شكلت الأرضية التي طرحها الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، والتي كانت بمثابة أرضية توجيهية لتأطير النقاش الاتحادي من أجل المساهمة في تدبير الوضعية الراهنة، (شكلت) قوة دفع في اتجاه الانتقال بالتداول العمومي الذي يعرفه المجال العمومي المغربي، والذي يتميز بكونه نقاشا خاصا، ويتأسس في جله على نقاش قضايا هامشية، غالبا ما ترتبط بالأشخاص وبمصالحهم الشخصية، إلى مستوى النقاش العمومي كمفهوم يحيل مباشرة على الصورة الفعلية للديمقراطية التشاركية، التي تضمن مشاركة جميع الفاعلين والمهتمين في تدبير الشأن العام، من خلال تحديد الاتجاهات الكبرى التي يجب أن تتحكم وتؤطر حدود الفعل السياسي، عبر ترتيب أولويات الأجندة السياسية. أرضية الأستاذ إدريس لشكر، التي عكست قناعات الرجل الحزبية ووفاءه لمبادئ الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ولهويته السياسية الاشتراكية الديمقراطية التي تعني الرغبة في تغيير الواقع المعيش من خلال تحليله تحليلا علميا وملموسا، بهدف جعله واقعا ينبني على فكرة احترام وضمان حرية الإنسان وكرامته ويقوم على إرساء مجتمع العدالة الاجتماعية، جاءت مقسمة إلى خمسة محاور، حدد في محاورها الأربعة الأولى أسس انطلاقة النموذج التنموي الجديد، الذي يجب أن يكون مضمونه دولة قوية عادلة ذات مصداقية، متحملة لمسؤولياتها ووفية بالتزاماتها، ومجتمعا حداثيا متضامنا بغض النظر عن الانتماء الطبقي أو الفئوي أو الجغرافي أو النوعي. وعليه، فلا يمكن لأي اتحادي أو لأي مؤمن بالاشتراكية الديمقراطية كمرجعية فكرية وهوية سياسية بما تعنيه من مبادئ وقيم وأهداف وغايات، إلا أن يتفق مع جل طروحات الأخ الكاتب الأول خصوصا فيما يتعلق بمداخل تجاوز تداعيات المغرب لجائحة وباء كورونا، وبالأسس التي يجب أن يتأسس عليها النموذج التنموي الجديد، وهو ما تطرقت إليه الأرضية التوجيهية في محاورها الأربعة الأولى. ولأن أرضية الأخ الكاتب الأول جاءت عبارة عن مجموعة من التوجيهات، وفي صورة دعوة مباشرة لفتح النقاش من خلالها حول كيفية تدبير الوضعية الراهنة للمغرب، سأحاول وبصفتي مناضلا في صفوف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن أتفاعل مع أرضية الأخ الكاتب الأول، فيما يتعلق برؤيته من أجل تقوية البيت الاتحادي وتطوير أدائنا الحزبي، بما يمكننا من الاستيعاب العقلاني للتحولات العالمية والمحلية التي نتجت عن انتشار "كوفيد 19 "، وهو المدخل الذي استهل به الأخ الكاتب الأول المحور الخامس والأخير من أرضيته، والذي خصصه للحديث عن واقعنا وأفقنا الحزبي. حيث حدد المهام المطروحة على الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في المرحلة المقبلة، باعتباره حزبا ديمقراطيا وفاعلا في المجتمع، في الاستمرار في الدفاع عن الديمقراطية وعن العمل السياسي والمؤسساتي المسؤول، وذلك بتقوية البيت الاتحادي وتطوير أدائه الحزبي من خلال استثمار الدينامية الحزبية، التي نتجت عن مبادرة الانفتاح والمصالحة، والحرص على مواصلة الحوار بين كل الكفاءات الحزبية الموجودة في مؤسسات الحزب وخارجها، وهو الحوار الذي انخرط فيه الحزب في شكل منتديات وطنية، والذي يقترح الأخ الكاتب الأول مواصلته من أجل إثراء عمل اللجنة التحضيرية للمؤتمر المقبل، والتي يلتزم الأخ الكاتب الأول بجعل تركيبتها تضم كل الكفاءات الاتحادية، وذلك من أجل بلورة أرضية متوافق عليها تمثل التصور السياسي والمجتمعي للحزب لمرحلة ما بعد "كورونا". هذا التصور يؤكد من جديد أن مبادرة الانفتاح والمصالحة، لم تكن دعوة معزولة ولا اختيارا ظرفيا ولا مزايدة سياسية، بل كانت دعوة صادقة ونبيلة، عنوانها من جهة، أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، هو في حاجة إلى كل الاتحاديين، سواء من بقوا صامدين من داخل حزبهم، أو الذين اختاروا تعليق عضويتهم لأسباب مختلفة، وإلى وكل المؤمنين بالديمقراطية والحداثة والعدالة الاجتماعية، ومن جهة أخرى فقد كانت ومازالت مدخلا أساسيا في عملية تعزيز حضور الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وتجويد وتطوير أدائه النضالي. ومن باب المسؤولية، وجب الإقرار أن الأجهزة الحزبية الأفقية، قد تعاطت مع مبادرة الانفتاح والمصالحة بمستويات ودرجات مختلفة، فبعد تنظيم ونجاح احتفالية الذكرى الستين لتأسيس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهو الحدث الذي جعله الحزب إعلانا عن انطلاق المبادرة، ثم تنظيم المنتديات الاشتراكية التي شكلت وعاء لاحتواء الحوار الاتحادي بين الاتحاديين سواء المنظمين في أجهزة الحزب أو غير المنظمين، بخصوص قضايا وطنية مهمة، لم تعرف الأجهزة الحزبية الأفقية في سعيها نحو تقعيد المبادرة الدينامية نفسها، أي لم تكن أساليبها بنفس الحماس والزخم، وهو ما يطرح مجموعة من الأسئلة، أهمها سؤال مستوى الاقتناع الجماعي بالمبادرة ضرورتها والجدوى منها. ثم إن مبادرة الانفتاح والمصالحة، وكما يتضح من عنوانها، فهي تتأسس على فكرتين، فكرة المصالحة وفكرة الانفتاح، التي تعني انفتاح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على المغاربة الذين يؤمنون بقيمه وتوجهاته – بهدف الحفاظ على هويته التي تشكل إجماعا لدى الاتحاديات والاتحاديين- ، ذلك أنه لا يمكن أبدا تصور تطوير أداء الحزب من دون تطوير وتأهيل أجهزته وتوسيع قاعدته، حتى تصل أفكاره ومواقفه إلى كل جيوب المجتمع، من خلال استيعابه لفئات مجتمعية عديدة، لكن وللأسف وكما هو ظاهر ومعروف لجميع الاتحاديين، فإن استغلال المبادرة من أجل العمل على تنمية العضوية وتعزيز صفوف المناضلين داخل الاتحاد الاشتراكي، لم يكن بزخم وحماس كبيرين، وذلك راجع بالأساس – في تقديري بطبيعة الحال- إلى سببين : السبب الأول: هو الثقافة التنظيمية التي تميز الأداة التنظيمية للاتحاد الاشتراكي، أي مجموع المبادئ الأساسية والقواعد التي تؤطر سلوك الاتحاديات والاتحاديين، وهي المبادئ التي أنتجها الاتحاديون وطوروها في مرحلة كان عنوانها الصراع المباشر مع السلطة، حيث كانت البنية التنظيمية أو ما يعرفه الاتحاديون باسم « التنظيم» الأداة الرئيسية والوسيلة التي يخوض بها الاتحاديون هذا الصراع، فمن تحكم في الأداة تحكم مباشرة في الصراع، أي في اتجاهاته وفي مستوياته، بل حتى في أطرافه، لذلك كان الاتحاديون يعملون على ضبط الخريطة التنظيمية، بهدف تحصين الذات الاتحادية خوفا من أي اختراق، ومع الوقت، ومع تغير التقاطبات السياسية في المغرب، أصبح « التنظيم» أو الرغبة في التحكم في «التنظيم» هدفا في حد ذاته بعدما كان وسيلة فقط، فتحولت الغاية من عملية ضبط القاعدة التنظيمية، من تحصين الذات والفكرة والمشروع، إلى آلية لحسم موازين القوى داخل الأجهزة التنظيمية، وهو الضبط الذي يتعارض مع سياسة الأبواب المفتوحة، التي سيكون لها تأثير كبير على التجاذبات الداخلية. والسبب الثاني: هو عدم قدرتنا على فهم واستيعاب التغيرات والتحولات التي عرفها المجتمع المغربي فهما جيدا، وبالتالي تحويل أداتنا التنظيمية، وجعلها أداة مرنة، تضمن الولوج المرن إليها، وتتيح الوصول السهل والسلس إلى كل المؤمنين بقيمنا ومبادئنا وأهدافنا، وذلك من خلال حسن استغلال ما تتيحه الثورة الإلكترونية من مميزات وصفات وإمكانات، وجب التفكير جديا في كيفية جعلها مميزات وصفات وإمكانات تميز أداتنا التنظيمية، عوض الاستمرار في تحديث بنيات كلاسيكية أنتجت في ظل شروط انتفت وتغيرت، وفي ظل ظرفيات مضت. إن تأكيد الأخ الكاتب الأول في أرضيته التوجيهية، على اعتبار مبادرة الانفتاح والمصالحة مدخلا أساسيا في عملية تقوية حضور الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وتجويد وتطوير أدائه النضالي، من أجل النهوض بمهامه وأدواره في الدفاع عن الديمقراطية وعن العمل السياسي والمؤسساتي المسؤول، يفرض على جميع الاتحاديين المقتنعين بهذا المدخل والمؤمنين بالمبادرة، التفكير في أساليب جديدة تعطي لها نفسا جديدا ذا طابع شمولي، يضمن انخراط كل الأجهزة الحزبية والقطاعية وبنفس مستويات الالتزام والتفاني، ولعل أنجع وسيلة، هي سهر القيادة الحزبية على تنظيم لقاءات تنظيمية إقليمية، تشكل انطلاقات جديدة للبنيات التنظيمية المحلية، حيث توجه الدعوة لحضورها وبالإضافة إلى كل الاتحاديين، (سواء المستمرين من داخل الأجهزة الحزبية، أو الذين اختاروا الانسحاب منها) إلى كل من عبّر عن رغبته في الانتماء إلى الحزب، من خلال ملء استمارة العضوية الإلكترونية، والتي يجب أن نضمن سهولة الوصول إليها، تماما كسهولة الولوج إلى وسائط التواصل الاجتماعية.