالب للباحث المصري أنه "كمان بيذوب، لكن يلزمه الكثير من النار وبعض المصانع الخاصة مثل "درب مولاي علي الشريف" و"سجون قلعة مكونة وأكدز" وغيرها من المعاقل السرية.. وها نحن نقف على هذه الحقيقة اليوم بعد مرور عشرين سنة على تاريخ كتابة هذا المقال.
ثمة حوارية واضحة في قلب هذه السخرية، تسمح بتعدد أصوات شخوص في ذات المقال السياسي، كما في "صباح الخير أيها الفساد"، حيث يجري الكاتب حوارا مع الفساد الذي يظهر من خلال تعريفات السياسيين أنه مبهم وغامض وعصي على التحديد مثل "التماسيح والعفاريت" ومناهضي التغيير أو الإصلاح" و"الساحرات" ليصل بنا إلى خلاصة أن من لم يحدد بدقة العدو الذي سيحاربه، فإنه لن ينجح في القضاء عليه إن لم يصبح هو نفسه من أدوات الفساد الذي يبدو متغولا، له شكل أخطبوط بشع يوجد في البر والبحر والماء والهواء، ولا يقهر!
السخرية في "أحلام غير منتهية الصلاحية" ليست مقصودة لذاتها، وليست من أجل الضحك والتفكه والفرجة.. بقدر ما هي مهماز ينكأ الجراح، تجعل الراقص يبكي والحزين يرقص، كما في بيت المتنبي الشهير:
لا تحسبوا رقصي بينكم طربا فإن الطير يرقص مذبوحا من الألم
كتابة ساخرة تعتمد الجناسات والطباقات والمجازات التي تحفل بها اللغة العربية، لتعمق روح التناقض في الأشياء والأحداث، لعل هذا بالضبط ما قصده المبدع الراحل عبد الجبار السحيمي في الشهادة التي أُدرجت في مفتتح الجزء الأول من كتاب "أحلام غير منتهية الصلاحية"، حيث قال: "لا أدري من أي معجم تستقي كلماتك المرحة وهذه التعابير التي ترشح بحيوية نادرة، حتى وهي ترصد أحزاننا وسقطاتنا تحافظ على رشاقتها وحبورها الأدبي، ظللت أداوم على تتبع كتاباتك كحبات الدواء اللازم لتوازني الوجودي، وها أنا أصبحت مدمنا على كلماتك الأنيقة.. لو تدرك إلى أي حد أصبحت دائي الضروري للاستمرار في التفاؤل".
بالفعل، حين نطالع "أحلام غير منتهية الصلاحية" في جزئه الأول الصادر عن منشورات النورس نهاية شهر يوليوز الماضي، لا نكف عن الضحك المر، ينتزع الكاتب منا ابتسامة هنا، رقصة الطير المذبوح هناك، دمعة هنا، نضحك على نشازنا وعلى سوء حالنا، وبؤس أوضاعنا السياسية والاجتماعية والثقافية، ونحس بنوع من التخفيف ليس بمعنى أن هذه الكتابات تلهينا أو تخدرنا، ولكن بنوع من السمو في فهم حالنا والعمق في إدراك سبب هذه الاختلالات الملازمة لنا والمعيقة لتطورنا الجماعي، كما لو أن كوكاس يستعيد الوظيفة الأساسية التي أسندها أرسطو للدراما، إلى مقالاته الصحافية الممسرحة، أقصد وظيفة التطهير، الكطارسيس أو تطهير الروح قبل الجسد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.