مايحدث الآن بأمريكا ليس بجديد. فالعنصرية كانت متجذرة في المجتمع الأمريكي منذ القرن 15م . وخير مثال أيام التجارة الثلاثية: أي عندما كانت الشركات الأوربية تنطلق من أوربا محملة بمواد غذائية فاسدة في اتجاه القارة الأفريقية ويتم تسليمها إلى شيوخ وزعماء القبائل..وفي المقابل يهجرون الأفارقة الأكفاء في النشاط الزراعي عبر بواخر وفي ظروف لا إنسانية في اتجاه الأراضي الأمريكية خاصة بالجنوب الفلاحي والذي كان في حاجة إلى اليد العاملة واستغلالها في أراضي قصب السكر والبن .وبالفعل تعرض الأفارقة لمختلف أشكال الاستغلال والسخرة من طرف البيض . وقد سبق لفيلسوف الأنوار فولتير في مؤلفه الشهير:كانديدCandide ان تناول معاناة الزنوج من بطش و عنصرية البيض. إن التاريخ يوثق لحرب الإبادة التي مورست في حق الامريكيين من أصول افريقية والتي كان من ورائها الشرطة الأمريكية.ومن بين هؤلاء الذين قتلوا على يد الشرطة الأمريكية نذكر :الايفون مارتن 2012..مايكل براون 2014. قيلاندرو كاستيل 2016..اتايتانا جيفرسون..برونا تايلور ..ايريك غادرنا.. فيردي غياب.. لو قام جان و جورج فلويد يونيو2020. لقد ارتكبت عناصر الشرطة الأمريكية وهم من البيض ،جريمة في حق الرجل الأمريكي من أصول افريقية، حيث وضع الشرطي رجله فوق عنق جورج فلويد لمدة تسع دقائق وهرس الشرطي وجه فلويد جورج تماما كما سبق وهرست أمريكا دولا وشعوبها تحث ثقل آلاتها العسكرية المدمرة بدءا من الفيتنام و مرورا بأفغانستان والعراق… لقد ناشد الأمريكي جورج فلويد الشرطي وترجاه بالتنفس فقط لكن الشرطي العنصري أصم أذنيه عن استغاثة فلويد كما تصم أمريكا أذنيها من استغاثات الشعوب التي تمنع عنها الماء والغذاء والدواء. واللافت للانتباه هو أن الرئيس الأمريكي ترامب وعلى طريقة الحكام المستبدين حاول أن يشيطن المظاهرات ويوظف لكلمة إرهاب داخلي المقابلة لكلمة إرهاب خارجي التي جرت العادة إن تقضي بها مآرب الولاياتالمتحدةالأمريكية في كل أرجاء المعمور،وهي المبرر غير القابل للطعن عند حكامها. فالرئيس الأمريكي ترامب عوض أن ينتصر على كوفيد 19، تفرغ وبالقوة لقمع التظاهرات الشعبية التي شارك فيها الأمريكيون البيض والذين ساندوا ودعموا الأقليات المضطهدة .هذه التظاهرات كانت ضد انتشار الظلم والعنصرية وغياب العدالة في أكبر بلد في العالم يتزعم ديمقراطيات الغرب. فعوض تطبيق القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية التي ينشدها الأمريكيون من أصول افريقية،ألقى ترامب اللوم على جهات أجنبية وجماعة انتيفاAntifa ونعتها بأوصاف قدحية ونابية. ان احتجاجات الامريكيين من الأقليات خاصة من أصول افريقية تمثل ثورة ضد الظلم والميزالعنصري وأعمال التنكيل والقتل..وهي كذلك ثورة ضد الحكم العنصري وضد الفوارق الطبقية وثورة في وجه النظام الرأسمالي الذي تتحكم فيه النخب الرأسمالية العليا والقوى المالية الحاكمة والبولي الصهيوني وقيادات الحزبين الجمهوري والديمقراطي. لقد نسي ترامب بأن الزعيم الراحل مارتن لوثر كينغ،كافح وناضل ضد الميز العنصري الذي تعاني منه الأقليات،وبأن الرئيس السابق باراك أوباما من اصول افريقية وعمدة العاصمة واشنطن وغيرهم الكثير من الذين تقلدوا مناصب قيادية وسياسية هامة …أصولهم افريقية . إن الرئيس الأمريكي ترامب لم يستوعب بعد أن زمن العنصرية قد ولى بلا رجعة مع أرسخ القوانين والمؤسسات الحقوقية والدستورية. فالرئيس الأمريكي ترامب سبق له أن تهجم على الرئيس السابق باراك أوباما وطالبه بالعودة إلى مسقط رأسه بكينيا وشن حملات عنصرية ضد المهاجرين والمسلمين..كلها أسباب موضوعية أدت إلى تفاقم ممارسات التمييز العنصري في دولة تدعي أنها زعيمة المساواة والحرية والديمقراطية في العالم. إن الرئيس الأمريكي ترامب غرد وهدد وأشاد بالجيش الأمريكي ووجد نفسه في قلب المعمعة..بحيث واجه تظاهرات وصياحات وغضب عارم في المجتمع الأمريكي متعدد الأعراق كما واجه ترامب قياديين في صفوف الجيش الأمريكي وبعض رؤساء الولايات. إن ما يقع في أمريكا يطرح سيلا من التساؤلات .ومن الصعب إعادة وحدة الأمريكيين والحفاظ على تنوعهم الثقافي والاثني في حال جرى تجديد انتخاب ترامب لولاية ثانية. *أستاذ مادة التاريخ