القدرة الاستهلاكية للأسر ستسجل للمرة الأولى منذ سنة 1997 نموا سالبا بحوالي – 5,1 % ذهبت المندوبية السامية للتخطيط في توقعاتها للنمو الاقتصادي إلى أبعد مما توقعته الحكومة في قانونها المعدل الذي عرض على البرلمان، فبينما تتوقع الحكومة معدل نمو سلبي يعادل ناقص 5 في المائة، ترى المندوبية أن هذا المعدل سيصل إلى ناقص 5.8 في المائة من الناتج الداخلي الخام، مؤكدة أن الاقتصاد الوطني سنة 2020 سيشهد ركودا هو الأول من نوعه منذ أكثر من عقدين من الزمن، نتيجة التأثير المزدوج للجفاف الذي تعرفه بلادنا وتفشي وباء فيروس كورونا في العالم بأسره. وتتوقع المندوبية في وثيقة حول الميزانية الاستشرافية للعام القادم، أن تخلف هذه الأزمة عواقب وخيمة على النشاط الاقتصادي الوطني، تجاوزت تداعياتها تلك الناتجة عن الأزمة المالية لسنة 2008. حيث ستتأثر عدة قطاعات رئيسية بالنتائج السلبية للأزمة الصحية والاقتصادية، خاصة أنشطة السياحة والنقل والبناء وكذا الصناعات التحويلية التي ستعاني من انخفاض الطلب الخارجي الوارد أساسا من القارة الأوروبية. وأظهرت المندوبية أن الموسم الفلاحي 2019-2020، عرف عجزا في التساقطات المطرية، للسنة الثانية على التوالي، حيث لم تتجاوز سعتها 253 ملم، ليبلغ مستوى حقينة السدود حوالي %48 مقابل %65 خلال السنة الماضية. وهكذا سيسجل القطاع الفلاحي إنتاجا للحبوب لا يتجاوز 30 مليون قنطار (16,5 مليون قنطار من القمح الطري و7,5 مليون قنطار من القمح الصلب و5,8 مليون قنطار من الشعير)، أي بانخفاض ب 42% مقارنة بالموسم الفلاحي الماضي. كما ستؤثر هذه التقلبات المناخية، ولكن بدرجة أقل، على أنشطة الزراعات الأخرى. وبخصوص أنشطة تربية الماشية، ستمكن التساقطات المطرية المسجلة من التخفيف من حدة التأثيرات السلبية للجفاف وتحسن موارد الأعلاف بالمراعي. بخصوص الأنشطة غير الفلاحية، فإنها ستعرف تباطؤا ملحوظا، خاصة نتيجة التأثيرات السلبية للأزمة الصحية. على مستوى القطاع الثانوي، ستسجل أنشطة الصناعات التحويلية انخفاضا بحوالي%5,6 سنة 2020 عوض ارتفاع ب%2,8 سنة 2019. ويعزى تراجع هذه الأنشطة من جهة إلى تباطؤ الطلب الخارجي الموجه نحو المغرب، خاصة الوارد من الاتحاد الأوروبي ومن جهة أخرى إلى اختلالات على المستوى اللوجستي وإلى تراجع التموين من المدخلات نتيجة أزمة «كوفيد-19». وفي هذا السياق الذي يشهد تدهورا للنمو الاقتصادي الوطني، سيعرف سوق الشغل فقدان العديد من المناصب ستصل إلى 712 ألف منصب شغل سنة 2020. وبناء على فرضية استمرار المنحى التنازلي لمعدل النشاط، سيؤدي فقدان هذه الوظائف إلى ارتفاع معدل البطالة على المستوى الوطني إلى حوالي %14,8، أي بزيادة5,6 نقطة مقارنة بمستواه المسجل سنة 2019. ونبهت المندوبية إلى تراجع استهلاك الأسر سنة 2020 نتيجة تداعيات قيود الحجر الصحي وانكماش الدخل ارتباطا بتراجع الإنتاج. وستؤدي هذه العوامل مصحوبة بتداعيات تعاقب موسمين فلاحيين غير ملائمين، إلى تقليص الأسر لنفقات استهلاكهم، خاصة من نفقات استهلاك السلع المستدامة ونفقات النقل والمطاعم والترفيه. وبالتالي، سيعرف استهلاك الأسر للمرة الأولى منذ سنة 1997 نموا سالبا بحوالي%-5,1 سنة 2020 عوض زيادة ب %1,8 خلال السنة الماضية. وهكذا، سيسجل مساهمة سالبة في نمو الناتج الداخلي الإجمالي ب-2,9 نقط عوض مساهمة موجبة بنقطة واحدة سنة 2019. أوضحت المندوبية أن المغرب سيقوم باللجوء إلى كل الأساليب التي تمنحه هوامش أوسع للمناورة دون استنزاف الاحتياطي من العملة الصعبة التي يرتقب أن يتدهور بشكل كبير خلال سنة 2020 نتيجة انخفاض التدفقات المالية. وبالتالي، سيتم اللجوء إلى اقتراض خارجي إضافي يتجاوز سقف التمويلات الخارجية المحددة في القانون المالي لسنة 2020 في حدود 3,16 مليون دولار (31 مليون درهم). ويمكن تعليل هذا الاختيار بالتدابير الاستعجالية المتخذة لمكافحة الوباء، الشيء الذي سيفرز مستويات عالية من النفقات العمومية مقابل انخفاض مرتقب لمداخيل الدولة. وستؤدي هذه الظروف إلى الرفع من حصة الدين الخارجي للخزينة إلى %22,4 من الدين الإجمالي للخزينة و%16,7 من الناتج الداخلي الإجمالي، أي بزيادة ستصل على التوالي إلى2,7 نقط و0,8 نقطة من الناتج الداخلي الإجمالي مقارنة بالسنة الماضية. وبناء على حصة الدين الداخلي للخزينة المتوقع في حدود %57,7 من الناتج الداخلي الإجمالي، سيصل معدل الدين الإجمالي للخزينة إلى %74,4 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2020. أما على مستوى الدين الخارجي المضمون من طرف الدولة، فستعرف المؤسسات والمقاولات العمومية، ضغوطات تمويلية كبيرة للوفاء بالتزاماتها من أجل إنجاز استثمارات رئيسية، نتيجة تأثيرات الأزمة الصحية. ومن بين هذه المؤسسات التي تأثرت كثيرا بتداعيات الوباء، تلك التي ترتكز أنشطتها على قطاع النقل، خاصة المكتب الوطني للسكك الحديدية والخطوط الملكية المغربية والطرق السيارة بالمغرب والمكتب الوطني للمطارات. في ظل هذه الظروف، سيصل الدين العمومي الإجمالي إلى حوالي 92% من الناتج الداخلي الإجمالي، أي بارتفاع بحوالي 12 نقط مقارنة بالسنة الماضية.