عندما نتحدث عن معاناة العاملين أو الممارسين للتجارة والمهن والحرف الصغرى والمتوسطة، أو ما نسميها تجارة القرب أو بقال الحي أو «مول الحانوت»، ربما نكون على صواب في حديثنا عن هذه الفئات المتضررة والمهمشة أكثر من غيرها، والتي تشتغل أكثر من 16 ساعة يوميا وتقدم خدمات تجارية ومهنية واجتماعية لساكني الأحياء، باعتبار قربها واندماجها معها حتى أصبحا معاً (الساكنة وبقال الحي ) كأسرة واحدة، وقد ظهر في زمن جائحة كورونا، بوضوح، الدور الاجتماعي والأخلاقي والوطني، الذي تلعبه هذه الفئة التي تعتبر الخط الأمامي للحد من المواجهات الاجتماعية مع الحكومة، وذلك من خلال مساعدتها الساكنة بالتسهيلات والسلفات وتزويدها الأسر بما تحتاجه ودون ضمانات (حتى من طرف الدولة فما بالك بطلب هذه الضمانات من الساكنة)، سوى الثقة المترسخة بين الطرفين. ورغم هذا الدور الوطني الذي تقوم به فئة التجار والمهنيين فإن الحكومة لا تلقي لهم بالا وزادت من تهميشهم وعدم اكتراثها بمتاعبهم اليومية ومشاكلهم المهنية والاجتماعية مما فاقم من عزلتهم وجعلهم مثل السندان الذي يتلقى الضربات من «مطرقة حديدية» بدون رحمة. والدليل الساطع على معاناة «مول الحانوت» هو الخبر المفجع الذي وصلنا من سلا والذي يتعلق بانتحار بقال بعدما يئس من وضعه الاجتماعي وعيشه لظروف صعبة هو وأسرته المتكونة من عدة أفراد، وبعدما قاوم وضعه البئيس دون مبالاة من الحكومة لمشاكل هذه الشريحة المهمة في المجتمع، استسلم لقدره بعدما تراكمت عليه واجبات مسكنه وحاصرته المشاكل المادية من كل جانب ليقدم على فعلته التي لا نريدها أن تقع ولا يجوز مطلقاً الإقدام على قتل النفس، ولكن ليس كل الناس يصمدون أمام المشاكل بعد العجز عن حلها، وبعد لا مبالاة الحكومة للوضع المأساوي الذي يعيشه قطاع التجارة والمهن الصغرى والمتوسطة، فهل انتحار هذا البقال يمكنه أن يكون سببا في إيقاظ ضمير الحكومة و المسؤولين ويلفت نظرهم إلى المعاناة المزمنة، وذلك من أجل التعامل الجدي والمسؤول والوطني مع مشاكل قطاع التجار والمهنيين، أم أن «البوعزيزي مول الحانوت « لا يسمع أحد أنينه وهو يحتضر؟