لطالما تميزت العلاقات العريقة القائمة بين باريسوالرباط، بالحوار المكثف والمنتظم، وبتعاون اقتصادي وتقاطع في وجهات النظر حول عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وهكذا، فإن العاصمتين تأخذان على عاتقهما واجب الحفاظ على سلاسة الحوار والتعاون اللذان يصمدان في وجه جميع الصعاب، كما تجسد ذلك مختلف اللقاءات رفيعة المستوى التي يعقدها البلدان بشكل دوري، والتي تعد آليات سياسية جوهرية لشراكتهما دائمة التجدد. وكان آخر اجتماع رفيع المستوى قد انعقد في دجنبر الماضي، والذي شكل مناسبة للبلدين من أجل المضي قدما وفق خارطة طريق جديدة من سنتين، وتنشيط شراكتهما الاستراتيجية وتعزيزها من خلال آفاق مبتكرة. ومكن الاجتماع رفيع المستوى ال 14 بين فرنسا والمغرب، الرامي إلى إضفاء زخم جديد على علاقات الشراكة الاستراتيجية، متعددة الأبعاد والاستثنائية التي تجمع الرباطوباريس، من إجراء تقييم مرحلي للعلاقات القائمة بين البلدين في العديد من المجالات، لاسيما السياسية والاقتصادية والثقافية. وتوج هذا الاجتماع الذي انعقدت أشغاله في إطار علاقة الصداقة الاستثنائية التي تجمع فرنسا بالمغرب، والذي عرف مشاركة وفد رسمي فرنسي ومغربي مهم، بالتوقيع على تسع اتفاقيات ثنائية في مختلف المجالات، بما أعطى دفعة قوية لهذه العلاقات التي طالما كانت كثيفة. والأكيد أن العلاقات التي تجمع المغرب بفرنسا قديمة ومميزة ومشبعة بروح الصداقة والشراكة. وتنبني هذه الشراكة الاستثنائية المزودة بآليات متينة، ليس فقط على المصالح المشتركة، ولكن أيضا من خلال الاستشارات الاستراتيجية وتقاطع وجهات النظر حول القضايا التي ذات أهمية كبرى من قبيل الهجرة، والأمن، والثقافة، والحكامة الاقتصادية والبيئية. هكذا، فإن هذه القضايا وغيرها تشكل موضوع تنسيق وتشاور مستمر، لاسيما عندما يتعلق الأمر بمحاربة الإرهاب، والتطرف، والهجرة المنظمة التي تتم في إطار مقاربة شمولية مع مغرب ملتزم بإشاعة صورة إسلام يدعو للسلام والتسامح. هذا ما تم تناوله خلال الاجتماع رفيع المستوى الأخير، عندما أكدت الحكومتان المغربية والفرنسية على الطابع «المتميز» و»الوثيق» لتعاونهما الأمني من أجل مواجهة التحديات المطروحة في مجموع المنطقة، لاسيما في منطقة الساحل والصحراء. كما شكل الاجتماع الفرنسي- المغربي رفيع المستوى مناسبة للحكومة الفرنسية للتأكيد على دور المغرب «الفاعل المحوري» في مجال التصدي للهجرة غير الشرعية، والذي يكافح إلى جانب أوروبا شبكات مهربي البشر. كما أن القضايا الكبرى ذات البعدين الإقليمي والدولي، شملها تقاطع وجهات النظر والتشاور المنتظم بين العاصمتين. وفي سياق تطبعه تحديات جديدة على المستوى الوطني والإقليمي والدولي، تلتزم الرباطوباريس بتجديد علاقاتهما المميزة المدعومة بتعاون اقتصادي ومالي دينامي وواعد، وتعاون ثقافي واجتماعي غني يقوم على العلاقات الإنسانية بين البلدين، وذلك خدمة لمصالحهما المشتركة. وبخصوص قضية الصحراء، جددت فرنسا التأكيد ضمن الإعلان المشترك في ختام الاجتماع رفيع المستوى ال 14، على موقفها الثابت الداعم لمخطط الحكم الذاتي المقدم من طرف المغرب قصد تسوية النزاع حول الصحراء، وهو المخطط الذي تعتبره باريس بمثابة «قاعدة جدية وذات مصداقية من أجل بلوغ حل سياسي متفاوض بشأنه». وتنبع الشراكة الاستثنائية التي تجمع المغرب وفرنسا من كثافة قوية للعلاقات الإنسانية، من خلال جالية مغربية مهمة تقيم في فرنسا وجالية فرنسية ما فتئت تزداد في المغرب، لكن الشراكة المغربية-الفرنسية، هي شراكة اقتصادية أيضا. فقد نسج البلدان مع مرور السنوات علاقات تجارية ومالية مميزة. هكذا، وحسب الأرقام الأخيرة لمكتب الصرف، توجد فرنسا على رأس المستثمرين في المغرب سنة 2018، كما أنها بصمت على حضور اقتصادي قوي في المملكة مع معظم مجموعات «كاك 40» الموجودة في البلاد، وقد عززت أيضا مكانتها، من خلال المشاركة في إنجاز مشاريع مهيكلة من قبيل خط القطار المغربي فائق السرعة، والترامواي، وقطاع صناعة السيارات، وصناعة الطيران، والمركب الشمسي لميدلت… وقد شكل تميز الشراكة الاقتصادية وسبل تعزيزها وتنشيطها صلب الشق الاقتصادي للاجتماع رفيع المستوى ال 14 فرنسا-المغرب. وشكل هذا المنتدى الاقتصادي الذي أشرفت على تنظيمه كل من جمعية أرباب العمل الفرنسية والاتحاد العام لمقاولات المغرب، مناسبة للتداول «حول تطوير تعاون قطاعي طموح وحول آفاق القطاع الخاص المغربي». وتقوم العلاقة بين فرنسا والمغرب، أيضا، على حوار برلماني متفرد في خدمة تطوير العلاقات الثنائية. كما أن مجموعات الصداقة المحدثة على كلا الجانبين تساهم في تعزيز العلاقات بين البلدين. وهكذا، فإن المغرب ينظر إليه على مستوى الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ كنموذج في المنطقة، اعتبارا للمسلسل الديمقراطي المنفذ والمشاريع التنموية والإصلاحات المنتهجة. وكان هذا الحوار من جديد في قلب المنتدى البرلماني الفرنسي- المغربي الرابع، الشق البرلماني للاجتماع رفيع المستوى ال 14، والذي عقد بالجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ حول موضوع «الدبلوماسية البرلمانية في مواجهة التحديات العالمية»، ففي الإعلان الختامي، أكد برلمانا البلدين على «الشراكة الاستراتيجية المميزة» بين المغرب وفرنسا، اللذان يتقاسمان مصالح مشتركة في عدد من الملفات الإقليمية والدولية. وفي الشق الثقافي، يعد التعاون الثنائي غنيا ومتنوعا، كما يشهد على ذلك الحضور القوي للمعاهد الثقافية الفرنسية في المغرب، وكذا التنظيم المشترك لتظاهرات ثقافية في كلا البلدين. وهكذا، شكل الاجتماع ال 14 رفيع المستوى مناسبة بالنسبة للبلدين من أجل التأكيد على مدى تفرد علاقاتهما على أكثر من مستوى. وهي العلاقة التي يتعين حمايتها، وتعزيزها ودعمها خدمة للمصالح المشتركة للعاصمتين الحريصتين على الرفع من تنافسيتهما في المجال الاقتصادي، وتعزيز قيم الانفتاح والتسامح والاحترام على المستوى العالمي، كما أن هذه العلاقات مدعوة إلى استكشاف آفاق جديدة وتجديد مكوناتها اعتبارا للتحديات التي يواجهها عالم ما بعد فيروس كورونا.